[ ص: 391 ] وإذا فتح الإمام بلدة عنوة إن شاء قسمها بين الغانمين ، وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية ، وعلى أراضيهم الخراج ، وإن شاء قتل الأسرى ، أو استرقهم ، أو تركهم ذمة للمسلمين ، ولا يفادون ( سم ) بأسرى المسلمين ولا بالمال إلا عند الحاجة إليه ; وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش يعجز عن نقلها ذبحها وحرقها ، ويحرق الأسلحة .
فصل
[ فتح البلاد ]
( وإذا فتح الإمام بلدة عنوة إن شاء قسمها بين الغانمين ) كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بخيبر وسعد رضي الله عنه ببني قريظة ( وإن شاء أقر أهلها عليها ووضع عليهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج ) كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بإجماع الصحابة وكل [ ص: 392 ] ذلك قدوة فيتخير . قالوا : الأول أولى عند حاجة الغانمين ، والثاني عند عدمها ليكون ذخيرة لهم في الثاني من الزمان ، فإنهم يعملون للمسلمين وهم يعلمون وجوه الزراعات ، ولهذا قالوا : يعطيهم من المنقول ما لا بد لهم منه في العمل ليتهيأ لهم ذلك ، ولأن المن برقابهم لمنفعة الزراعة حتى لو لم يكن لهم أرض لا يجوز المن عليهم برقابهم ، وكذا لو من برقابهم لا غير ولهم أراض أو برقابهم وأموالهم لا يجوز لأنه إبطال حق الغانمين لأن الرقاب لا تدوم بل تنقطع بالموت والإسلام ، وإنما يجوز تبعا للأراضي نظرا للغانمين لئلا يشتغلوا بالزراعة فيتقاعدوا عن الجهاد ، وفيه مصلحة لمن يجيء بعدهم كما قاله عمر رضي الله عنه ، فإنه لما وضع الخراج على أرض العراق طلبوا منه قسمتها ، واحتجوا عليه بقوله تعالى : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) الآية ، وبقوله تعالى : ( للفقراء المهاجرين ) الآية ، فاحتج عليهم بقول الله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم ) وقال : لو قسمتها عليكم لم يبق لمن بعدكم شيء ، فأطاعوه ورجعوا إلى قوله ، وإنما يملك إبطال حقهم بالقتل دفعا لشرهم فلا يتمحض ضررا; أما المن ضرر محض يجعلهم عونا للكفرة وهذا في العقار; وأما المنقول لا يرده عليهم لأنه لم يرد به الشرع .
قال : ( وإن شاء قتل الأسرى ) لأنه عليه الصلاة والسلام قتل ، وفيه تقليل مادة الكفر والفساد ، وقتل صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط ، nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل بعد ما حصل في يده وقتل بني قريظة بعد ثبوت اليد عليهم .
( أو ) إن شاء ( تركهم ذمة للمسلمين ) لما تقدم إلا المرتدين ومشركي العرب على ما يأتي في الجزية ، ولا يجوز ردهم إلى دار الحرب لأن فيه تقوية للكفرة على المسلمين ، ولو أسلموا بعد الأخذ لا نقتلهم لاندفاع الشر ، ويجوز استرقاقهم لانعقاد سبب الملك ، بخلاف ما لو أسلموا قبل الأخذ حيث لا يجوز استرقاقهم لأنه لم ينعقد سبب الملك .
قال : ( ولا يفادون بأسرى المسلمين ) وقالا : يفادون بهم لأن في عود المسلمين إلينا عونا [ ص: 393 ] لنا ، ولأن تخليص المسلم أولى من قتل الكفار ، وقد قال تعالى : ( فإما منا بعد وإما فداء ) ولأبي حنيفة قوله تعالى : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) وقوله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة فيجب قتلهم وذلك يمنع ردهم ، ولأن الكافر يصير حربا علينا ، ودفع شر حرابهم خير من تخليص المسلم منهم ، لأن كون المسلم في أيديهم ابتلاء من الله تعالى غير مضاف إلينا ، وإعانتهم بدفع الأسير إليهم مضاف إلينا . وذكر الكرخي ، قال أبو يوسف : تجوز المفاداة بالأسارى قبل القسمة ولا تجوز بعدها وقال محمد : يجوز على كل حال .
قال : ( ولا بالمال إلا عند الحاجة إليه ) لما بينا ، ومفاداة النبي عليه الصلاة والسلام يوم بدر عاتبه الله تعالى عليها بقوله : ( لولا كتاب من الله سبق ) الآية ، فجلس صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان . وقال عليه الصلاة والسلام : " لو نزل من السماء عذاب لما نجا منه إلا عمر " لأنه أشار بقتلهم دون الفداء ، والقصة معروفة; ويجوز عند الحاجة للاستعداد للجهاد ، لأن المعتبر المصلحة وهي فيما ذكرنا . قال محمد : لا بأس بأن يفادى بالشيخ الفاني والعجوز الفانية بالمال إذا كان لا يرجى منه الولد لأنه لا معونة لهم فيه ، بخلاف الصبيان والنساء لأن في الرد عليهم معونة لهم ، ولا يجوز المن على الأسرى لما فيه من إبطال حق الغانمين بغير عوض فإن حقهم ثبت فيهم بالأسر فلا يبطل ، ولأن النصوص الواردة في قتال المشركين وقتلهم تنفي ذلك .
قال : ( وإذا أراد الإمام العود ومعه مواش يعجز عن نقلها ذبحها وحرقها ) لكيلا ينتفعوا باللحم ولا يعقرها لأنه مثلة ، وذبح الشاة جائز لغرض صحيح ، وكسر شوكة الأعداء غرض صحيح وصار كقطع الشجر وتخريب البناء ، أما الحرق قبل الذبح منهي عنه لما فيه من تعذيب الحيوان .
( ويحرق الأسلحة ) والأمتعة أيضا ، وما لا يحترق منها يدفن في موضع لا يقدر الكفار عليه إبطالا للمنفعة عليهم; أما الأسارى يمشون إلى دار الإسلام ، فإن عجزوا قتل الرجال وترك [ ص: 394 ] النساء والصبيان في أرض مضيعة حتى يموتوا جوعا وعطشا ، لأنا لا نقتلهم للنهي ، ولو تركوا في العمران عادوا حربا علينا ، فالنساء يحصل منهن النسل ، والصبيان يكبرون فيصيرون حربا علينا فتعين ما قلناه ، ولهذا قالوا : إذا وجد المسلمون في دار الحرب حيات وعقارب ينزعون حمة العقرب وأنياب الحية دفعا لضررها عنهم ولا يقتلونها لئلا ينقطع نسلهم وفيه منفعة الكفار ، وقد أمرنا بضده .