وهو جائز بالجوارح المعلمة والسهام المحددة لما يحل أكله لأكله وما لا يحل أكله لجلده وشعره ، والجوارح ذو ناب من السباع وذو مخلب من الطير ، ولا بد فيه من الجرح ، وكون المرسل أو الرامي مسلما أو كتابيا ، وذكر اسم الله تعالى عند الإرسال والرمي ، وأن يكون الصيد ممتنعا ، ولا يتوارى عن بصره ، ولا يقعد عن طلبه ، وتعليم ذي الناب كالكلب ونحوه ترك الأكل; وذي المخلب كالبازي والصقر ونحوهما الاتباع إذا أرسل ، والإجابة إذا دعي .
ويرجع في معرفة التعليم إلى أهل الخبرة بذلك ، ولا تأقيت فيه ، فإن أكل أو ترك الإجابة بعد الحكم بتعليمه حكم بجهله وحرم ( سم ) ما بقي من صيده قبل ذلك ، وإن ترك التسمية ناسيا حل ، ولو رمى بسهم واحد صيودا ، أو أرسل كلبه على صيود فأخذها أو أحدها ، أو أرسله إلى صيد فأخذ غيره حل ما دام في جهة إرساله ، ولو أرسله ولم يسم ثم زجره وسمى ، أو أرسله مسلم فزجره مجوسي أو بالعكس ، فالمعتبر حالة الإرسال ، فإن أكل منه الكلب لم يؤكل ، ولو شرب دمه أكل ، ولو أخذ منه قطعة فرماها ثم أخذ الصيد وقتله ثم أكل ما ألقاه أكل ، وإن أكل منه البازي يؤكل ، وإن أدركه حيا لا يحل إلا بالتذكية وكذلك في الرمي ، وإن شارك كلبه كلب لم يذكر عليه اسم الله ، أو كلب مجوسي ، أو غير معلم لم يؤكل ; ولو سمع حسا فظنه آدميا فرماه ، أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد أكل; وإذا وقع الصيد في الماء أو على سطح أو جبل أو سنان رمح ، ثم تردى إلى الأرض لم يؤكل; ولو وقع ابتداء على الأرض أكل ; وفي طير الماء إن أصاب الماء الجرح لم يؤكل وإلا أكل ، ولا يؤكل ما قتلته البندقة والحجر والعصا والمعراض بعرضه فإن خزق المعراض الجلد بحده أكل ، وإن رماه بسيف أو سكين فأبان عضوا منه أكل الصيد ، ولا يؤكل العضو ، وإن قطعه نصفين أكل ، وإن قطعه أثلاثا أكل الكل إن كان الأقل من جهة الرأس; ومن رمى صيدا فأثخنه ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل ، ويضمن الثاني للأول قيمته غير نقصان جراحته ، وإن لم يثخنه الأول أكل وهو للثاني .
وهو مصدر صاد يصيد ويطلق على المفعول ، يقال : صيد الأمير ، وصيد كثير ، ويراد به المصيود ، وينشد :
صيد الملوك أرانب وثعالب
ومثله الخلق والعلم يطلق على المخلوق والمعلوم . قال تعالى : ( هذا خلق الله ) أي مخلوقه ، ولهذا قلنا إذا قال : وعلم الله لا يكون يمينا لأن المراد معلومه .
قال : ( والجوارح ذو ناب من السباع وذو مخلب من الطير ) وهو أن يكون يكتسب بنابه أو مخلبه ويمتنع به ، لأن المراد من قوله من الجوارح التي تجرح ، وقيل الكواسب . ومكلبين : أي مسلطين ، واسم الكلب لغة ينطلق على كل سبع حتى للأسد ، فيجوز الاصطياد بكل ذي ناب من السباع لعموم الآية ، إلا ما كان نجس العين كالخنزير ، لأنه لا يحل الانتفاع به . ولا يجوز الاصطياد بالأسد والذئب فإنهما لا يتعلمان ، وكذلك الدب حتى لو تعلموا جاز . وعن أبي حنيفة في ابن عرس : إذا علم فتعلم جاز .
قال : ( ولا بد فيه من الجرح وكون المرسل أو الرامي مسلما أو كتابيا ، وذكر اسم الله تعالى عند الإرسال والرمي ، وأن يكون الصيد ممتنعا ، ولا يتوارى عن بصره ، ولا يقعد عن طلبه ) أما الجرح ليتحقق اسم الجارح ، ولأنه لا بد من إراقة الدم كالذكاة الاختيارية ، فلو قتله صدما أو جثما أو خنقا لم يؤكل لعدم الجرح; وأما صفة المرسل فلأنه كالذبح ولا يجوز ذبح غيرهما; وأما ذكر اسم الله تعالى فلقوله عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347035إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل " شرط التسمية لحل الأكل; وأما كونه ممتنعا فلأن الصيد اسم للممتنع ، ولأن الجرح إنما جعل ذكاة ضرورة العجز عن الذكاة الاختيارية ، والعجز إنما يكون في الممتنع حتى لو رمى ظبيا مربوطا وهو يظن أنه صيد فأصاب ظبيا آخر لم يؤكل ، لأن بالربط لم يبق صيدا .
ولو رمى بعيرا نادا فأصاب صيدا آخر أكل لأنه لما ند صار صيدا; وقوله لا يتوارى عن بصره ولا يقعد عن طلبه ، فإنه صلى الله عليه وسلم كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي وقال : " لعل هوام الأرض قتلته " ولأن احتمال الموت بسبب آخر موجود فلا يحل به ، والموهوم كالمتحقق لما مر ، إلا [ ص: 475 ] أنه سقط اعتباره إذا لم يقعد عن طلبه لأنه لا يمكنه الاحتراز عنه . وفي الحديث : " كل ما أصميت ودع ما أنميت " أصميت الصيد : إذا رميته فقتلته وأنت تراه ، وقد صمى الصيد يصمي : إذا مات وأنت تراه ، ورميت الصيد فأنميته إذا غاب عنك ثم مات ، هكذا فسره صاحب الصحاح .
قال : ( وتعليم ذي الناب كالكلب ونحوه ترك الأكل ، وذي المخلب كالبازي والصقر ونحوهما الاتباع إذا أرسل والإجابة إذا دعي ) روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ولأن التعليم بترك العادة الأصلية ، وعادة ذي المخلب النفار ، فإذا أجاب إذا دعي فقد ترك عادته وصار معلما ، وعادة ذي الناب الافتراس والأكل ، فإذا ترك الأكل فقد ترك عادته فصار معلما; ولأن التعليم بترك الأكل إنما يكون بالضرب حالة الأكل وجثة الطير لا تحتمل الضرب ، أما الكلب يحتمله فأمكن تعليمه بالضرب على ذلك ، والفهد ونحوه يحتمل الضرب وعادته الافتراس والنفار ، فيشترط فيه ترك الأكل والإجابة جميعا .
قال : ( ويرجع في معرفة التعليم إلى أهل الخبرة بذلك ولا تأقيت فيه ) لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل سماعا ولا سمع فيفوض إلى أهل الخبرة به ، ولأن ذلك يختلف باختلاف طباعها . وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال : لا تأكل أول ما يصيده ولا الثاني وكل الثالث . وقال أبو يوسف ومحمد : إذا ترك أكل ثلاث مرات صار معلما ولا يؤكل الثالث ، لأن العلم لا يثبت بالترك مرة لاحتمال أنه تركه شبعا أو خوفا من الضرب فلا بد من المرات وأقله ثلاثة لأنها لإبلاء الأعذار ، ولا يؤكل الثالث لأن بعدها حكمنا بكونه عالما ، وعلى رواية الحسن يؤكل لأن بالثالثة علمنا أنه عالم فكان صيد جارحة معلمة فيؤكل .
قال : ( فإن أكل أو ترك الإجابة بعد الحكم بتعليمه حكم بجهله وحرم ما بقي من صيده [ ص: 476 ] قبل ذلك ) وقالا : لا يحرم إلا الذي أكل منه لأنا حكمنا بحل صيده قبل ذلك بالاجتهاد فلا ينقض باجتهاد مثله . وله أن بالأكل علمنا جهله ، لأن الصيد حرفة قلما تنسى ، فلما أكل علمنا أنه لم يكن عالما فيحرم جميع ما صاده قبل ذلك لأنه صيد كلب غير معلم ، وتثبت الحرمة فيما بقي من صيده ، لأن ما أكل لم يبق محلا للحكم ، والاجتهاد يترك بمثله قبل حصول المقصود وهو الأكل كاجتهاد القاضي إذا تبدل قبل القضاء ، وما كان في المفازة من صيد فحرام بالإجماع .
قال : ( ولو رمى بسهم واحد صيودا ، أو أرسل كلبه على صيود فأخذها أو أحدها ، أو أرسله إلى صيد فأخذ غيره حل ما دام في جهة إرساله ) لأن المقصود به حصول الصيد والذبح يقع بالإرسال وهو فعل واحد فيكتفى فيه بتسمية واحدة ، بخلاف من ذبح الشاتين بتسمية واحدة ، لأن الثانية مذبوحة بفعل آخر فلا بد من تسمية أخرى حتى لو أضجع إحداهما فوق الأخرى وذبحهما مرة واحدة أجزأه تسمية واحدة ، ولأن الأخذ مضاف إلى الإرسال وفي تعيين المشار إليه نوع حرج فلا يعتبر تعيينه ، ولو أرسل الفهد فكمن حتى استمكن من الصيد فوثب عليه فقتله حل لأن ذلك من عادته ليتمكن من أخذ الصيد ، وكذا الكلب إذا تعود هذه العادة بمنزلة الفهد ، ولو عدل عن الصيد يمنة أو يسرة وتشاغل في غير طلب الصيد وفتر عن سننه ثم اتبع صيدا فأخذه لم يؤكل لأنه غير مرسل ، والإرسال شرط بقوله تعالى : " مكلبين " أي مسلطين ، فإن زجره صاحبه فانزجر حل ، لأن الزجر كإرسال مستأنف ، ولو انفلت فصاح به وسمى ، فإن انزجر بصياحه حل وإلا فلا .
أما إذا بقي فيه من الحياة مثل المذبوح أو بقر بطنه وأخرج ما فيها ثم أخذه وبه حياة فإنه يحل لأنه ميت حكما ، ولهذا لو وقع في هذه الحالة في الماء لا يحرم كما إذا وقع وهو ميت . وعن أبي حنيفة أنه لا يؤكل أيضا لأنه أخذه حيا فلا يحل إلا بالذكاة الاختيارية ، فلو أنه ذكاه [ ص: 478 ] حل بالإجماع . قال تعالى : ( إلا ما ذكيتم ) من غير فصل ، وعلى هذا المتردية والنطيحة والموقوذة التي بقر الذئب بطنها وفيها حياة خفيفة أو ظاهرة وهو المختار لما تلونا . وعن محمد إذا كان بحال يعيش فوق ما يعيش المذبوح حل وإلا فلا ، إذ لا اعتبار بهذه الحياة . وعن أبي يوسف إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل ، لأن موته لا يحصل بالذبح .
قال : ( ولو سمع حسا فظنه آدميا فرماه ، أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد أكل ) لأنه لا اعتبار بظنه مع كونه صيدا حقيقة ، وكذلك لو ظنه حس صيد فتبين كذلك حل ، لأنه صيد وقد قصده فيحل . وعن أبي يوسف أنه استثنى الخنزير لشدة حرمته ، حتى لا تثبت إباحة شيء منه ، وغيره من السباع تثبت الإباحة في جلده; ولو تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي مما يأوي البيوت لم يؤكل المصاب لأنه ليس بصيد .
قال : ( وإن قطعه نصفين أكل ) لأن المبان منه ليس بحي ، إذ لا يتوهم بقاء حياته . قال : ( وإن قطعه أثلاثا أكل الكل إن كان الأقل من جهة الرأس ) لما تقدم بخلاف ما إذا كان الأقل مما يلي العجز ، لأنه يتوهم حياته فلا يؤكل; وإن رماه بسيف أو بسكين فإن جرحه بالحد حل ، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل لأنه وقذ لا جرح .
ولو رماه فجرحه وأدماه حل ، وإن لم يدمه لا يحل لأن الإدماء شرط . قال عليه الصلاة والسلام : " ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل " شرط الإنهار ، وقيل يحل لأن الدم قد ينحبس [ ص: 480 ] لغلظه وضيق المنفذ ، وعلى هذا إذا علقت الشاة بالعناب فذبحت ولم يسل منها الدم . وقال بعضهم : إن كانت الجراحة كبيرة حل بدون الإدماء ، وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء .
قال : ( ومن رمى صيدا فأثخنه ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل ) لأن بالإثخان صارت ذكاته اختيارية فصار بالجرح الثاني ميتة ، وهذا إذا كان بحال ينجو من الرمية الأولى ليكون موته مضافا إلى الثانية ، وإن كان بحال لا يسلم من الأولى بأن قطع رأسه أو بقر بطنه ونحوه يحل لأن وجود الثانية كعدمها .
قال : ( ويضمن الثاني للأول قيمته غير نقصان جراحته ) لأنه أتلف عليه صيدا مملوكا له ، لأنه ملكه حيث أثخنه فخرج عن حيز الامتناع فلا يطيق براحا وهو معيب بالجراحة ، والقيمة تجب عند الإتلاف .
قال : ( وإن لم يثخنه الأول أكل ) لأنه صيد على حاله ( وهو للثاني ) لأنه هو الذي أخذه ، قال عليه الصلاة والسلام : " الصيد لمن أخذه " .