[ ص: 570 ] ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون ( سم ) ، والأصهار : كل ذي رحم محرم من زوجته ، والأختان : زوج كل ذات رحم محرم منه ، والأهل : الزوجة ( سم ) ، والآل : أهل بيته ، وأهل نسبه : من ينتسب إليه من جهة الأب ، وجنسه : أهل بيت أبيه ، وإن أوصى لأقربائه ، أو لذوي قرابته ، أو لأرحامه ، أو لذوي أرحامه ، أو لأنسابه فهم اثنان ( سم ) فصاعدا من كل ذي رحم محرم منه غير الوالدين والمولودين ، وفي الجد روايتان ، ويعتبر الأقرب فالأقرب ، فإن كان له عم وخالان فللعم النصف وللخالين النصف ( سم ) ، وفي عمين وخالين الكل للعمين ( سم ) ، ولو كان له عم واحد فله نصف الثلث ( سم ) وإن كان له عم وعمة وخال فالوصية للعم والعمة سواء ، وإن قال لذي قرابته أو ذي نسبه فكذلك ، إلا أن الواحد يستحق الكل ، فإن لم يكن له ذو رحم محرم بطلت ( سم ) الوصية أوصى لبني فلان وهو أبو قبيلة كبني تميم فهي للذكر والأنثى والفقير والغني ، وإن كانوا لا يحصون فهي باطلة .
أوصى لورثة فلان فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن قال لولد فلان الذكر والأنثى فيه سواء ، ولا يدخل أولاد الابن مع أولاد الصلب ، ويدخل أولاد الابن في الوصية عند عدم ولد الصلب ، ولا يدخل أولاد البنات ، أوصى لمواليه فهي لمن أعتقه في الصحة والمرض ولأولادهم ، ولا يدخل موالي الموالي إلا عند عدمهم ، فإن كان له مولى واحد ومولى موالاة فالنصف لمولاه والباقي لورثته ، وإن كان له موال أعتقوه وموال أعتقهم فهي باطلة .
( ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون ) عند أبي حنيفة وزفر - رحمهما الله - ، وهو القياس لأنه من المجاورة ، وهي الملاصقة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347130الجار أحق بسقبه " والمراد الملازق لأن غيره لا يستحق الشفعة . وقالا : الملاصقون وغيرهم ممن يصلي في مسجد تلك السكة ، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله - وهو الاستحسان لأنهم يسمون جيرانا عرفا ، يقال : جار ملاصق وغير ملاصق ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347131لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " ، وفسر بكل من سمع النداء ولأن قصده البر ، وهو فيما ذكرناه أعم إلا أنه لا بد من الاختلاط بينهم ، وذلك باتحاد المسجد والمالك والساكن فيه سواء ، وكذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير والمسلم والذمي ; لأن اسم الجار يتناولهم .
قال : ( والأختان : زوج كل ذات رحم محرم منه ) ويدخل فيه الأقرب والأبعد والعبد والحر لتناول اللفظ الجميع . ومن كلامهم : نعم الختن القبر . وعند أهل اللغة اختلاف في الأصهار والأختان غير ما ذكرنا ، والعرف على ما ذكرنا والحكم به .
قال : ( والأهل : الزوجة ) وعندهما كل من يعوله وتجمعه نفقته ومنزله من الأحرار دون الرقيق ، وإن كان يعوله وليس في منزله لا يدخل عملا بالعرف . قال - تعالى - : [ ص: 571 ] ( وأتوني بأهلكم أجمعين ) ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن الحقيقة ما ذكرنا ، يقال : تأهل فلان ببلد كذا إذا تزوج بها ، وانصراف الفهم إليه عند الإطلاق دليل الحقيقة . وقال - تعالى - : ( قال لأهله امكثوا ) أي لزوجته ، وقال - تعالى - : ( فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ) أي زوجته بنت شعيب عليه السلام .
قال : ( والآل : أهل بيته ) لأن آل فلان قبيلته التي ينسب إليها . ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده ; لأن الأب أصل البيت .
قال : ( وأهل نسبه : من ينتسب إليه من جهة الأب ) لأن النسب إلى الآباء .
قال : ( وجنسه : أهل بيت أبيه ) لأن الشخص يتجنس بأبيه ، فابن التركي تركي ، وابن الهندي هندي . فالحاصل أن أهل البيت والنسب والجنس والآل أقرباؤه من قبل أبيه إلى أقصى جد يجمعهم في الإسلام ، ويدخل فيه الغني والفقير وإن كانوا لا يحصون ; لأن اسم القرابة يتناولهما ، والوصية للغني القريب قربة لأنه صلة الرحم .
قال : ( وإن أوصى لأقربائه أو لذوي قرابته ، أو لأرحامه ، أو لذوي أرحامه ، أو لأنسابه فهم اثنان فصاعدا من كل ذي رحم محرم منه ، غير الوالدين والمولودين ، وفي الجد روايتان ) وقال : يستحقه الواحد ويستوي فيه المحرم وغير المحرم والقريب والبعيد إلى كل من ينتسب إلى أقصى أب له في الإسلام ; لأن القرابة تنتظم الكل لما روي : " أنه لما نزل قوله - تعالى - : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) nindex.php?page=hadith&LINKID=10347133صعد النبي - عليه الصلاة والسلام - الصفا وقال : يا بني فلان ، يا بني فلان حتى دعا قبائل قريش ، وقال لهم : إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فدل أن القرابة تتناول القريب والبعيد . وقولهما إلى أقصى أب له في الإسلام كالعباسي والعلوي يدخل [ ص: 572 ] في وصيته كل من ينسب إلى العباس وإلى علي رضي الله عنهما ; لأن الجد المسلم صار هو البيت وشرفوا به فلا اعتبار بمن تقدمه ممن لم يسلم . ولأبي حنيفة أن قوله لذوي قرابتي اسم جمع ، والمثنى جمع من وجه لوجود الاجتماع ، ولأن الوصية أخت الميراث ، وأقل الجمع في الميراث اثنان ، ولأن المقصود بها الصلة فتختص بالرحم المحرم كالنفقة ، ويستوي فيه الرجال والنساء للإطلاق ، ولا يدخل فيه الوالد والولد . قال - تعالى - : ( للوالدين والأقربين ) والمعطوف غير المعطوف عليه ، وإذا لم يكن الوالد قريبا للولد لا يكون الولد قريبا له ، ولا يدخل الجد والجدة وولد الولد من ذكر وأنثى لأنهم ليسوا أقرباء ; لأن القريب لغة : من يتقرب إلى غيره بواسطة غيره ، وتكون الجزئية بينهما منعدمة ، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره ، والجد والحفدة الجزئية بينهما ثابتة ، ويشترط أن لا يكون وارثا لأن الوصية لا تصح للوارث .
قال : ( ويعتبر الأقرب فالأقرب ) عند أبي حنيفة أيضا .
( فإن كان له عم وخالان فللعم النصف وللخالين النصف ) وقالا : بينهم أثلاثا .
( وفي عمين وخالين الكل للعمين ) وعندهما بينهم أرباعا . لأبي حنيفة أن الوصية أخت الميراث فيعتبر الأقرب فالأقرب كما في الميراث ، فلا يرث الخال مع العمين ، وفي المسألة الأولى للعم النصف لأنه لا بد من التثنية لما مر عنده فبقي الباقي للخالين . ولهما ما تقدم أن اسم القريب يتناول القريب والبعيد على ما مر .
قال : ( ولو كان له عم واحد فله نصف الثلث ) عنده ، وعندهما جميعه .
( وإن كان له عم وعمة وخال فالوصية للعم والعمة سواء ) لاستوائهما في القرابة وهي أقوى من الخئولة . والعمة وإن لم تكن وارثة تستحق الوصية بلفظ القرابة ، كما إذا كان القريب عبدا أو كافرا .
قال : ( وإن قال لذي قرابته أو ذي نسبه فكذلك ) الخلاف .
( إلا أن الواحد يستحق الكل ) بالإجماع ; لأن لفظ ذي فرد فيستحقه الواحد ، ففي مسألة [ ص: 573 ] العم والخالين يستحق العم الجميع لما قلنا ، ولو قال لذوي قرابته أو لأنسابه الأقرب فالأقرب يستحق الواحد الجميع إذا انفرد ; لأن قوله الأقرب فالأقرب خرج تفسيرا لما تقدم ، والأقرب اسم فرد ، ويدخل فيه ذو الرحم المحرم وغيره ; لأن قوله الأقرب فالأقرب يتناول الكل ، ويثبت الاستحقاق للأبعد عند عدم الأقرب ، ولا يأخذ معه عملا بقوله الأقرب فالأقرب .
قال : ( أوصى لبني فلان وهو أبو قبيلة كبني تميم فهي للذكر والأنثى والفقير والغني وإن كانوا لا يحصون فهي باطلة ) والأصل فيه أن كل وصية يحصى عدد أهلها فهي جائزة ، وهي بينهم بالسوية على عدد رءوسهم الذكر والأنثى فهي سواء ، ويدخل فيها الغني والفقير ; لأن الحق يجوز إثباته لمعين من بني آدم فإن التسليم إليه ممكن ، ولا دلالة على التخصيص فصحت الوصية ، وإن كان لا يحصى عددهم فعلى ثلاثة أوجه : أحدها أن تكون الوصية لا يدخل فيها غني كقوله : فقراء بني تميم أو مساكينهم فالوصية صحيحة ، وتكون الوصية لمن قدر عليه منهم ; لأن الوصية وقعت لله - تعالى - والفقراء مصارفها . والثاني أن يكون لفظ الوصية يقع للفقير والغني ولا يختص به أحدهما فهي باطلة ، كقوله لبني تميم لأنها تثبت للعباد ، ولا يمكن تنفيذها لجميع بني تميم لأنهم لا يحصون ، ولا يمكن تنفيذها للبعض لأنه ليس بأولى من البعض الآخر فبطلت ، بخلاف الوجه الأول لأن الموصى له واحد ، وهو الله تعالى . الوجه الثالث أن يكون اللفظ يتناول الفقير والغني ، لكن قد يستعمل اللفظ في ذوي الحاجة كقوله ، يتامى بني تميم ، أو عميان بني تميم ، أو زمنى بني تميم ، أو أرامل بني تميم ، فإن كانوا يحصون فالاسم يقع على الفقير والغني وتكون الوصية لهما ; لأنهم معينون يمكن التسليم إليهم فيجري اللفظ على إطلاقه ، وإن كانوا لا يحصون كان للفقراء منهم ; لأن هذا اللفظ يذكر ويراد به غالبا أهل الحاجة ، فإن الله - تعالى - ذكر اليتامى في آية الخمس وأراد الفقراء منهم فوجب تخصيص الوصية وحملها على أهل الحاجة منهم ، ولأن القرابة والثواب فيهم أكثر وهو المقصود غالبا ، ويستوي فيه الذكر والأنثى ; لأن الاستحقاق بالعقد لا يتفضل فيه الذكر والأنثى كالاستحقاق بالبيع ، ولو قال : لفقراء بني فلان وهو أبو قبيلة لا يحصون دخل مواليهم في الوصية مولى الموالاة ومولى العتاقة وحلفاؤهم ، وإن كانوا بني أب ليس بقبيلة يختص ببني فلان من العرب [ ص: 574 ] دون الموالي والحلفاء ; لأنهم إذا لم يحصوا فالمراد بها النسبة وذلك موجود في الموالي والحلفاء وإذا ذكر البنوة ممن يحصون فالمراد الأولاد دون النسبة .
قال : ( وإن كان أبا صلب فالوصية للذكور خاصة ) عند أبي حنيفة رحمه الله ، وكان يقول أولا : هو للذكور والإناث ، وهو قولهما لأنه متى اختلط الذكور والإناث فخطاب الرجال يعم الجميع كقولهم : بنو آدم وبنو هاشم . ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن حقيقة اللفظ للذكر خاصة وما ذكره مجاز ، والعمل بالحقيقة أولى . وقال أبو حنيفة - رحمه الله - : لو لم يكن لفلان ولد لصلبه يعطى ولد ولده من قبل الرجال دون الإناث ، ولا يشترك في هذا النساء مع الرجال ، إنما هي للرجال خاصة ، بخلاف اسم الولد على ما يأتي إن شاء الله تعالى .
قال : ( ولو أوصى لأيتام بني فلان أو عميانهم أو زمناهم أو أراملهم وهم يحصون فهي للفقراء والأغنياء ، وإن كانوا لا يحصون فللفقراء خاصة ) وقد مر ، وكذلك إذا أوصى لمجاوري مكة فهي كالوصية للأيتام ، واليتيم : كل من مات أبوه ولم يبلغ الحلم ، غنيا كان أو فقيرا ، والأرملة : كل امرأة بالغة فقيرة فارقها زوجها أو مات عنها ، دخل بها أو لم يدخل من قولهم : أرمل القوم : إذا فني زادهم ، ويسمى الذكر أرملا مجازا ، قال :
كل الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
الأيم : كل امرأة لا زوج لها وقد جومعت حراما أو حلالا بلغت أو لم تبلغ فقيرة أو غنية ، هكذا ذكره محمد رحمه الله ، وقوله حجة في اللغة . الشاب والفتى من خمسة عشر سنة إلى أن يصير كهلا ; لأنه من شب إذا نما وازداد وهو في النمو إلى أن يكتهل .
والغلام : ما لم يبلغ من الغلمة وهي السكرة والغفلة لأنه ما لم يبلغ كالسكران في لهوه وصباه .
والكهل : من ثلاثين سنة ، فإذا خطه الشيب فهو شيخ قاله الجوهري .
وعن أبي يوسف ومحمد الكهل من أربعين إلى خمسين إلا إذا غلب الشيب فهو شيخ ، وعن أبي يوسف إذا بلغ ثلاثين وخالطه شيب فهو كهل ، وإن لم يخالطه فهو شاب ، والعبرة [ ص: 575 ] للشيب والشمط فإن الناس تعارفوا ذلك وأطلقوا الاسم عند وجود العلامة . والكهولة من الاكتهال وهو الاكتمال ، ومنه اكتهل الزرع إذا أدرك وابيض . والشيخ : من خمسين إلى آخر العمر .
قال أبو يوسف : إن كانوا لا يحصون إلا بكتاب وحساب فهم لا يحصون . وقال محمد : إن كانوا أكثر من مائة لا يحصون ، والمختار أن يفوض الأمر إلى القاضي وهو الأحوط .
قال : ( أوصى لورثة فلان فللذكر مثل حظ الأنثيين ) اعتبارا بالميراث لأن اسم الورثة دل عليه .
( وإن قال لولد فلان الذكر والأنثى فيه سواء ) لأنه لا دلالة على التفضيل واللفظ يتناول الكل لأن الولد اسم لجنس المولود ذكرا كان أو أنثى واحدا أو أكثر ، ويدخل فيه الحمل لأنه ولد حتى ورث .
( ولا يدخل أولاد الابن مع أولاد الصلب ) لأن الولد حقيقة يتناول ولد الصلب ، ولو كان له بنات لصلبه وبنو ابن فالوصية للبنات عملا بالحقيقة .
( ولا يدخل أولاد البنات ) وروى الخصاف عن محمد أنهم يدخلون ، وذكر في السير الكبير : إذا أخذ أمانا لنفسه ولولده لم يدخل فيه ولد البنات ، وجه رواية الخصاف أن الولد ينسب إلى أبويه حقيقة وينسب إلى جده مجازا ، فإذا نسب إلى جده أبي أبيه بأنه ابنه مجازا ، فكذلك ينسب إلى أبي أمه ، ولأن عيسى - عليه السلام - يقال له ابن آدم ولا ينسب إليه إلا من أمه . وجه الظاهر أن أولاد البنات ينسبون إلى أبيهم .
قال :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
[ ص: 576 ] وإذا نسبوا إلى آبائهم لم ينسبوا إلى أبي الأم فلا يدخلون في الوصية له ، ومما يدل عليه قوله - تعالى - : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) ، ولو كان ولد البنت ينسب إليه لكان أبا للحسن والحسين رضي الله عنهما .
قال : ( أوصى لمواليه فهي لمن أعتقه في الصحة والمرض ولأولادهم ) من الرجال والنساء ، وسواء أعتقه قبل الوصية أو بعدها ; لأن الوصية تتعلق بالموت ، وكل واحد من هؤلاء ثبت له الولاء عند الموت فاستحق الوصية لوجود الصفة فيه ، وأولادهم أيضا ينسبون إليه بالولاء المعلق بالعتق فيدخلون معهم ، والمدبرون وأمهات الأولاد لا يدخلون .
وعن أبي يوسف أنهم يدخلون لأنهم استحقوا الحرية بسبب لا يلحقه الفسخ فنسبوا إلى الولاء كالمعتق . وجه الظاهر أن الوصية تستحق بالموت وهؤلاء يعتقون عقيب الموت ، ويثبت لهم الولاء بعده ، فحال نفوذ الوصية لم يكونوا موالي فلا يدخلون فيها . ولو قال لعبده : إن لم أضربك فأنت حر فمات قبل ضربه دخل في الوصية لأنه يعتق عند عجزه عن الضرب ، وذلك في آخر جزء من أجزاء حياته فيستحق اسم الولاء عقيب الموت فيدخل في الوصية .
وأما موالي الموالاة قال أبو يوسف : إذا كان الموصي من العرب وله موالي عتاقة وموالي موالاة ، فهم شركاء في الوصية ; لأن الاسم يشمل الكل . وقال محمد في الجامع الكبير : الوصية لولاء العتاقة وأولادهم دون موالي الموالاة ; لأن ولاء العتاقة بالعتق ، وولاء الموالاة بالعقد فهما معنيان متغايران فلا ينتظمهما لفظ واحد ، ومولى العتاقة ألزم فيحمل عليه ، بخلاف الأولاد لأنهم ينسبون هم والآباء إليه بولاء واحد .
قال : ( ولا يدخل موالي الموالي إلا عند عدمهم ) لأنهم موالي غيره حقيقة ، وهم بمنزلة ولد الولد مع ولد الصلب ، فإن الموالي حقيقة الذين أوقع عليهم العتق ، وموالي الموالي ينسبون إليه مجازا ، فلا يتناولهم الاسم إلا عند عدم الموالي حقيقة لما مر ، فإن كان له موليان فالثلث لهما ; لأن اسم الجمع في الوصايا يحمل على الاثنين فصاعدا لما مر .
قال : ( فإن كان له مولى واحد ومولى موالاة فالنصف لمولاه والباقي لورثته ) لما بينا أن [ ص: 577 ] اسم الجمع يتناول الاثنين فصاعدا ، فيستحق الواحد النصف ويسقط مولى الموالاة لتعذر العمل بالحقيقة والمجاز فيصرف إلى الورثة ، ونظيره الوصية للولد وله ولد واحد وولد ولد ، فللصبي نصف الثلث والباقي للورثة ، ولا شيء لولد الولد والعلة ما بينا .
قال : ( وإن كان له موال أعتقوه وموال أعتقهم فهي باطلة ) لأن اسم الموالي يتناولهما ومعناهما مختلف ; لأن أحدهما أنعم والآخر أنعم عليه وليس أحدهما أولى من الآخر فتعذر العمل بعموم اللفظ ; لأن الاسم المشترط لا ينتظم المعنيين المختلفين في حالة واحدة فبقي الموصى له مجهولا .
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنها جائزة وتكون للفريقين لأن الاسم ينتظمهما ولا يدخل موالي أبيه . وقال أبو يوسف : يدخلون لأنهم مواليه حكما حتى يرثهم بالولاء فدخلوا تحت الاسم ، وجه الظاهر أنه لم يعتقهم فلا يكونون مواليه حقيقة ولم ينسبوا إليه بالولاء ، بخلاف ابن المولى فإنه ينسب إليه بالولاء بواسطة أبيه وإنما يرثهم بالعصوبة لا بالولاء ، بخلاف معتق البعض لأنه ينسب إليه بالولاء .
أوصى إلى رجل بأن يضع ثلث ماله حيث أحب ، فله أن يجعله في نفسه لأنه امتثل أمر الموصي فيجري على إطلاقه ، ولو قال أعطه من شئت لا يعطي نفسه ; لأن الإعطاء لا يتحقق إلا بأخذ غيره ، والدفع والأخذ لا يتحقق من الواحد ، بخلاف الوضع فإنه يتحقق عند نفسه .
قال الفقيه أبو جعفر : يجوز من الثلث للذين يحضرون التعزية من مكان بعيد ويطول مقامهم عنده ، والأغنياء والفقراء سواء ، ولا يجوز لمن لا يطول مقامه ، وإن فعل الوصي من [ ص: 578 ] الطعام شيئا كثيرا يضمن ، وإن كان قليلا لا يضمن ، وقيل الوصية باطلة .
وقال أبو يوسف ومحمد : لا يجوز لأن ذلك معصية ، وفي الجواز تقريرها فلا تجوز .
ولأبي حنيفة أن ذلك قربة في معتقدهم وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " اتركوهم وما يدينون " أي يعتقدون فيجوز ذلك بناء على اعتقادهم . وأما قوله بأنه تقرير المعصية فليس بشيء لأن ذلك لو منع لما جاز قبول الجزية لأنه تقرير لكفرهم وبقائهم عليه .
ومثال الرابعة الوصية للنوائح والمغنيات فإنه لا يجوز لأنه معصية عندنا وعندهم وفي جميع الأديان فلا وجه إلى الجواز ، ولو كان لقوم معلومين معينين جاز بطريق التمليك لا بطريق الوصية والاستخلاف ، وكذلك الفصل الثالث .
حربي دخل دارنا بأمان فأوصى بجميع ماله لمسلم أو ذمي جاز ; لأن عدم الجواز بما زاد على الثلث إنما كان لحق الورثة ، ألا ترى أنهم لو أجازوا جاز ، وليس للورثة حق محترم لكونهم في دار الحرب إذ هم كالأموات في أحكامنا فصار كأن لا وارث له فيصح .