ولا تجب إلا على الأحرار الأصحاء المقيمين بالأمصار ، ولا تقام إلا في المصر ( ف ) أو مصلاه ، والمصر ما لو اجتمع أهله في أكبر مساجده لم يسعهم . ولا بد من السلطان أو نائبه ( ف ) ووقتها وقت الظهر ، ولا تجوز إلا بالخطبة يخطب الإمام خطبتين يفصل بينهما بقعدة خفيفة ، وإن اقتصر على ذكر الله تعالى جاز ( ف سم ) ، والأولى أن يخطب قائما طاهرا ، فإن خطب قاعدا أو على غير وضوء جاز ، ولا بد من الجماعة ، ومن لا تجب عليه إذا صلاها أجزأته عن الظهر وإن أم فيها جاز ، ومن صلى الظهر يوم الجمعة بغير عذر جاز ( ز ) ويكره ، فإن شاء أن يصلي الجمعة بعد ذلك يبطل ظهره بالسعي ( سم ) ، ويكره لأصحاب الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة جماعة في المصر ، وإذا خرج الإمام يوم الجمعة استقبله الناس واستمعوا وأنصتوا ، وتكره الصلاة والإمام يخطب فإذا أذن الأذان الأول توجهوا إلى الجمعة ، وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يديه الأذان الثاني ، فإذا أتم الخطبة أقاموا .
واختلفوا في الأعمى قال أبو حنيفة : لا تجب عليه . وقالا : تجب إذا وجد قائدا لأنه يصير قادرا على السعي فصار كالضال وله أنه عاجز بنفسه كالمريض فلا يصير قادرا بغيره ، فإن القائد قد يتركه في الطريق . وأما قوله المقيمين بالأمصار فلقوله - عليه الصلاة والسلام - : لا جمعة ولا تشريق ولا أضحى إلا في مصر جامع " .
( والمصر ما لو اجتمع أهله في أكبر مساجده لم يسعهم ) روي ذلك عن أبي يوسف . قال nindex.php?page=showalam&ids=16974محمد بن شجاع الثلجي : هذا أحسن ما قيل فيه ; وقيل هو أن يعيش كل صانع بحرفته . وقال الكرخي : ما أقيمت فيه الحدود ، ونفذت فيه الأحكام . وزاد بعضهم : ويوجد فيه جميع ما يحتاج الناس إليه في معايشهم . وعن محمد : كل موضع مصره الإمام فهو مصر ، فلو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص صار مصرا ، فلو عزله ودعاه التحق بالقرى .
قال : ( ولا بد من السلطان أو نائبه ) لأنه لولا ذلك لاختار كل جماعة إماما فلا يتفقون على واحد فتقع بينهم المنازعة ، فربما خرج الوقت ولا يصلون ، ولأن ذلك يفضي إلى الفتنة ، ومع وجود السلطان لا .
قال : ( ولا تجوز إلا بالخطبة ) لقوله تعالى : ( فاسعوا إلى ذكر الله ) ولا يجب السعي إلا إلى الواجب ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل الجمعة بدونها . وقالت عائشة : إنما قصرت الصلاة لمكان الخطبة ، وعليه الإجماع ، وهي قبل الصلاة ، هكذا فعله - عليه الصلاة والسلام - والأئمة بعده إلى يومنا هذا . ( يخطب الإمام خطبتين ) قائما يستقبل القوم ويستدبر القبلة .
( يفصل بينهما بقعدة خفيفة ) هو المأثور من فعله - عليه الصلاة والسلام - والأئمة بعده .
( فإن خطب قاعدا أو على غير وضوء جاز ) لما روي أن عثمان لما أسن كان يخطب قاعدا ، ولأن الطهارة ليست بشرط للخطبة لأنه ذكر لا يشترط له استقبال القبلة فلا تشترط له الطهارة كالتلاوة والأذان والإقامة ، إلا أنه يكره لما فيه من الفصل بين الخطبة والصلاة بالوضوء ، وقد أساء لمخالفته السنة .
قال : ( ولا بد من الجماعة ) لأنها مشتقة منها ، ولا خلاف في ذلك . واختلفوا في كميتها .
قال أبو حنيفة : لا بد من ثلاثة سوى الإمام ، وأن يكون الإمام والثلاثة ممن يجوز الاقتداء بهم في غير الجمعة . وقال أبو يوسف ومحمد : اثنان سوى الإمام ، والأصح أن محمدا مع أبي حنيفة . لأبي يوسف أن الاثنين جماعة لأنه مشتق من الاجتماع وقد وجد . ولهما أن الجمع الصحيح ثلاثة وما دونها مختلف فيه ، والجماعة شرط بالإجماع فلا يتأدى بالمختلف . قال محمد : لا بأس بصلاة الجمعة في المصر في موضعين وثلاثة ولا يجوز أكثر من ذلك ؛ لأن المصر إذا بعدت أطرافه شق على أهله المشي من طرف إلى طرف فيجوز دفعا للحرج ، وأنه يندفع بالثلاث فلا حرج بعدها ، ولهذا كان علي - رضي الله عنه - يصلي العيد في الجبانة ، أي المصلى ، ويستخلف من يصلي بضعفة الناس بالمدينة ، والجبانة من المدينة والخلاف في الجمعة والعيد واحد .
وقال أبو حنيفة : لا تجوز إلا في موضع واحد لأنه المتوارث ، ولأنه لو جاز في موضعين لجاز في جميع المساجد كغيرها من الصلوات وأنه ممتنع . وقال أبو يوسف كذلك إلا أن يكون بين الموضعين نهر فاصل كبغداد لأنه يصير كمصرين . وكان أبو يوسف يأمر بقطع الجسر يوم الجمعة لتنقطع الوصلة بين الجانبين ، فإن لم يكن بينهما نهر فالجمعة لمن سبق لعدم المزاحم ، وقد وقعت في وقتها بشرائطها ، وتفسد جمعة الآخرين ويقضون الظهر ، فإن صلى أهل المسجدين معا ، أو لا يدري من سبق فصلاة الكل فاسدة لعدم الأولوية فلا يخرج عن العهدة بالشك . [ ص: 114 ] قال : ( ومن لا تجب عليه ) الجمعة .
( إذا صلاها أجزأته عن الظهر ، وإن أم فيها جاز ) لأنها وضعت عنهم تخفيفا ورخصة لمكان العذر ، فإذا حضروا زال العذر فتجوز صلاتهم كالمسافر إذا صام ، وإذا حضروا صارت صلاتهم فرضا فتجوز إمامتهم كما في سائر الصلوات ، ولأن النبي صلى الجمعة بمكة وهو مسافر . قال : ( ومن صلى الظهر يوم الجمعة بغير عذر جاز ويكره ) وقال زفر : لا يجوز ، وأصله الاختلاف في فرض الوقت .
قال أبو حنيفة وأبو يوسف : هو الظهر ، لكن العبد مأمور بإسقاطه عنه بأداء الجمعة . وقال محمد : هو الجمعة لأنه مأمور بها ، والفرض هو المأمور به ، وله أن يسقطه بالظهر رخصة . وعنه أن الفرض أحدهما لا بعينه ويتعين بأدائه ؛ لأن أيهما أدى سقط عنه الفرض ، فدل أن الواجب أحدهما .
وعند زفر هو الجمعة ، والظهر بدل عنها في حق غير المعذور لأنه مأمور بالجمعة منهي عن الظهر ، فإذا فاتت الجمعة أمر بالظهر ، وهذا آية البدلية .
ولنا أن التكليف يعتمد القدرة ، والعبد إنما يقدر على أداء الظهر بنفسه دون الجمعة لأنها تتوقف على شرائط تتعلق باختيار الغير ، ولهذا لو فاتته الجمعة أمر بقضاء الظهر لا الجمعة ، ويجوز أن يكون الفرض الظهر ، ويؤمر بتقديم غيره كإنجاء الغريق آخر الوقت قبل الصلاة .
قال : ( فإن شاء أن يصلي الجمعة بعد ذلك يبطل ظهره بالسعي ) وقالا : لا تبطل ما لم يدخل مع الإمام ؛ لأن السعي شرط كستر العورة والطهارة . وله أن السعي من فرائض الجمعة وخصائصها للأمر ، والاشتغال بفرائض الجمعة المختصة بها يبطل الظهر كالتحريمة .
قال : ( ويكره لأصحاب الأعذار أن يصلوا الظهر يوم الجمعة جماعة في المصر ) لأن فيه إخلالا بالجمعة ، فربما يقتدي بهم غيرهم ، بخلاف القرى لأنه لا جمعة عليهم ، وقد جرى التوارث في جميع الأمصار والأعصار بغلق المساجد وقت الجمعة مع أنها لا تخلو عن أصحاب الأعذار ، ولولا الكراهة لما أغلقوها .
قال : ( وإذا خرج الإمام يوم الجمعة استقبله الناس ) به جرى التوارث . [ ص: 115 ] ( واستمعوا وأنصتوا ) لقوله تعالى : ( فاستمعوا له وأنصتوا ) . قالوا : نزلت في الخطبة .
ومن كان بعيدا لا يسمع النداء قيل يقرأ في نفسه ، والأصح أنه يسكت للأمر .
( وتكره الصلاة والإمام يخطب ) لأن الواجب الاستماع لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام " .
ولو شرع في النفل قبل خروجه سلم على ركعتين ، فإن كان شرع في الشفع الثاني أتمه ، ولو كان شرع في الأربع قبل الجمعة أتمها .
( وإذا صعد الإمام المنبر جلس وأذن المؤذنون بين يديه الأذان الثاني ) وهو الذي كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر . فلما كان زمن عثمان ، وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد مؤذنا آخر يؤذن قبل جلوسه على المنبر ، فإذا جلس أذن الأذان الثاني ، فإذا نزل أقام ، فالثاني هو المعتبر في وجوب السعي وترك البيع ؟ وقيل الأصح أنه الأول إذا وقع بعد الزوال لإطلاق قوله تعالى : ( 30 إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة )