[ ص: 322 ] حلف لا يصوم فنوى وصام ساعة حنث ، وإن قال صوما لم يحنث إلا بتمام اليوم . حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع لم يحنث ما لم يسجد; ولو قال : صلاة لم يحنث إلا بتمام ركعتين ومن قال لأمته : إن ولدت ولدا فأنت حرة فولدت ولدا ميتا عتقت ، وكذلك الطلاق ، ولو قال : فهو حر فولدت ميتا ثم حيا عتق الحي ( سم ) ; ومن قال : من بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشره جماعة متفرقون عتق الأول ، وإن بشروه جميعا عتقوا; ولو قال : من أخبرني عتقوا في الوجهين قال : إن تسريت جارية فهي حرة فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت ، ولو اشتراها وتسرى بها لم تعتق . حلف لا يتزوج فزوجه غيره بغير أمره ، فإن أجاز بالقول حنث ، وإن أجاز بالفعل لا يحنث ، ولو أمر غيره أن يزوجه حنث ، وكذلك الطلاق والعتاق . حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة وكذلك ابنه وابنته الصغيرين ، وفي الكبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة . حلف لا يضرب عبده فوكل به حنث ، وإن نوى أن لا يباشره بنفسه صدق قضاء . ولو حلف لا يضرب ولده فأمر به لم يحنث; وذبح الشاة كضرب العبد . حلف لا يبيع فوكل به لم يحنث ، وكذا سائر المعاوضات المالية .
حلف لا يبيع فباع ولم يقبل المشتري لا يحنث ، وكذلك الإجارة والصرف والسلم والرهن والنكاح والخلع ، ولو وهب أو تصدق ، أو أعار فلم يقبل حنث . حلف ليقضين دينه إلى قريب فما دون الشهر ، وبعيد أكثر من الشهر ، وإن قال : ليقضينه اليوم ففعل ، وبعضها زيوف ، أو نبهرجة ، أو مستحقة لم يحنث ، ولو كان رصاصا أو ستوقة حنث . حلف لا يقبض دينه متفرقا فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض باقيه ، وإن قبضه في وزنتين متعاقبا لم يحنث . حلف لا يفعل كذا تركه أبدا ، وإن قال : لأفعلنه بر بواحدة . استحلف الوالي رجلا ليعلمنه بكل مفسد فهو على حال ولايته خاصة حلف ليهبنه ففعل ولم يقبل بر ، وكذلك القرض والعارية والصدقة .
فصل
[ الحنث في اليمين ]
( حلف لا يصوم فنوى وصام ساعة حنث ) لأن الصوم هو الإمساك عن المفطرات مع النية [ ص: 323 ] وقد وجد ( وإن قال صوما لم يحنث إلا بتمام اليوم ) لأنه يراد به الصوم التام ، وذلك صوم اليوم لأن ما دونه ناقص .
قال : ( حلف لا يصلي فقام وقرأ وركع لم يحنث ما لم يسجد ) لأن الصلاة عبارة عن الأركان ، فما لم يأت بها لا تسمى صلاة ، بخلاف الصوم لأنه عبارة عن الإمساك وأنه موجود في أول جزء من اليوم وفي الجزء الثاني يتكرر ( ولو قال صلاة لا يحنث إلا بتمام ركعتين ) لأنه يراد به الصلاة المعتبرة شرعا وأقل ذلك ركعتان .
قال : ( ومن قال لأمته : إن ولدت ولدا فأنت حرة ، فولدت ولدا ميتا عتقت ، وكذلك الطلاق ) لوجود الشرط وهو ولادة الولد ، ألا يرى أنه يقال : ولدت ولدا حيا ، وولدت ولدا ميتا ( ولو قال : فهو حر فولدت ميتا ثم حيا عتق الحي ) عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : لا يعتق لأن اليمين انحلت بوجود الشرط وهو ولادة الولد الميت لا إلى جزء لأن الميت ليس بمحل للحرية . وله أن الشرط ولادة الحي لأنه وصفه بالحرية ، ومن ضرورتها الحياة فصار كقوله إذا ولدت ولدا حيا فهو حر ، ولو قال كذلك عتق الحي فكذا هنا ، بخلاف حرية الأم والطلاق لأنه لم يقيده بالحياة فافترقا .
قال : ( ومن قال : من بشرني بقدوم فلان فهو حر فبشره جماعة متفرقون عتق الأول ، وإن بشروه جميعا عتقوا ، ولو قال : من أخبرني عتقوا في الوجهين ) لأن البشارة عرفا اسم لخبر سار صدق ليس عند المبشر علمه لأنه مأخوذ من تغير بشرة الوجه من الفرح عادة ، والسرور إنما يحصل بالصدق لا بالكذب وبخبر ليس عنده علمه ، والخبر اسم لمطلق الخبر سواء كان عنده علمه أو لم يكن ويقع على الصدق والكذب ، ففي المسألة الأولى البشارة حصلت بالأول لما بينا فعتق ولم تحصل بالباقي لأنه قد علم به فلم تكن بشارة ، وفي الثانية حصلت بإخبار الكل فيعتقون; أما الخبر فإنه وجد من الكل سواء كانوا متفرقين أو مجتمعين فيعتقون في الحالين ، والإعلام كالبشارة يعتق الأول لا غير لأنه ما يحصل به العلم وإنما يحصل بالأول ، والبشارة والخبر يكون بالكتابة والمراسلة كما يكون بالمشافهة ، والمحادثة بالمشافهة لا غير ، ولهذا يقال : أخبرنا الله تعالى ولا يقال : حدثنا .
[ ص: 324 ] فإذا قال : أي غلام بشرني بقدوم فلان فهو حر فكتب إليه غلامه بذلك عتق; ولو أن عبدا له أرسل عبدا له آخر بالبشارة فجاء الرسول وقال للمولى : إن فلانا يقول لك : قد قدم فلان عتق المرسل دون الرسول وهو بمنزلة الكتاب; ولو قال الرسول : إن فلانا قدم ولم يقل له أرسلني فلان عتق الرسول خاصة .
( قال : إن تسريت جارية فهي حرة فتسرى جارية كانت في ملكه عتقت ، ولو اشتراها وتسرى بها لم تعتق ) والفرق أن في المسألة الأولى تناولتها اليمين لكونها في ملكه ، وفي المسألة الثانية لم تكن في ملكه فلم يتناولها اليمين . وقال زفر رحمه الله : تعتق في الوجهين لأن ذكر التسري ذكر للملك ، لأن التسري لا يصح إلا في الملك . قلنا الملك يصير مذكورا ضرورة صحة التسري فيتقدر بقدره ولا يظهر في حق الحرية وهو الجزاء ، لأن الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها .
قال : ( حلف لا يتزوج فزوجه غيره بغير أمره ، فإن أجاز بالقول حنث ) لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء على ما عرف في تصرفات الفضولي .
( وإن أجاز بالفعل ) كإعطاء المهر ونحوه المختار أنه ( لا يحنث ) لأن العقود تختص بالأقوال فلا يكون فعله عقدا وإنما يكون رضا ، وشرط الحنث العقد لا الرضا . وروي عن محمد أنه لا يحنث في الوجهين ، وأفتى به بعض المشايخ ، لأن الإجازة ليست بإنشاء للعقد حقيقة ، وإنما هو تنفيذ لحكم العقد بالرضا به .
( ولو أمر غيره أن يزوجه حنث ) لأن الوكيل في النكاح سفير ومعبر على ما عرف في موضعه . ولو قال : عنيت أن لا أتكلم به صدق ديانة لأنه يحتمله لا قضاء لأنه خلاف الظاهر .
( وكذلك ) الحكم في ( الطلاق والعتاق ) وكل عقد لا ترجع حقوقه إلى الوكيل كالكتابة والخلع والهبة والصدقة والوديعة والعارية والقرض والاستقراض ، وكذلك كل فعل ليس له حقوق كالضرب والقتل والذبح والكسوة والقضاء والاقتضاء والخصومة والشركة فإنه يحنث بفعله وبالأمر . وفي الصلح روايتان بمنزلة البيع والنكاح .
[ ص: 325 ] ( حلف لا يزوج عبده أو أمته يحنث بالتوكيل والإجازة ) لأن ذلك مضاف إليه متوقف على إرادته لملكه وولايته ( وكذلك ابنه وابنته الصغيرين ) لولايته عليهما ( وفي الكبيرين لا يحنث إلا بالمباشرة ) لعدم ولايته عليهما فهو كالأجنبي عنهما فيتعلق بحقيقة الفعل .
قال : ( حلف لا يضرب عبده فوكل به حنث ) لأن منفعة ذلك ترجع إلى المالك فيجعل مباشرا لأنه لا حقوق له ترجع إلى الوكيل ( وإن نوى أن لا يباشره بنفسه صدق قضاء ) لأنه فعل حسي ، فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى الحقيقة فيصدق قضاء وديانة ، بخلاف ما تقدم من النكاح وأخواته لأنه تكلم بكلام يفضي إلى النكاح والطلاق والأمر بذلك مثل التكلم به ، فإذا نوى التكلم به فقد نوى الخاص من العام فيصدق ديانة لا قضاء .
قال : ( ولو حلف لا يضرب ولده فأمر به لم يحنث ) لأن منفعته عائدة إلى الولد وهو التثقيف والتأديب فلا ينسب إلى الأمر ، بخلاف ضرب العبد على ما تقدم .
( وذبح الشاة كضرب العبد ) حلف لا يضرب حرا فأمر غيره فضربه لا يحنث لأنه لا يملك ضرب الحر إلا أن يكون سلطانا أو قاضيا فيحنث لأنه لا يملك ضربا حدا وتعزيرا فيصح الأمر به .
قال : ( حلف لا يبيع فوكل به لم يحنث ، وكذا سائر المعاوضات المالية ) لأن العقد يوجد من العاقد حتى ترجع الحقوق إليه على ما مر في البيوع فلم يوجد الشرط وهو العقد من الحالف إلا أن ينوي ذلك لأن فيه تشديدا عليه ، أو يكون الحالف ممن لا يباشر العقود كالسلطان والمخدرة ، لأنه إنما يمنع نفسه عما يعتاد ، ولو كان الحالف يباشر مرة ويوكل أخرى تعتبر الغلبة .
قال : ( حلف لا يبيع فباع ولم يقبل المشتري لا يحنث ، وكذلك الإجارة والصرف والسلم [ ص: 326 ] والرهن والنكاح والخلع ، ولو وهب أو تصدق أو أعار فلم يقبل حنث ) لأن المعاوضة تمليك من الجانبين فيكون القبول ركنا لتحقيق المعاوضة ، وفي غير المعاوضة تمليك من جانب المملك وحده . وقال زفر : لا يحنث في الهبة والصدقة أيضا لأن تمامها بالقبول فصار كالبيع . قلنا : الهبة تمليك فتتم بالمملك والقبول شرط لثبوت الملك دون وجود الهبة ، فصار كالوصية والإقرار بخلاف البيع لأنه تمليك وتملك على ما بينا . وعن أبي حنيفة رحمه الله : في القرض روايتان ، ويحنث بالبيع الفاسد والهبة الفاسدة . وعن أبي يوسف أنه لا يحنث . وقال زفر : لا يحنث فيه إلا بالقبض ، لأن المقصود الملك وهو بالقبض . قلنا : هو بيع حقيقة لوجود الإيجاب والقبول وعلى هذا البيع بشرط الخيار .
قال : ( حلف ليقضين دينه إلى قريب فما دون الشهر ، وبعيد أكثر من الشهر ) لأن ما دون الشهر يعد قريبا ، والشهر وما زاد يعد بعيدا والعبرة للمعتاد .
( وإن قال : ليقضينه اليوم ففعل وبعضها زيوف ، أو نبهرجة ، أو مستحقة لم يحنث ) لأنها دراهم إلا أنها معيبة والعيب لا يعدم الجنس ، ألا يرى أنه لو تجوز بها في الصرف والسلم جاز ، والمستحقة دراهم وقبضها صحيح ، وبردها لا ينتقض القبض الأول المستحق باليمين .
( ولو كان رصاصا أو ستوقة حنث ) لأنهما ليسا بدراهم حتى لو تجوز بهما لا يجوز ، وهذا إذا كان الأكثر ستوقا ، أما إذا كان الأكثر فضة لا يحنث . حلف ليقضين من فلان حقه فأخذه من وكيله أو كفيل عنه بأمره أو محتال عليه بأمر المطلوب بر ، وإن كانت الكفالة والحوالة بغير أمر المطلوب حنث ، لأن القبض ليس من المحلوف عليه ، ألا يرى أن الدافع لا يرجع عليه ، وفي الفصل الأول الأخذ من وكيله أخذ منه ، لما بينا أن حقوق القضاء لا ترجع إلى المأمور وكذا كفيله بأمره كالوكيل ، ولهذا يرجع بما أدى عليه ، وكذا لو حلف ليعطين فلانا حقه فأمر غيره بالأداء أو أحاله فقبض بر ، ولو باعه شيئا وقبضه بر أيضا ، لأن بالبيع صار الثمن دينا في ذمته فيتقاصان وهو طريق قضاء الديون ; ولو أبرأه أو وهبه حنث لأنه إسقاط محض من جهة الطالب وليس بقضاء من الحالف ، بخلاف البيع على ما بينا . حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه فهرب من الغريم لم يحنث .
[ ص: 327 ] قال : ( حلف لا يقبض دينه متفرقا فقبض بعضه لا يحنث حتى يقبض باقيه ) لأن الشرط قبض جميع دينه متفرقا ولم يوجد شرط الحنث ، ألا يرى أنه لو أبرأه من الباقي أو وهبه لا يكون قابضا للكل ( وإن قبضه في وزنتين متعاقبا لم يحنث ) لأنه قد يتعذر وزن الكل دفعة واحدة فيكون هذا القدر مستثنى من اليمين فلا يحنث به ، وإن اشتغل بين وزنين بعمل آخر حنث لأنه تبدل المجلس فاختلف الدفع .
قال : ( حلف لا يفعل كذا تركه أبدا لأنه نفى مطلقا فيعم .
( وإن قال : لأفعلنه بر بواحدة ) لأنه في معرض الإثبات فيبر بأي فعل فعله ، وإنما يحنث بموته أو بهلاك محل الفعل إذا أيس من الفعل .
قال : ( استحلف الوالي رجلا ليعلمنه بكل مفسد فهو على حال ولايته خاصة ) لأن المقصود من ذلك رفع الفساد ودفع الشر بالمنع والزجر ، وذلك في حالة سلطنته وولايته فيتقيد بها ، وزوالها بالموت والعزل ( حلف ليهبنه ففعل ولم يقبل بر ، وكذلك القرض والعارية والصدقة ) وقد مر الوجه فيه .