إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد فأخذوا قبل ذلك حبسهم الإمام حتى يتوبوا; وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحد منهم نصاب السرقة قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ; وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء ; وإن قتلوا وأخذوا المال قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم ، أو قتلهم ، أو صلبهم .
ويطعن تحت ثندوته اليسرى حتى يموت ، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام ; وإن باشر القتل واحد منهم أجري الحد على الكل ، وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليهم صار القتل للأولياء .
فصل
[ حد قطع الطريق ]
( إذا خرج جماعة لقطع الطريق أو واحد فأخذوا قبل ذلك حبسهم الإمام حتى يتوبوا ، وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي وأصاب كل واحد منهم نصاب السرقة قطع أيديهم وأرجلهم من [ ص: 378 ] خلاف ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم ولا يلتفت إلى عفو الأولياء ) لأنه إنما يقتلهم حدا حقا لله تعالى ، ولا يصح العفو عن حقوق الله تعالى .
وقيل المراد أنهم في حكم المحاربين لأنهم لما امتنعوا على نائب الله الإمام وجماعة المسلمين وتظاهروا بمخالفة أوامر الله تعالى كانوا في حكم المحاربين ، وهذا توسع في الكلام ومجاز كقوله تعالى : ( ومن يشاق الله ) ، والمحاربون المذكورون في الآية هم القوم يجتمعون لهم منعة بأنفسهم يحمي بعضهم بعضا ، ويتناصرون على ما قصدوا إليه ويتعاضدون عليه ، وسواء كان امتناعهم بحديد أو خشب أو حجارة ، ويكون قطعهم على المسافرين في دار الإسلام من المسلمين وأهل الذمة دون غيرهم ، هذا عند أبي حنيفة وأصحابه .
قال أصحابنا : الآية مرتبة على ما ذكرنا من الأحوال الأربعة ، وروي ذلك عن علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير رضي الله عنهم ، ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال ، فاللائق تغلظ الحكم بتغلظها ، فإذا أخافوا السبيل ولم يقتلوا ولم يأخذوا مالا حبسوا ، وهو المراد من النفي من الأرض . وقيل هو أن الإمام لا يزال يطلبهم حتى يخرجوا من دار الإسلام .
وإن أخذوا مالا على الوصف المذكور قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى ، ويشترط أن يكون المال معصوما عصمة مؤبدة ، فلهذا قال : مال مسلم أو ذمي ، حتى لو قطع على مستأمن لا يقطع ، لأن خطره مؤقت فلا يجب فيه حد كالسرقة [ ص: 379 ] الصغرى ، ولا بد أن يصيب كل واحد نصاب لما مر في السرقة ، وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم حدا على ما بينا .
وإن قتلوا وأخذوا المال فالإمام فيهم بالخيار على الوجه الذي بينا ، وهذا لأن أخذ المال موجب للقطع في السرقة الصغرى ، وتغلظت الكبرى بقطع الطريق ، والقتل موجب للقتل في غير قطع الطريق ، ويغلظ هنا بأن يقتل ولا يلتفت إلى عفو الولي وصلحه ، وهو معنى قولنا يقتلهم حدا ، فإذا جمع بين القتل والسرقة يجمع عليه بين موجبهما ، وهكذا نزل جبريل عليه السلام بالحد فيهم ، وتكون " أو " في الآية بمعنى الواو .
وقال أبو يوسف : لا يترك الصلب لأنه منصوص عليه كالقتل والقطع ، ولأنه أبلغ في التشهير وهو المقصود ليعتبر به ، والجواب أن التشهير حصل بالقتل والصلب مبالغة فيخير فيه . وقال محمد : يقتل أو يصلب ولا يقطع ، لأن النفس وما دونها إذا اجتمعا لحق الله تعالى دخل ما دون النفس في النفس كالمحصن إذا زنا وسرق .
قلنا هذا حد واحد وجب لمعنى واحد ، وهو إخافة الطريق على وجه الكمال بالقتل وأخذ المال ، والحد الواحد لا يدخل بعضه بعضا ، ألا ترى أن قطع اليد والرجل حد واحد في أخذ المال في الكبرى حدان في الصغرى ، والتداخل في الحدود لا في حد واحد .
واختلفوا في صلبه . قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : يقتل ثم يصلب . وقال الكرخي : يصلب حيا .
( ويطعن تحت ثندوته اليسرى حتى يموت ) لأنه أبلغ في زجر غيره . قال : ( ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام ) ثم يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه لأنه يتغير بعد ذلك فيستضر الناس برائحته ، ولأن المقصود يحصل بذلك وهو الزجر والاشتهار . وعن أبي يوسف يترك على الخشبة حتى يتقطع فيسقط ليعتبر به غيره ، والحكم في قطع اليد والرجل ما بيناه في الصغرى من شلل أيديهم وذهاب بعض الأعضاء لما ذكرنا .
قال : ( وإن باشر القتل واحد منهم أجري الحد على الكل ) لأن المحاربة تتحقق بالكل ، لأنهم إنما أقدموا على ذلك اعتمادا عليهم حتى لو غلبوا أو هزموا انحازوا إليهم فكانوا عونا [ ص: 380 ] لهم ، ولهذا المعنى كان الردء في الغنيمة كالمقاتل ، ولأن الردء ساع في الأرض فسادا ، لأنه إنما وقف ليقتل إذا قتل فيقتل كأهل البغي .
قال : ( وإن كان فيهم صبي أو مجنون أو ذو رحم محرم من المقطوع عليهم صار القتل للأولياء ) معناه : أنه سقط الحد ، فلو عفا الولي أو صالح سقط القصاص ، وهذا لأن الجناية واحدة قامت بالكل ، فإذا لم يكن فعل بعضهم موجبا صار فعل الباقين بعض العلة فلا يترتب عليه الحكم .
أما الصبي والمجنون فلما مر في السرقة . وأما ذو الرحم المحرم فلأن القافلة كالحرز ، فقد حصل الخلل في الحرز في حقهم فيسقط الحد فيصير القتل إلى الأولياء ، ولهذا لو قطع بعض القافلة على البعض لا يجب الحد لأن الحرز واحد فصارت كدار واحدة ، ولو كان في المقطوع عليهم مستأمن قطعوا ، لأن الامتناع في حقه لخلل في العصمة وذلك يخصه ، وخلل الحرز يعم الكل .
ثم شرائط قطع الطريق في ظاهر الرواية أن يكون قوم لهم منعة على ما تقدم ينقطع بهم الطريق ، ولا يكون في مصر ولا بين قريتين ولا بين مدينتين ، ويكون بينهم وبين المصر مسيرة السفر ، لأن قطع الطريق بانقطاع المارة والسابلة ، ولا يمتنعون عن المشي في هذه المواضع فيلحقهم الغوث ساعة بعد ساعة من المسلمين أو من جهة الإمام .
وروي عن أبي يوسف : لو كان في المصر ليلا ، أو بينهم وبين المصر أقل من مسيرة سفر فهم قطاع الطريق وعليه الفتوى نظرا لمصلحة الناس بدفع شر المتغلبة المفسدين ، وأبو حنيفة أجاب على ما شاهد في زمانه ، فإن أهل الأمصار كانوا يحملون السلاح فلا يتمكن قاطع الطريق من مغالبتهم; فأما إذا تركوا هذه العادة وأمكن أن يتغلب عليهم قطاع الطريق أجري عليهم الحد ، ولهذا قال : لا يثبت قطع الطريق بين الحيرة والكوفة ، لأن الغوث في زمانه كان يلحق ذلك الموضع لاتصال المصرين ، أما الآن فهي برية يجري فيها قطع الطريق ويستوي فيه الامتناع بالخشب والسلاح ، لأن المعنى يوجد بهما .
ولا بد أن يكون في دار الإسلام لأن الحد إذا وجد سببه في دار الحرب لا يستوفى في دار الإسلام لما مر في الحدود; وإذا تاب قطاع الطريق قبل أن يؤخذوا سقط عنهم الحد وبقي حق [ ص: 381 ] العباد في المال والقصاص ، لقوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فيقتضي خروجه عن الجملة عملا بالاستثناء ، وفي السرقة إذا تاب ولم يرد المال يقطع لأن قوله تعالى : ( فمن تاب من بعد ظلمه ) ليس استثناء ، فلا يقتضي خروج التائب من الجملة السابقة ، وهو كلام مبتدأ يستغني عن غيره فيحمل على الابتداء لأنه أولى ، أما الاستثناء يفتقر في صحته إلى ما قبله فافترقا .