[ ص: 390 ] وإذا أمن رجل أو امرأة كافرا أو جماعة أو أهل مدينة صح ، فإن كان فيه مفسدة أدبه الإمام ونبذ إليهم ، ولا يصح أمان ذمي ، ولا أسير ، ولا تاجر فيهم ، ولا من أسلم عندهم وهو فيهم ، ولا أمان عبد محجور عن القتال ، ولا أمان للمراهق .
قال : ( فإن كان فيه مفسدة أدبه الإمام ) لافتياته على رأيه ، بخلاف ما إذا كان فيه مصلحة ، لأنه ربما يفوت بالتأخير فيعذر .
قال : ( ونبذ إليهم ) لأن الإمام إذا أمنهم أو صالحهم ثم رأى النبذ أصلح نبذ إليهم فهذا أولى ، وينبغي للإمام إذا جاءوه بالأمان أن يدعوهم إلى الإسلام أو إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوه " أي الإسلام فبها ونعمت ، وإن أبوا وأجابوا إلى الجزية قبلت منهم وصاروا ذمة ، وإن أبوا ردهم إلى مأمنهم وقاتلهم ، قال تعالى : ( ثم أبلغه مأمنه ) ولأنه لا يجوز التعرض لهم مع الأمان ، ولا يجوز تركهم على الكفر من غير جزية فيعرض عليهم الإسلام أو الجزية التي يستحق معها الأمان ، فإن أبوا لم يجز تركهم فيردهم ثم يقاتلوهم كما لو خرجوا إلينا بأمان .
قال : ( ولا يصح أمان ذمي ولا أسير ، ولا تاجر فيهم ، ولا من أسلم عندهم وهو فيهم ) [ ص: 391 ] لأن الذمي متهم ولا ولاية له على المسلمين ، والباقون مقهورون عندهم فلا يخافونهم فلا يكونون من أهل البيان على ما بينا ، ولأنه لو انفتح هذا الباب لانسد باب الفتح ، لأنهم كلما اشتد الأمر عليهم لا يخلون عن أسير أو تاجر فيتخلصون به وفيه ضرر ظاهر .
قال : ( ولا أمان عبد محجور عن القتال ) وقال محمد : يصح ، وقول أبي يوسف مضطرب . لمحمد قوله عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346899يسعى بذمتهم أدناهم " وقياسا على المأذون له في القتال ، ولأبي حنيفة أنهم آمنون منه ، فلا يصح أمانه كالأسير والتاجر ، ولأنه إنما لم يملك العقود لما فيها من إسقاط حق المولى ، فلا يملك ما فيه إسقاط حق المولى وسائر المسلمين ، وهو الأمان بطريق الأولى ، بخلاف المأذون ، لأنه لما أذن له في القتال فقد جعل إليه الرأي في القتال ، وتارة يكون الرأي في القتال ، وتارة في الكف عنه ، فلذلك جاز أمانه ، ولأن الخطأ من المحجور ظاهر لعدم علمه بعدم المباشرة ، وخطأ المأذون نادر لمباشرته القتال .
قال : ( ولا أمان للمراهق ) وقال محمد : إن كان يعقل الأمان ويصفه يجوز أمانه لأنه يصير مسلما بنفسه ، ومن لا يعقل الإسلام إنما يحكم بإسلامه تبعا فلا يعتد به ، ولأن المراهق من أهل القتال كالبالغ ، ولأبي حنيفة أنه لا يملك العقود والأمان عقد ، ومن لا يملك أن يعقد في حق نفسه ففي حق غيره أولى ، وإن كان مأذونا له في القتال ، قيل يصح أمانه ، وعامة المشايخ أنه لا يصح لأن المصلحة والخيرية خفية لا يهتدي إليها إلا من له كثرة تجربة وممارسة وذلك بعد البلوغ .