[ ص: 256 ] بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الغصب والاستحقاق
الغصب لغة . قال
الجوهري : أخذ الشيء ظلما ؛ تقول : غصبه منه وعليه سواء ، والاغتصاب مثله ، وفي
اصطلاح العلماء : أخذه على وجه مخصوص . قال صاحب المقدمات : التعدي على رقاب الأموال سبعة أقسام لكل منها حكم يخصه ، وهي كلها مجمع على تحريمها ، وهي :
الحرابة ،
والغصب ، والاختلاس ،
والسرقة ، والخيانة ، والإدلال ، والجحد ، فجعل الظلم في الأخذ أنواعا متباينة . ويدل على تحريمه قوله تعالى : "
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " ، وقوله تعالى : "
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا " وقوله - عليه السلام - في
مسلم في حجة الوداع في خطبة يوم النحر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349597إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) .
سؤال : المشبه يجب أن يكون أخفض رتبة من المشبه به ، فكيف حرمة الدماء وما معها بحرمة البلد مع انحطاطها عن المذكورات في نظر الشرع بكثير .
[ ص: 257 ] جوابه : إن التشبيه وقع بحسب اعتقادهم ؛ فإنهم كانوا يعظمون البلد والشهر المشار إليهما ، ويحتقرون الأمور المذكورة ، وقوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349598من غصب شبرا من أرض طوقه من سبع أرضين ) . متفق عليه .
فائدة : تدل على أن العقار يمكن غصبه خلافا لـ ( ح ) .
فائدة : قال العلماء : لم يرد في السمعيات ما يدل على تعدد الأرضين إلا قوله تعالى : "
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن " . وهذا الحديث .
وقيل : المثلية في العظم لا في العدد ، فلا دلالة إذن في الآية .
فائدة : قال
البغوي : قيل : طوقه أي كلف حمله يوم القيامة لا طوق التقليد ، وقيل : تخسف الأرض به فتصير البقعة المغصوبة في حلقه كالطوق ، قال : وهذا أصح ؛ لما في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349599من أخذ من الأرض شبرا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين ) .
قال صاحب التنبيهات : الغصب لغة : أخذ كل ملك بغير رضا صاحبه عينا أو منفعة ، وكذلك التعدي سرا أو جهرا ، وشرعا : أخذ الأعيان المملوكات بغير إذن صاحبها قهرا من ذي القوة ، والتعدي عرفا أخذ العين والمنفعة كان للمتعدي يد أم لا ، بإذن أم لا ، كالقراض والوديعة ، والصاع والبضائع ، والإجارة والعواري ، والفرق بنيهما في الفقه من وجوه : أحدها : الغاصب يضمن يوم وضع اليد ، والمتعدي يوم التعدي وإن تقدمت اليد . وثانيها : الغاصب لا يضمن إذا رد العين سالمة بخلاف المتعدي ، وإن كان
ابن القاسم [ ص: 258 ] جعل الغاصب كالمتعدي إذا أمسكها عن أسواقها ، أو حتى نقصت قيمتها ، وثالثها : الغاصب يضمن الفساد اليسير دون المتعدي . ورابعها : على المتعدي كراء ما تعدى عليه عند مالك دون الغاصب .
وقال غيره : الغصب : رفع اليد المستحقة ووضع اليد العادية قهرا ، وقيل : وضع اليد العادية قهرا . ويبنى على التعريفين أن الغاصب من الغاصب غاصب على الثاني دون الأول ; لكونه لم يرفع اليد المستحقة .
فرع
قال صاحب المقدمات :
أخذ المال بغير حق يكفر مستحله ، فإن تاب وإلا قتل ; لكونه مجمعا عليه ضروريا في الدين ، ويستوي في الغصب ، وروى
مالك مرسلا ،
وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي . وقال : حديث حسن . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349451من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق ) فروي بالتنوين في ( عرق ) على النعت ، وبعدمه على الإضافة ، قاله صاحب المطالع ، وفي النكت : عرق الظالم : ما يحدثه في المغصوب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان : العروق أربعة : ظاهران : البناء والغرس ، وباطنان في الأرض : الآبار والعيون ، وفي الصحيحين : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349600لا يحلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه ، أيحب أحدكم أن تؤتى ( مشربته فتكسر ) خزائنه فينقل طعامه ؟ فإنهم تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم ، فلا يحلبن أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه ) .
[ ص: 259 ] فائدة : : المشربة : الغرفة يوضع بها المتاع ، وبه قال أكثر العلماء إلا في حالة الاضطرار ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل : يجوز بغير إذنه مطلقا ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك في خروجه
للمدينة ، وهو - عندنا - محمول على عادة وضرورة . وقال جماعة من العلماء : يباح لابن السبيل أكل ثمار الغير بغير إذنه . نقله صاحب التمهيد بناء على فعله - عليه السلام - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2737ابن التيهان الذي قال فيه - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349601لتسألن عن نعيم يومكم هذا ) .
وجوابه : أن ذلك للضرورة ; لأن في الحديث المذكور : أنه أخرجه - عليه السلام - من بيته هو وأصحابه : الجوع ، أو لقوة إدلاله - عليه السلام - على صاحب المكان ، فإن الصحابة كانوا - رضي الله عنهم - معه أعظم من ذلك .