الشجاج عشرة : الخارصة ، وهي التي تخرص الجلد ، ثم الدامعة التي تخرج ما يشبه الدمع ، ثم الدامية التي تخرج الدم ، ثم الباضعة التي تبضع اللحم ، ثم المتلاحمة التي تأخذ في اللحم ، ثم السمحاق ; وهو جلدة فوق العظم تصل إليها الشجة ، ثم الموضحة التي توضح العظم ، ثم الهاشمة التي تهشم العظم ، ثم المنقلة التي تنقل العظم بعد الكسر ، ثم الآمة التي تصل إلى أم الدماغ .
ففي الموضحة القصاص إن كانت عمدا ، وفي التي قبلها حكومة عدل ، وفي الموضحة الخطأ نصف عشر الدية ، وفي الهاشمة العشر ، وفي المنقلة عشر ونصف ، وفي الآمة الثلث ، وكذا الجائفة ، فإذا نفذت فثلثان ، والشجاج يختص بالوجه والرأس ، والجائفة بالجوف والجنب والظهر ، وما سوى ذلك جراحات فيها حكومة عدل ، وحكومة العدل أن يقوم المجروح عبدا سالما وسليما فما نقصت الجراحة من القيمة يعتبر من الدية ، ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل فيه أرش الموضحة ، وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه لم تدخل ، ويجب أرش الموضحة مع ذلك ولا يقتص من الموضحة والطرف حتى تبرأ ، ولو شجه فالتحمت ونبت الشعر سقط ( س ) الأرش .
( ثم المنقلة التي تنقل العظم بعد الكسر ، ثم الآمة التي تصل إلى أتم الدماغ ) وهي جلدة تحت العظم فيها الدماغ ، قالوا ثم الدامغة ، وهي التي تخرق الجلد وتصل إلى أم الدماغ ولم [ ص: 526 ] يذكرها محمد إذ لا فائدة في ذكرها فإنه لا يعيش معها وليس لها حكم ، ولم يذكر الخارصة والدامعة لأنها لا يبقى لها أثر غالبا ، والشجة التي لا أثر لها لا حكم لها .
قال : ( ففي الموضحة القصاص إن كانت عمدا ) لقوله - تعالى - : ( والجروح قصاص ) ، وأنه ممكن فيها لأنه يمكن أن ينهي السكين إلى العظم فتتحقق المساواة ، وقد قضى - عليه الصلاة والسلام - بالقصاص في الموضحة .
قال : ( وفي التي قبلها حكومة عدل ) لأنه ليس فيها أرش مقدر ولا يمكن إهدارها فتجب الحكومة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : ما دون الموضحة خدوش فيها حكومة عدل .
وعن محمد في الأصل : فيما قبل الموضحة القصاص دون ما بعدها لأنه يمكن اعتبار المساواة فيما قبلها بمعرفة قدر الجراحة بمسمار ثم تؤخذ حديدة على قدرها وينفذ في اللحم إلى آخرها فيستوفي مثل ما فعل لقوله - تعالى - : ( والجروح قصاص ) ، ولا يمكن ذلك فيما بعدها ; لأن كسر العظم وتنقله لا تمكن المساواة فيه .
قال : ( والشجاج يختص بالوجه والرأس ) لغة كالخدين والذقن واللحيين والجبهة .
( والجائفة بالجوف والجنب والظهر وما سوى ذلك جراحات فيها حكومة عدل ) ; لأنها غير مقدرة ولا مهدرة فتجب حكومة عدل .
قال : ( وحكومة العدل أن يقوم المجروح عبدا سالما وسليما ) أي صحيحا وجريحا .
( فما نقصت الجراحة من القيمة يعتبر من الدية ) فإن نقصت عشر القيمة تجب عشر الدية وعلى هذا ، وأراد بالسليم الجريح ، وإن كان موضوعا للديغ استعارة لأنه في معناه ، وهذا عند nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي لأن الحر لا يمكن تقويمه والقيمة للعبد كالدية للحر ، فما أوجبت نقصا في أحدهما اعتبر بالآخر . وقال الكرخي : يؤخذ مقداره من الشجة التي لها أرش مقدر بالحزر فينظر كم مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدره من نصف عشر الدية .
قال : ( ومن شج رجلا فذهب عقله أو شعر رأسه دخل فيه أرش الموضحة ) ; لأن العقل إذا فات فات منفعة جميع الأعضاء فصار كما إذا شجه فمات ، وأما الشعر فلأن أرش الموضحة يجب لفوات بعض الشعر حتى لو نبتت سقط الأرش ، والدية تجب بفوات جميع الشعر ، وقد تعلقا بفعل واحد فيدخل الجزء في الكل كما لو قطع أصبعه فشلت يده .
قال : ( وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه لم تدخل ، ويجب أرش الموضحة مع ذلك ) لما روينا عن عمر - رضي الله عنه - أنه قضى في ضربة واحدة بأربع ديات ولأن منفعة كل عضو [ ص: 528 ] من هذه الأعضاء مختصة به لا تتعدى إلى غيره فأشبه الأعضاء المختلفة بخلاف العقل فإن منفعته تتعدى إلى جميع الأعضاء .
وعن أبي يوسف أن الشجة تدخل في دية السمع والكلام دون البصر ; لأن السمع والكلام أمر باطن فاعتبره بالعقل ، أما البصر أمر ظاهر فلا يلتحق به . وطريق معرفة ذهاب هذه الأشياء وبقائها اعتراف الجاني أو تصديقه للمجني عليه أو بنكوله عن اليمين كما في سائر الحقوق ويعرف البصر بأن ينظره عدلان من الأطباء لأنه ظاهر يعرف .
ومن أصحابنا من قال : يستعلم البصر بأن يجعل بين يديه حية يختبر حاله بها . وأما السمع فيستغفل المدعي ذهاب سمعه كما روي أن رجلا ضرب امرأة فادعت ذهاب سمعها ، فاحتكما إلى القاضي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة فتشاغل عنها ثم التفت إليها فقال : غطي عورتك فجمعت ذيلها فعلم أنها كاذبة ، وأما الكلام فيعرف بأن يستغفل حتى يسمع كلامه أولا ، وأما الشم فيختبر بالرائحة الكريهة فإن جمع منها وجهه علم أنه كاذب .
قال : ( ولا يقتص من الموضحة والطرف حتى تبرأ ) لما روي أن رجلا جرح nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت فجاء الأنصار إلى رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فطلبوا القصاص فقال : " انتظروا ما يكون من صاحبكم " ، فأما الجراحة الخطأ فلا شبهة فيها لأنها إن اقتصرت فظاهر وإن سرت فقد أخذ بعض الدية فيأخذ الباقي .