صفحة جزء
الحكم التاسع : حبسه إذا لم يثبت إعساره ، وفي الكتاب : لا يحبس إلا المالئ المتهم بتغييب ماله وإلا فيستبرأ ، وللحاكم حبسه قدر استبرائه أو يأخذ له حميلا ، فإذا ظهرت براءته أطلق ومتى تبين عدم المليء أو المتهم أطلق من غير تحديد ، ولا يلازمه رب الدين . وقاله ( ش ) ، خلافا ( ح ) ، وكذلك وافقنا ( ش ) في سماع بينة الإعسار في الحال ، وقال ( ح ) : حتى يحبس مدة يغلب على ظن الحاكم عدم ماله ولو كان له مال لظهر .

وجوابه : أن البينة لا تسمع إلا إذا كان تعلم حاله بالخبرة الباطنة ، فلا [ ص: 205 ] معنى لحبسه ، ووافقنا ابن حنبل في جميع ذلك . ويحبس أحد الزوجين لصاحبه والولد بدين أبويه ، ولا يحبسان له لأنه عقوق ، ولا يحلف الأب فإن استحلفه فهو جرحة على الابن ، ويحبس الجد والأقارب والنساء والعبيد والذمة والسيد في دين مكاتبه ، ولا يحبس المكاتب بالعجز عن الكتابة لأنها ليست في الذمة ولكن يتلوم له .

وفي التنبيهات : الإلداد واللداد : الخصومة قال الله تعالى : " وتنذر به قوما لدا " . من لديدي الوادي ؛ وهما جانباه ، كأنه يرجع من جانب إلى جانب لما كان يرجع من حجة إلى حجة ، وقيل : من لديدي الفم ، وهما جانباه لإعمالها في الكلام في الخصومة ، أو من التلدد وهو التحير ; لأنه يحير صاحبه بحجته ، وقوله حميلا بالوجه لا بالمال ويقضى على صاحب الدين به ، والمتهم بإخفاء المال حميلا بالمال دون الوجه ، إلا أن يحتاج للخروج من السجن لمنافعه ويرجع فيؤخذ بالوجه فقط . ومن عرف بالناض لا يؤجل ساعة ، ويؤجل صاحب العروض ما يبيع عروضه على حالها ، وهو ظاهر الروايات نفيا للضرر عنه . وقيل : تباع بحينها تغليبا لحق الطالب . وغير المعروف بالناض في تحليفه على إخفاء الناض قولان للمتأخرين ، وقيل : إن كان من التجار حلف وإلا فلا ، مبني على مشروعية يمين التهم ، وعن ابن القاسم لا يلزمه حميل حتى يبيع ولا يسجن ، وأكثرهم على الحميل والسجن . وقاله سحنون .

وفي النكت : أصل السجن إجماع الأمة ، وقوله تعالى : " ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما " فإذا كان له ملازمته ومنعه من التصرف كان له حبسه ، والحبس ثلاثة : حبس التلوم والاختبار إذا لم يتهم في تغييب المال ، وللتهمة ، أو اللداد ، فحتى يتبين عدمه ، ولأنه نفى معلوما له فحتى يخرج ذلك المال ويعطي الدين ، قال عبد الملك : المجهول العدم أو المتهم بتغييب [ ص: 206 ] ماله أقل حبسه في الدريهمات اليسيرة نصف الشهر ، ولا يحبس في كثير المال أكثر من أربعة أشهر ، وفي المتوسط شهران ; لأن ثلث العام اعتبر في الإيلاء فلا يزاد عليه ، قال بعض شيوخنا : لا يحبس الوالد إلا في نفقة الولد الصغير ; لأن ذلك للحاكم لا للصغير فلا عقوق .

قال صاحب المقدمات : حبس التلوم ، والاختبار هو الذي قال فيه عبد الملك في الدريهمات نصف شهر وفي الكثير أربعة أشهر وفي المتوسط شهران ، وأما المليء المتهم فحتى يثبت عدمه فيحلف ويسرح ، وأما من أخذ أموال الناس وقعد عليها وادعى العدم فتبين كذبه فأبدا حتى يؤدي أو يموت في الحبس . وقال سحنون : يضرب بالدرة المرة بعد المرة حتى يؤدي أو يموت ; لأنه الجاني على نفسه . وقاله مالك ، والقضاء عليه في هؤلاء الذين يرضون بالسجن ليأكلوا أموال الناس ، ولا يليق خلاف هذا ، وقد قال عمر بن عبد العزيز : تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور . ولا يمكن الملد المتهم من إعطاء حميل غلا حميلا فلزمه الغريم ، ولا يسقط الغرم عنه إثبات المطلوب العدم ، وإن أقام بينة بالعدم لم يترك ، قاله سحنون . وإن ساءل الطالب أن يعذر إليه في الشهود فيعاد للسجن إن قدح في البينة ، ويستحلف إن لم يقدح ، ثم يسجن وليس قوله مخالفا لقول ابن القاسم . قال ابن يونس : قال محمد : قال مالك : إذا شهدت بينة أنه احتج ( كذا ) يحبس ولا يعجل سراحه ، وكيف يعرفون أنه لا شيء عنده ؟ وفي التلقين ، وفي الجواهر : مدة الحبس غير مقدرة بل لاجتهاد الحاكم .

فرع

في الجواهر : من حل دينه فسأل التأخير ووعد بالقضاء ، قال عبد المالك : يؤخره الإمام حسبما يرجى له ، ولا يعجل عليه . وفي كتاب سحنون : إن سأل أن يؤخر اليوم ونحوه ويعطي حميلا بالمال فعل .

[ ص: 207 ] فرع

في المقدمات : يحبس الوصي فيما على الأيتام إن كان في يده لهم مال ، وكذلك الأب إن كان عنده مال ابنه لم يعلم نفاده لادعائه خلاف الظاهر ، قاله ابن عبد الحكم .

فرع

قال : وليس لمن قال : لا شيء لي ، أما من قال : أخروني ووعد بالقضاء أخر قدر ما يرجى له ، فإن تنازعا في القدرة على الناض إن حقق الدعوى حلف اتفاقا ، وإلا فعلى الخلاف في يمين المتهم ، فإن نكل حلف الطالب ولم يؤخذ المطلوب قليلا ولا كثيرا .

فرع

قال : فإن طلب تفتيش داره فللمتأخرين قولان ، وما وجد في داره فهو ملكه حتى يثبت خلافه .

فرع

قال : إذا ثبت عدم الغريم أو انقضاء أمد سجنه فلا يطلق حتى يستحلف ما له مال ظاهر ولا باطن ، ولئن وجد مالا ليؤدين إليه حقه . ويحلف مع ثبوت عدمه ; لأن الشهود إنما شهدوا له على العلم كالمستحق للعروض بشهادة الشهود يحلف ما باع ولا وهب ; لأن الشهود لم يشهدوا على القطع بل باستصحاب الملك ، فإذا حلف خلي سبيله حتى يتبين إفادته المال ، فإن طلب تحليفه بعد ذلك أنه لم يفد مالا لم يكن له ذلك ; لأنه قد استحلفه على ذلك ليلا يغشه باليمين في كل يوم . وهذا فائدة قوله في اليمين : لئن وجدت لوفيته حقه . قال ابن يونس : كان أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يستحلفان المعسر الذي لا يعلم له مال أنه ما يجد قضاء في فرض أو عرض ، وأنه إن وجد قضاء ليقضين ، ففي التحليف مصلحة الطالب [ ص: 208 ] بالاستظهار ، ومصلحة المطلوب بامتناع تحليفه بعد ذلك . قال اللخمي : واليمين على من عرف ملاؤه في الجامع .

فرع

قال : فإن شهد بينتان بعدمه وملائه ولم تعين البينة مالا ففي أحكام ابن زياد تقدم بينة الملاء وإن كانوا أقل عدالة ، ويحبس بشهادتهم حتى يشهد أنه أعدم بعد ذلك ، وهو بعيد ، والصحيح رواية أبي زيد : أن ذلك تكاذب ، وتقدم بينة العدم ; لأنها أثبت حكما فيحلف ويسرح والأخرى نفت الحكم ، وإنما تقدم بينة الملاء إذا تعارضتا بعد تحليفه وتسريحه ، لأنها أثبتت حكما وهو سجنه . وروى أبو زيد : تسقط البينتان إذا استوتا في العدالة ، ثم إن كان متهما حبس حتى يأتي ببينة على العدم أعدل من بينة الملاء ، وإن كان إنما سجن تلوما أطلق .

فرع

قال التونسي : لا يخرج المحبوس للجمعة ولا العيدين ، قاله ابن عبد الحكم ، واستحسن إذا اشتد المرض بأبويه أو ولده أو أخيه أو بعض من يقرب من قرابته وخيف عليه الموت أن يخرج فيسلم عليه ، ويؤخذ منه حميل بوجهه ولا يفعل ذلك في غيرهم من القرابات . ولا يخرج لحجة الإسلام لتقدم الدين على الحج . ولو أحرم بحج أو عمرة ، أو نذر فحنث فقيم عليه بدين حبس وبقي على إحرامه . ولو ثبت الدين يوم نزوله بمكة أو منى أو عرفة استحب أن يؤخذ منه كفيل حتى يفرغ من الحج ، ثم يحبس بعد النفر الأول : ولا يخرج ليعين على العدو إلا أن يخاف عليه الأسر أو القتل بموضعه فيخرج إلى غيره ، ويخرج لحد القذف لتقدم الأعراض على الأموال ثم يرد . ولا يخرج إن مرض إلا أن يذهب عقله فيخرج بحميل حتى يعود عقله . ويحبس النساء على حدة . وفي النوادر : يمنع المحبوس ممن يسلم عليه ويحدثه ، وإن اشتد مرضه واحتاج إلى أمة مباشرة جعلت معه حيث يجوز ذلك . وإن حبس الزوجان لا يفرقان إن كان الحبس خاليا ، وإلا [ ص: 209 ] فرقا . ولا يفرق الأب من ابنه ولا غيره من القرابات ، بخلاف المرأة لعظم النفع بها . وإذا أقر في الحبس أنه أجر نفسه ليسافر مع رجل لم يخرج لذلك ولو قامت بينة ، وللمطالب فسخ الإجارة للسجن ; لأنه بحكم حاكم بخلاف غيره . وإذا أراد الزوج السفر بامرأته فأقرت بدين فأراد الغريم حبسها في هذا البلد حبست في البينة والإقرار إلا أن تتهم .

فرع

قال اللخمي : المعروف من المذهب حمل الغريم على اليسار من غير تفرقة بين الأحوال لأنه الغالب ، والناس مجبولون على الكسب والتحصيل . وعن مالك : إن من لم يتهم بكتم مال وليس يتاجر لا يفلس ولا يستحلف ؛ يريد من هو معروف بقلة ذات اليد . وكذلك ينبغي أن يعامل أرباب الصنائع كالبقال والخياط يقبل قوله ولا يحبس إلا أن يكون المدعى به يسيرا مما عومل عليه في صنعته أو أخذ عنه عوضا أو حمالة ; لأن الحميل قائل أنا أقوم بما عليه فهو إقرار باليسر . وكذلك الصداق يحمل فيه الرجل على حال مثله ، فكثير من الناس يتزوج وليس عنده مؤخر الصداق وخصوصا أهل البوادي . وكذلك جناية الخطأ التي لا تحملها العاقلة . وقال عبد الملك : إذا أعتق بعض عبد وقال : ليس عندي قيمة الباقي يسأل جيرانه ومعارفه ، فإن قالوا : لا نعلم له مالا أحلف وترك . قال سحنون : جميع أصحابنا على ذلك في العتق إلا في اليمين فإنه لا يستحلف عندهم . وهذه المسألة أصل في كل مال ما لم يؤخذ له عوض أنه لا يحمل فيه الملاء واللدد ، فإن الغالب التحيل للولد والقيام به .

فرع

قال : إذا حبس حتى يثبت فقره ، ثم أتى بحميل ( له ) ذلك عند ابن القاسم لثبوت الإعسار ، ومنع سحنون ; لأن السجن أقرب لحصول الحق ، وإذا غاب المتحمل عنه وأثبت الحميل فقر الغريم برئ من الحمالة .

[ ص: 210 ] فرع

قال : تسأل البينة كيف عملت فقره ؟ فإن قالوا : نسمعه يقول : ذهب مالي وخسرت وما أشبه ذلك لم تسمع هذه البينة ، وإن قالوا : كنا نرى تصرفه في بيعه وقدر أرباحه أو نزول الأسواق ونقص رأس ماله شيئا بعد شيء ، وأن ذلك يؤدي إلى ما ادعاه سمعت ولو كان المطلوب فقيرا في مسائل : كمن طولب بدين بعد مناجمة ويدعي العجز بعد قضاء ، ويأتي بمن يشهد بفقره وحاله لم يتغير عن يوم ، ومن يطالب برزق ولده بعد طلاق الأم لم تسمع بينته بالفقر ; لأنه بالأمس كان ينفق فهو اليوم أقدر لزوال نفقة الزوجة إلا أن تشهد بينة بما يقل حاله .

فرع

قال : وإذا حلف بعد البينة قال مالك : يقام من السوق من يعمل لإتلاف أموال الناس وقال عبد الملك : لا يقام للناس .

فرع

قال : الأمين على النساء في الحبس امرأة مأمونة لا زوج لها أو لها زوج معروف بالخير مأمون ، ويحبسن في موضع خال من الرجال .

فرع

قال : يحبس الوالد للولد في صورتين : نفقة الولد الصغير ، ودين على الولد وله مال في يديه إذا ألد عن تسليمه إلا أن يكون المال عينا ولو مال ظاهر يقدر على الأخذ منه فيؤخذ ولا يحبس ، وإن ادعى الفقر كلف إثبات ذلك من غير حبس بخلاف الأجنبي ، ويسأل عنه بخلاف إن علم لدده والمال كثير ولم يوجد مال ظاهر يقضي منه حبس ، وإن أشكل أمره أو كان المطلوب يسيرا أو له قدر وهو حقير في كسب الابن ، واختلف في تحليفه له وحده إن قذفه ، وفي القصاص إن قطعه أو قتله ، ففي المدونة : لا يحلف . وفي الموازية : وهو بذلك عاق وترد [ ص: 211 ] شهادته . وقال : أرى إن كانت يمين تهمة بأنه أخذ أو كتم ميراث أمه لا يحلف إلا أن تكون التهمة ظاهرة في ذي بال يضر بالولد ، وإن كانت بسبب أنه يجحد ما داينه وله قدر أحلف ، ولا يحلف في اليسير ، ولا يحلف مطلقا إذا كان الأب دينا فاضلا ، ويتهم الابن في أذاه بسبب تقدم .

قال ابن القاسم : ويحد له ويجوز عفوه عنه وإن بلغ الإمام ، ويقتص منه في القطع والقتل . أصبغ كذلك إلا في القتل إذا كان ولي الدم ابنه ، وهو أبين ، وأرى عظيما حده وقتله وقطعه ، وكذلك إن قام بالدم عم المقتول أو ابن عمه ، أو يكون المقتول ليس بولد للقاتل ، وهي مختلفة القبح . وأشكل من ذلك أن يقوم بالقصاص ابن أخي القاتل فيريد القصاص من عمه ، وقد قال - عليه السلام - : العم صنو الأب . وعدم تحليف الجد أحسن خلافا للمدونة ، واختلف في القصاص منه .

فرع

قال : ويحبس السيد في دين مكاتبه إلا أن يكون قد حل من نجومه ما يوفي بدينه أو يكون في قيمة المكاتب إن بيع ما يوفي ، ويحبس المكاتب في دين السيد إذا كان الدين من غير الكتابة ، ولا يحبس في الكتابة إلا على القول : إنه لا يعجزه إلا السلطان ، وله سجنه إذا اتهمه بكتم المال طلبا للعجز .

فرع

قال : إذا أقر بالملاء ولد عن القضاء ، فإن وجد له مال ظاهر قضي منه وإذا سجن ، وإذا سأل الصبر لإحضار الناض . وقال : ليس لي ناض أمهل . واختلف في حد التأخير ، وأخذ الحميل وتحليفه على العجز الآن ، فقال سحنون : يؤخر اليوم ويعطي حميلا وإلا سجن . وقال عبد الملك : ذلك على قدر المطلوب من غير [ ص: 212 ] تحديد ، قاله مالك ، وقال يجتهد في ذلك الحاكم ، ويؤخر المليء نحو الخمسة الأيام ولم يلزمه حميلا ، وهو أحسن ، ومتى أشكل الأمر لا يحمل على اللدد ، وإن قدر على القضاء من يومه بيع ما شق عليه بيعه وخروجه من ملكه كعبده التاجر ومركوبه ، وما يدركه من بيعه مضرة أو معرة لم يلزمه بيعه ; لأن الشأن من غير ذلك ؛ قاله مالك .

فرع

في الكتاب : إذا أراد بعضهم حبسه وقال غيره : دعه يسعى حبس لمن أراد حبسه إن تبين لدده ; لأن حق الطالب مستقل ، قال ابن يونس في الموازية : إن قل دين طالب السجن وكثر دين غيره خير صاحب الكثير بين دفع اليسير لصاحبه ، وبين أن يباع له مما بيده ما يوفي بدينه وإن أتى على جميعه فمن شاء حاصص مع هذا القائم ، ومن أخر فلا حصاص له ، وإذا سجن لمن قام وله دين وعروض أكثر من دين من قام فلا يفلس ولا يقضى إلا لمن حل دينه ، ثم لو تلف ما بقي بيده ، وثم غريم فلا يرجع على من أخذ حقه بشيء .

فرع

في الكتاب : إذا أخرك بعض الغرماء بحصته لزمه ذلك ، فإن أعدمت وقد اقتضى الآخر حصته فلا رجوع لصاحبه ; لأنه أسقط حقه ودخل على الغرر .

فرع

قال : إذا أديت دينه جاز إن فعلته رفقا به ، وامتنع إن أردت الإضرار به ، وكذلك شراؤك دينا عليه تعنيتا يمتنع البيع ، قال صاحب النكت : وإن لم يعلم المشتري ؛ قاله بعض الشيوخ ، كما إذا أسلفت قاصدا النفع والمتسلف غير عالم والبائع تلزمه الجمعة دون الآخر ، وقيل : إذا لم يعلم بإضرارك صح البيع وتحقق العقد ، ويباع الدين على المشتري فيرتفع الضرر ، قال ابن يونس : وهذا أظهر .

[ ص: 213 ] فرع

في الجواهر من كتاب الوديعة : إذا ظفر صاحب الدين بجنس حقه ، وقد تعذر عليه أخذ حقه مثل أن يجحده وديعته ، ثم يودع عنده فهل له جحد هذه الوديعة في الأولى ؟ خمسة أقوال : روى ابن القاسم في الكتاب المنع ، والكراهة رواها أشهب . وقال ابن عبد الحكم : واستحبه عبد الملك تخليصا للظالم من الظالم ، والخامس : أن هذا كله إذا لم يكن عليه دين فإن كان لم يأخذ إلا حصته ، وأصل هذه المسألة ما في الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءته هند أم معاوية - رضي الله عنه - فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح وغني ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم ، هل علي في ذلك من شيء ؟ فقال النبي - عليه السلام - : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . وهو يدل على ذكر العيب عند الحاجة ; لأنه - عليه السلام - لم ينكر عليها ذم الشح ومنع الحق ، وعلى وجوب نفقة الزوجة والولد على الزوج والوالد قدر الكفاية لقوله - عليه السلام - : ( ما يكفيك وولدك ) وعلى جواز قضاء القاضي بعلمه لاكتفائه بعلمه - عليه السلام - عن البينة وعلى القضاء على الغائب ; لأنه لم يكن حاضرا ، وعلى أخذ جنس الحق وغير جنسه إذا ظفر به من الملك ; لأنه - عليه السلام - أذن لها في أخذ ما يكفيها ، وهو أجناس من نفقة وكسوة وغيرهما ، وهذا إذن في البيع واستيفاء الحق من غير جنسه ; لأن الغالب في الشحيح أن هذه الأجناس ليست عنده ، ووافقنا ( ش ) على أخذ الجنس وغيره . وقال سفيان وغيره : لا يأخذ من جنس حقه . وقال أصحاب الرأي : يؤخذ أحد النقدين عن الآخر دون غيرهما .

وقيل في هذا الحديث : إن قوله - عليه السلام - من باب الفتيا لا من باب القضاء ; لأن القضاء يتوقف على استيفاء الحجاج من الخصمين وحضور المدعى عليه ليجيب ويناضل عن نفسه ، ولم يكن شيء من ذلك . ومتى دار تصرفه - عليه السلام - بين القضاء والفتيا فالفتيا أرجح ; لأنه - عليه السلام - رسول مبلغ ، وهو الغالب عليه ، والتبليغ فتيا .

وينبني على هذه القاعدة الخلاف في المسألة ، فإن قلنا تصرفه - عليه السلام - هاهنا [ ص: 214 ] بالفتيا جاز لكل أحد الأخذ بالشفعة من غير حاكم ، وإن قلنا : إنه تصرف بالقضاء فلا يجوز لأحد أن يأخذ إلا بالقضاء ; لأنه كذلك شرع ، وهذه قاعدة شريفة بسطها في باب إحياء الموات وغيره ، يتخرج عليها شيء كثير في الشريعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية