وذوو الأرحام : كل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة ، وهم كالعصبات من انفرد منهم أخذ جميع المال ، والأقرب يحجب الأبعد ، وهم أولاد البنات ، وأولاد بنات الابن ، والجد الفاسد ، والجدات الفاسدات ، وأولاد الأخوات كلهن ، وبنات الإخوة كلهم ، وأولاد الإخوة لأم ، والأخوال والخالات والأعمام لأم ، والعمات وبنات الأعمام كلهم وأولاد هؤلاء ومن يدلي بهم ، وأولاهم الصنف الأول ثم الصنف الثاني ( سم ) .
فصل
في ذوي الأرحام
قال عامة الصحابة - رضي الله عنهم - بتوريث ذوي الأرحام وهو مذهبنا .
( وذوو الأرحام كل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة ، وهم كالعصبات من انفرد منهم أخذ جميع المال ) لأنهم يدلون بالقرابة وليس لهم سهم مقدر فكانوا كالعصبات .
( والأقرب يحجب الأبعد ) كالعصبات حتى من هو أقرب إلى الميت من أي صنف كان فهو أولى .
مثاله : بنت بنت بنت وأبو أم فهو أولى لأنه أقرب . أبو أب أم وعمة أو خالة فهي أولى لأنها أقرب . وذكر رضي الدين النيسابوري في فرائضه أنه لا يرث أحد من الصنف الثاني وإن قرب وهناك واحد من الصنف الأول وإن بعد ، وكذا الثالث مع الثاني والرابع مع الثالث ، قال : وهو المختار للفتوى ، والمعمول عليه من جهة مشايخنا تقديم الصنف الأول مطلقا ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع .
قال : وهكذا ذكره الأستاذ الصدر الكوفي في فرائضه ، فعلى هذا بنت البنت وإن سفلت أولى من أبي الأم ، وهم أربعة أصناف : صنف ينتمي إلى الميت ،
( الأخوال والخالات والأعمام لأم ، والعمات وبنات الأعمام كلهم وأولاد هؤلاء ومن يدلي بهم ، أولاهم الصنف الأول ) لأن قرابة الولاد أقرب من غيرهم كما في الأصول .
( ثم الصنف الثاني ) وقالا : الصنف الثالث أولى من الثاني لأنهم أولاد عصبة أو ذي سهم ، والأصل في ذوي الأرحام إذا استووا في الدرجة أن يقدم ولد وارث . ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن الصنف الثاني له زيادة اتصال باعتبار الجزئية لأنهم أصوله ، وزيادة القرب أولى مما ذكر ; لأن علة الاستحقاق القرب ، والعلة تترجح بالزيادة من جنسها .
الصنف الأول : أقربهم إلى الميت أولى كبنت بنت وبنت بنت بنت ، المال للأولى لأنها أقرب ، وإن استووا في القرب فمن كان له ولد وارث أولى ; لأن له زيادة في القرب باعتبار أصله كبنت بنت بنت ، وبنت بنت ابن ، المال للثانية لأنها ولد صاحب سهم . بنت بنت أخ وبنت ابن أخ ، المال للثانية لأنها ولد عصبة وارث ، فإن كان أحدهما يدلي بوارث لا بنفسه بل بواسطة فهما سواء .
مثاله : بنت بنت بنت بنت ، وبنت بنت بنت ابن ، هما سواء لأن كل واحد يدلي إلى الميت بواسطة ، والعلة هي القرب فلا يترجح بالإدلاء ، وإن كان أحدهم أقرب والآخر أبعد ولكنه يدلي بوارث فالأقرب أولى ; لأن العلة هي القرابة فتترجح بزيادة القرب كالعصبات إذا استووا يطلب الترجيح بزيادة القرب كذا هنا .
مثاله : بنت بنت بنت ، وبنت بنت بنت ابن ، المال للأولى لأنها أقرب ، وكذلك خالة وبنت عم ، الخالة أولى ، وإن استووا في القرب والإدلاء ، فإن اتفقت الآباء والأمهات فالمال بينهما [ ص: 608 ] على السواء إن كانوا ذكورا أو إناثا ، وإن كانوا مختلطين فللذكر مثل حظ الأنثيين .
مثاله : بنت بنت ابن ، وبنت بنت ابن ، المال بينهما على السواء ، وكذلك ابن بنت بنت ، وابن بنت بنت . بنت بنت بنت وابن بنت بنت ، المال بينهما أثلاثا . وإن اختلفت الأمهات والآباء فعند أبي يوسف وهو رواية عن أبي حنيفة العبرة لأبدانهم لا لأصولهم . وعند محمد وهو أشهر الروايتين عن أبي حنيفة العبرة لأصولهم فيقسم المال على أصولهم ويعتبر الأصل الواحد متعددا بتعدد أولاده ، ثم يعطى لكل فرع ميراث أصله ، ويجعل كل أنثى تدلي إلى الميت بذكر ذكرا ، وكل ذكر يدلي إلى الميت بأنثى أنثى ، سواء كان إدلاؤهما بأب واحد أو بأكثر ، أو بأم واحدة أو بأكثر ، ثم يقسم سهام كل فريق بينهم بالسوية إن اتفقت صفاتهم ، وإن اختلفت فللذكر مثل حظ الأنثيين . لمحمد أن الفروع إنما تستحق الميراث بواسطة الأصول فيجب أن تكون العبرة للأصول . ولأبي يوسف أن ذوي الأرحام إنما يرثون بالقرابة كالعصبات ، وكل واحد مستبد بنفسه في أصل الاستحقاق ، فتعتبر الأبدان كالعصبات .
مثاله : بنت بنت ابن ، وابن بنت ابن ، المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين بالإجماع . بنت بنت بنت ، وبنت ابن بنت ، المال بينهما نصفان عند أبي يوسف باعتبار الأبدان . وعند محمد أثلاثا باعتبار الأصول كأنه مات عن بنت بنت وابن بنت ، ثم ينقل نصيب الابن إلى ابنته ونصيب البنت إلى بنتها . بنت ابن بنت ، وابن بنت بنت ، عند أبي يوسف المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وعند محمد للبنت سهمان وللابن سهم . بنتا ابن بنت ، وابن بنت بنت ، عند أبي يوسف ظاهر ، وعند محمد للابن خمس المال ، وأربعة أخماسه للبنتين كأنه مات عن ابني بنت وبنت بنت .
بنت بنت بنت ، وابن بنت بنت ، وبنت ابن بنت ، وابن ابن بنت ، عند أبي يوسف ظاهر ، وعند محمد يقسم على الآباء على ستة للأولين سهمان لإدلائهما إلى الميت بأنثى فيكون بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وللآخرين أربعة لإدلائهما إلى الميت بذكر فيكون بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، فصار المال بين الفريقين أثلاثا فقد انكسر بالأثلاث ، فاضرب ثلاثة في ثلاثة يكن تسعة منها تصح . وإن وقع الاختلاف في بطن أو أكثر فأبو يوسف مر على أصله ، ومحمد يقسم المال على أول خلاف يقع ، فما أصاب الذكور ينقل إلى فروعهم ، وما أصاب الإناث ينقل إلى فروعهن مع اعتبار الاختلاف في البطن الثاني على الوجه الذي اعتبر في البطن الأول حتى ينتهي [ ص: 609 ] إلى الأولاد الأحياء ، فيقسم على اعتبار أبدانهم . مثاله :
فعند أبي يوسف المال بينهم على خمسة : خمسان للابن ، ولكل بنت خمس . وعند محمد على عشرة ، للأولى سهم ، وللثانية أربعة ، وللثالثة ثلاثة ، وللرابع سهمان ; لأنه يعتبر الخلاف في أول بطن وقع وفيه ابن بنت وثلاث بنات بنت فيقسم عليهم ، ثم ما أصاب الابن وهو خمسان يصيران إلى ابنته ، وما أصاب البنات وهو ثلاثة أخماس يصير إلى أولادهن ، وهم ابن وبنتان للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون للابن خمس ونصف ، وللبنتين خمس ونصف ، ثم ينقل نصيب الابن إلى بنته ، ونصيب البنتين إلى ولديهما وهما ابن وبنت للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون للابن خمس ، وللبنت نصف خمس وهو عشر فيصح من عشرة .
مثاله : بنت بنت بنت ، وبنت بنت هي بنت ابن بنت أخرى ، فعند أبي يوسف المال بينهما نصفان ، وعند محمد لذي القرابة سهم ، ولذي القرابتين ثلاثة لما مر . ولو كان مكان البنت من جهتين ابن ، فعند أبي يوسف للذكر مثل حظ الأنثيين ، وعند محمد لذات قرابة سهم ، ولذي قرابتين ثلاثة سهمان من قبل أصله الذكر ويسلم له لتفرده بذلك الأصل ، وسهم من قبل أصل الأنثى فيضمه إلى ما في يد ذات قرابة فيقسمان السهمين للذكر مثل حظ الأنثيين لاتحاد أصلهما في هذين السهمين واختلاف أبدانهما على ثلاثة ، فاضرب ثلاثة في أربعة تكن اثني عشر منها تصح .
الصنف الثاني : وأولاهم أقربهم إلى الميت كأب أم ، وأب أم أم ، وأب أم أب ، المال كله لأب الأم ، فإن استووا في القرب فالإدلاء بوارث ليس بأولى في أصح الروايتين ; لأن السبب [ ص: 610 ] للاستحقاق القرابة دون الإدلاء بوارث . مثاله : أبو أم أم ، وأبو أب أم هما سواء ، إن كانوا ذكورا أو إناثا ، وإن اختلطوا فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن كانوا من جهتين فلقوم الأم الثلث ، ولقوم الأب الثلثان .
مثاله : أبو أم وأبو أبي أم ، للأول الثلثان ، وللثاني الثلث . وإذا كان لأبي الميت جدان من جهتين وكذلك لأمه ، فلقوم الأب الثلثان ، ولقوم الأم الثلث ، ثم ما أصاب قوم الأب ثلثاه لقرابته من جهة أبيه ، وثلثه لقرابته من جهة أمه ، وكذلك ما أصاب قوم الأم . وروى الحسن عن أبي حنيفة ما أصاب قوم الأب كله لقرابته من قبل أبيه ، وما أصاب قوم الأم فلقرابتها من قبل أبيها أيضا .
والثالث أولاد الإخوة والأخوات لأم وأولادهم . فإن كانوا من النوع الأول أو الثاني فهم كالصنف الأول في تساوي الدرجة والقرب والإدلاء بوارث والقسمة . وإن اختلفا في ذلك ، فعند أبي يوسف تعتبر الأبدان ، وعند محمد تعتبر الأبدان ووصف الأصول . وإن كانوا من النوع الثالث فالمال بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم فيه سواء اعتبارا بأصولهم ، ولا خلاف فيه إلا ما روي شاذا عن أبي يوسف أنه يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين . وإن كانوا من الأنواع وتساووا في الدرجة فالمدلي بوارث أولى ، ثم عند أبي يوسف من كان منهم لأب وأم أولى ثم لأب ثم لأم ، وعند محمد يقسم المال على أصولهم وينقل نصيب كل أصل إلى فروعه .
مثاله : ثلاث بنات أخوات متفرقات ، عند أبي يوسف المال كله لبنت الأخت لأبوين ، وعند محمد لها ثلاثة أخماس ، وبنت الأخت من الأب خمس ، ولبنت الأخت لأم خمس باعتبار الأصول فرضا وردا . ثلاث بنات إخوة متفرقين ، عند أبي يوسف كل المال لبنت الأخ من الأبوين ، وعند محمد لبنت الأخ من الأم السدس ، والباقي لبنت الأخ من الأبوين . بنت أخت [ ص: 611 ] لأب وبنت أخت لأم ، المال للأولى عند أبي يوسف لأنها أقوى ، وعند محمد لها ثلاثة أرباع ، وللأخرى الربع فرضا وردا اعتبارا بالأصول . ابنا أخت لأبوين وبنت أخت لأم ، عند أبي يوسف المال للابنين ، وعند محمد ابنا أخت كأختين ، فيقسم المال بينهم على خمسة ، وأولاد هؤلاء كأصولهم المدلي بوارث أولى إذا استووا .
الصنف الرابع : أقربهم إلى الميت أولاهم ، فعمة الأب أولى من عمة الجد ، وإن استووا فمن كان لأب وأم أولى ، ثم من كان لأب ، ثم من كان لأم ، فالعمة لأبوين أولى من العمة لأب ومن العمة لأم ، والعمة لأب أولى من العم والعمة لأم ، والخالات والأخوال على هذا الترتيب . وإن تساووا في القرابة وهم من جنس واحد فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين . وإن اجتمع الجنسان العمومة والخئولة ، فالثلثان لجانب العمومة والثلث لجانب الخئولة كيف كانوا في العدد والذكورة والأنوثة .
مثاله : عمة وعشرة أخوال ، للعمة الثلثان ، وللأخوال الثلث . عمة وخال أو خالة ، للعمة الثلثان والخالة الثلث ، والقياس أن لا يكون للخال والخالة شيء ; لأن قرابة الأب أقوى كما لا شيء للعمة لأم مع العمة لأب ، إلا أنا تركنا القياس بإجماع الصحابة ، فإنهم قالوا : للعمة الثلثان وللخالة الثلث ، ولأن العمة لما كانت من جهة الأب فهي كالأب والخالة كالأم . فصار كأنه ترك أبا وأما فيقسم بينهما أثلاثا كذا هذا ، بخلاف ما ذكر لأن العمات كلهن من جهة الأب ، والعمة لأب أقوى من العمة لأم فلا ترث معها كالأعمام ، وذو قرابتين من أحد الجنسين لا يحجب ذا القرابة الواحدة من الجنس الآخر ; لأن الصحابة - رضي الله عنهم - جعلوا الميراث بين الخالة والعمة أثلاثا مطلقا فيجري الإجماع على الإطلاق .
[ ص: 612 ] مثاله : عمة الأب وخالته وعمة الأم وخالتها ، الثلثان للعمتين بينهما أثلاثا ، والثلث للخالتين بينهما أثلاثا وقد انكسر بالأثلاث فاضرب ثلاثة في ثلاثة تكن تسعة منها تصح . وأولاد هذه الأصناف حكمهم حكم آبائهم في جميع ما ذكرنا عند عدم آبائهم ، والله الموفق .
فصل
في الولاء
وهو نوعان : ولاء عتاقة وولاء موالاة ، وقد ذكرنا صورتهما وأحكامهما في كتاب الولاء ، ونذكر في هذا الفصل ما يتعلق بالإرث ، فنبدأ بولاء العتاقة فنقول :
[ ص: 613 ] وقال أبو يوسف : للأب السدس والباقي للابن ; لأن الأب يكون عصبة حتى يحرز جميع المال لو انفرد . ولهما أنه صاحب فرض مع الابن فصار كالزوج فلا يزاحم الابن العصبة ، ولو مات عن جد مولاه وأخيه فالكل للجد .
وقالا : بينهما نصفان وقد عرف .
وعن عدة من الصحابة - رضي الله عنهم - أنهم قالوا : الولاء للكبر أي للأقرب إلى الميت نسبا ، وهذا لا يعرف إلا سماعا فصار كالمروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما مولى الموالاة فإن الأعلى يرث الأسفل ويعقل عنه إذا جنى مقابلة للغنم بالغرم ، وهو مؤخر عن ذوي الأرحام لأن ذوي الأرحام يرثون بالقرابة وهي أقوى وآكد من الولاء لأنها لا تقبل النقض والولاء يقبله ، بخلاف الزوجين حيث يرث معهما لأنهما بعد الموت كالأجانب ، ولهذا لا يرد عليهما ، فإذا أخذا حقهما صار الباقي خاليا عن الوارث فيكون لمولى الموالاة . ولو اتفقا في عقد الموالاة على أن يرث كل واحد من الآخر صح ، وورث كل واحد منهما الآخر إذا لم يكن عصبة ولا ذو سهم ولا ذو رحم ، والفرق بين ولاء العتاقة وولاء الموالاة أن السبب في ولاء العتاقة العتق الذي هو إحياء معنى على ما بينا ، وأنه من الأعلى خاصة ، والسبب في ولاء الموالاة العقد والشرط ، فيثبت على الوصف الذي عقدا وشرطا . والأصل في الإرث بولاء الموالاة قوله تعالى : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) وكان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالعقد والحلف دون النسب والرحم حتى نزل قوله - تعالى - ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) فنسخ تقديمه وصار مؤخرا عن ذوي الأرحام وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي [ ص: 614 ] nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس وجماعة من التابعين - رضوان الله عليهم أجمعين - على أنا نقول بموجب الآية فلا نورثه مع وجود ذوي الأرحام ، وإنما نورثه عند عدمهم فلا تكون الآية ناسخة وهو مذهب أصحابنا ، ولأنه جعل ماله له بعقده ، ولا تعلق للوارث به فصار كالوصية بجميع المال ولا وارث له ، أو كان لكنه أجاز الوصية فإنه يجوز كذا هذا ، فصار مستحقا للمال فلا يوضع في بيت المال ; لأنه إنما يوضع في بيت المال عند عدم المستحق لا أنه مستحق " وسئل - عليه الصلاة والسلام - عن رجل أسلم على يد رجل ووالاه فقال : هو أحق الناس به محياه ومماته " يشير إلى العقل والإرث في هاتين الحالتين .