والزنا : وطء الرجل المرأة في القبل في غير الملك وشبهته ، ويثبت بالبينة والإقرار والبينة : أن يشهد أربعة على رجل وامرأة بالزنا ، فإذا شهدوا يسألهم القاضي عن ماهيته وكيفيته ومكانه وزمانه والمزني بها ، فإذا بينوا ذلك ، وذكروا أنها محرمة عليه من كل وجه ، وشهدوا به كالميل في المكحلة ، وعدلوا في السر والعلانية حكم به ، فإن نقصوا عن أربعة فهم قذفة ، وإن رجعوا قبل الرجم سقط وحدوا ، وإن رجعوا بعد الرجم يضمنون الدية ، وإن رجع واحد فربعها ، وإن شهدوا بزنا متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل ويثبت بالإقرار ، وهو أن يقر العاقل البالغ أربع مرات في أربع مجالس يرده القاضي في كل مرة حتى لا يراه ، ثم يسأله كما يسأل الشهود إلا عن الزمان ، فإذا بين ذلك لزمه الحد وإذا رجع عن إقراره قبل الحد أو في وسطه خلي سبيله ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع كقوله له : لعلك وطئت بشبهة ، أو قبلت ، أو لمست . وحد الزاني إن كان محصنا الرجم بالحجارة حتى يموت ، يخرج إلى أرض فضاء ، فإن كان ثبت بالبينة يبتدئ الشهود ثم الإمام ثم الناس ، فإذا امتنع الشهود أو بعضهم لا يرجم ، وإن ثبت بالإقرار ابتدأ الإمام ثم الناس ، وإن لم يكن محصنا فحده الجلد مائة للحر وخمسون للعبد ، ويضرب بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه ، ويجرد عن ثيابه إلا الإزار ، ولا تجرد المرأة إلا عن الفرو والحشو ، وإن حفر لها في الرجم جاز ، ويضرب الرجل قائما في جميع الحدود ، ولا يجمع على المحصن الجلد والرجم ، ولا يجمع على غير المحصن الجلد والنفي إلا أن يراه الإمام مصلحة فيفعله بما يراه ، ولا يقيم المولى الحد على عبده إلا بإذن الإمام ، وإذا كان الزاني مريضا ، فإن كان محصنا رجم ، وإلا لا يجلد حتى يبرأ ، والمرأة الحامل لا تحد حتى تضع حملها ، فإن كان حدها الجلد فحتى تتعالى من نفاسها ، وإن كان الرجم فعقيب الولادة ، وإن لم يكن للصغير من يربيه فحتى يستغني عنها .
وإحصان الرجم : الحرية والعقل والبلوغ والإسلام والدخول ، وهو الإيلاج في القبل في نكاح صحيح وهما بصفة الإحصان ويثبت الإحصان بالإقرار ، أو بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين; وكذلك إن كان بينهما ولد معروف .
قال : ( فإن كان ثبت بالبينة يبتدئ الشهود ثم الإمام ثم الناس ) لما روي عن علي رضي الله عنه أنه بدأ برجم الهمدانية لما أقرت عنده بالزنا وقال : الرجم رجمان : رجم سر ، ورجم علانية ، فالعلانية أن يشهد على المرأة ما في بطنها ، والسر أن يشهد الشهود فترجم الشهود ثم الإمام ثم الناس ، ولأن البداءة بالشهود ضرب احتيال للدرء; لأن الشاهد قد يتجاسر على الأداء وتتعاظم المباشرة حرمة للنفس فيرجع عن الشهادة .
قال : ( فإذا امتنع الشهود أو بعضهم لا يرجم ) لأنه دليل رجوعهم ، وكذا إذا غابوا في ظاهر الرواية لفوات الشرط ، وكذا إذا ماتوا أو مات بعضهم ، وكذا إذا جنوا أو فسقوا أو قذفوا [ ص: 339 ] فحدوا أو حد أحدهم أو عمي أو خرس أو ارتد ، لأن الطارئ على الحد قبل الاستيفاء كالموجود في الابتداء كما في رجوع المقر فصار كأنهم شهدوا وهم بهذه الصفة فلا يحد . وعن أبي يوسف : إذا غاب الشهود رجم ولم ينتظروا ، وكذا إذا امتنعوا أو امتنع بعضهم لأنه حد فلا يشترط فيه مباشرة الشهود كالجلد . قلنا الجلد لا يحسنه كل أحد فربما وقع مهلكا ، ولا كذلك الرجم لأنه إتلاف . وعن محمد : إذا كانوا مرضى أو مقطوعي الأيدي يبتدئ الإمام ثم الناس لأن الامتناع إذا كان بعذر ظاهر زالت التهمة ، ولا كذلك لو ماتوا لاحتمال الرجوع أو الامتناع فكان ذلك شبهة ; ولا بأس لكل من رمى أن يتعمد مقتله لأنه واجب القتل إلا أن يكون ذا رحم منه ، فالأولى أن لا يتعمد مقتله ويولي ذلك غيره لأنه نوع من قطيعة الرحم من غير حاجة .
[ ص: 340 ] قال : ( يضرب بسوط لا ثمرة له ضربا متوسطا يفرقه على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه ) لأن عليا رضي الله عنه كسر ثمرة السوط لما أراد إقامة الحد به " والمتوسط من الضرب بين المتلف وغير المؤلم ليحصل المقصود ، وهو الانزجار بدون الهلاك . وأما التفريق على الأعضاء لأنه إذا جمع الضرب في مكان واحد ربما أدى إلى التلف ، والحد غير متلف ، وليدخل الألم على كل عضو كما وصلت اللذة إليه ، إلا أنه يتقي الأعضاء التي لا يؤمن فيها التلف ، أو تلف ما ليس بمستحق ، إذ التلف ليس بمستحق فالرأس والفرج مقتل ، والوجه مكان البصر والشم . وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للجلاد : اتق الرأس والوجه .
وعن أبي يوسف أنه يضرب الرأس ، فقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : " اضربوا الرأس فإن الشيطان فيه " ولأنه لا يخشى التلف بسوط وسوطين ، وجوابه ما مر ، وأثر nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ورد في حربي كان راعيا وهو مستحق القتل .
قال : ( ويجرد عن ثيابه إلا الإزار ) هكذا نقل عن علي رضي الله عنه ، ولأنه أبلغ في إيصال الألم إليه ، وحد الزنا مبناه على شدة الضرب فيقع أبلغ في الزجر ، ونزع الإزار يؤدي إلى كشف العورة فلا ينزع .
قال : ( ولا تجرد المرأة إلا عن الفرو والحشو ) لأن مبنى حالهن على الستر ، وفي نزع ثيابها كشف عورتها ، والستر يحصل بدون الحشو والفرو ، وفيهما منع من وصول الألم فينزعان وتضرب جالسة لأنه أستر لها . وعن علي رضي الله عنه : يضرب الرجال في الحدود قياما والنساء قعودا ( وإن حفر لها في الرجم جاز ) لما روينا من حديث الغامدية ، وعلي رضي الله عنه حفر للهمدانية ، وإن تركه لا يضر لأنه غير مأمور به .
قال : ( ولا يجمع على المحصن الجلد والرجم ) لأنه صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يجلده ، ولأنه لا فائدة في الجلد ، لأن المراد من الحد الزجر وهو لا ينزجر بعد هلاكه ، وزجر غيره يحصل بالرجم إذ القتل أبلغ العقوبات ، وهو مذهب عامة العلماء .
قال : ( وإذا كان الزاني مريضا فإن كان محصنا رجم ) لأن الإتلاف مستحق عليه فلا معنى للتأخير .
قال : ( وإلا لا يجلد حتى يبرأ ) لأنه ربما أفضى إلى ، الهلاك وليس مشروعا ، ولهذا [ ص: 343 ] " أمر صلى الله عليه وسلم بحسم يد السارق " ولهذا لا يقطع في البرد الشديد والحر الشديد .
وأما كونهما على صفة الإحصان فلأن كل وطء لا يوجب إحصان أحد الواطئين لا يوجب إحصان الآخر كالمملوكين والمجنونين . وصورته : لو تزوج بأمة أو صبية أو مجنونة أو كافرة ودخل بها لم يصر محصنا ، وكذا لو كانت حرة عاقلة بالغة وهو عبد أو صبي أو مجنون لا تصير محصنة إلا إذا دخل بها بعد الإسلام والعتق والبلوغ والإفاقة ، فحينئذ يصير محصنا بهذه الإصابة لا بما قبلها ، لأن نعم الزوجية لا تتكامل مع هؤلاء ، لأن هذه المعاني تنفر الطباع إما لعداوة الدين أو لذل الرق أو لعدم العقل أو لنقصانه وعدم ميل الصبية إليه فلا تتغلظ جنايته . وعن أبي يوسف أنه لا يشترط الدخول على صفة الإحصان ، وعنه أن الوطء إذا حصل قبل العتق ثم أعتقا صارا محصنين بالوطء الأول .
والجواب عن الأول أن كل وطء لا يوجب إحصان أحدهما لا يوجب إحصان الآخر كما بينا . وعن الأخرى أن كل وطء لا يوجب الإحصان عند وجوده لا يوجبه في الثاني من الزمان كوطء المولى . وعن أبي يوسف إذا دخل بامرأته ثم جن أو صار معتوها ثم أفاق لا يكون محصنا حتى يدخل بها بعد الإفاقة ، لأن الإحصان الأول بطل فلا يثبت إحصان مستأنف إلا بدخول مستأنف .
قال : ( ويثبت الإحصان بالإقرار ) لأنه غير متهم في حق نفسه ( أو بشهادة رجلين ، أو رجل وامرأتين ) لأن الإحصان ليس علة لوجوب الرجم لأنه عبارة عن خصال حميدة وأوصاف جميلة [ ص: 345 ] وذلك لا أثر له في العقوبة فلا يشترط لثبوته ما يشترط لوجوب الرجم ، وإنما الإحصان شرط محض .
( وكذلك إن كان بينهما ولد معروف ) لأنه دليل ظاهر على الدخول في النكاح الصحيح وذلك يثبت به الإحصان; ويكفي في الإحصان أن يقول الشهود دخل بها . وقال محمد : لا بد أن يقولوا باضعها أو جامعها ، لأن الدخول مشترك فلا يثبت الإحصان بالشك . ولهما أن الدخول متى أضيف إلى المرأة بحرف الباء لا يراد به إلا الجماع . قال تعالى : ( فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا ) والمراد الجماع ، ولو دخل بامرأة ثم طلقها وقال : وطئتها وأنكرت صار محصنا ولا تكون محصنة لجحودها ، وكذا لو قالت بعد الطلاق : كنت نصرانية ، وقال : كانت حرة مسلمة ، وإذا كان أحدهما محصنا دون الآخر خص كل واحد بحده ، لأن جناية أحدهما أخف والآخر أغلظ ، فإذا اختلفا في الجناية اختلفا في موجبها ضرورة .