[ ص: 25 ] ( الفصل الثالث )
( في تصرفات الغاصب )
وفي الكتاب : إذا باع الأمة ممن لم يعلم بالغصب يوم عدوانه فماتت عند المبتاع فلا شيء عليه لعدم العدوان ،
وضمن الغاصب القيمة يوم الغصب لأنه يوم عدوانه ، وتحقق سبب ضمانه ، ولك أخذ الثمن وتنفيذ البيع ، لأنه بيع فضولي ، والثمن بدل لمالك كالقيمة ، ولو قتلت عند المبتاع فأخذ أرشا ، ثم استحقت خيرت في قيمتها يوم الغصب من الغاصب بالثمن ، لبطلان البيع ، ولو قتلها المبتاع فلك أخذ قيمتها يوم القتل منه لأنه يوم عدوانه ، والأصل : ترتب المسبب على سببه ، ويرجع هو على الغاصب بالثمن ، قال
ابن القاسم : وإنما ضمن المبتاع قيمتها لأن
مالكا قال فيمن ابتاع طعاما فأكله أو ثيابا فلبسها حتى أبلاها : فله على المبتاع الطعام وقيمة الثياب ، وكل ما عرف هلاكه بأمر من الله من موت جارية أو الثياب أو الطعام لا يضمنه المبتاع ، لأن يده يد شبهة ولم يتعد ، ولو قطع المبتاع يدها أو فقأ عينها فله أخذها وتضمينه نقصها لذهابه بعدوانه ، ويرجع هو بالثمن على الغاصب لبطلان البيع ، ولك إجازة البيع وأخذ الثمن من الغاصب أو القيمة يوم الغصب ولو أبلى المبتاع الثوب باللبس ، وكقطعه يد الأمة ، قال
التونسي : اختلف في
جناية المشتري على العبد خطأ هل يضمنه ؟ وقيل : لا يضمنه ؛ لأنه أخطأ على مال غيره في الظاهر وأنت قادر على تضمين الغاصب وإجازة البيع وأخذ الثمن ، وإذا
أبلى المشتري الثوب باللبس فإن عليه قيمته يوم لبسه ، وانظر لو ظهر الثوب عنده بعد شهرين من يوم البيع ، ثم ادعى ضياعه لما استحق ، هل يضمن قيمته يوم الشراء كالصناع والرهان على أحد القولين ، أو يوم رؤي بعد شهرين
[ ص: 26 ] وهو الأشبه ؛ لأن الرهن والصناع إنما ضمنوا القيمة يوم التهم لإمكان أن يكونوا لما غيبوه بعد هذا فكأنهم قبضوه ليستهلكوه ، ولا ينتفعون برؤيته عندهم بعد شهرين ، والمشتري إنما قبضه على أنه ملكه ، وله إتلافه والانتفاع به ، وهو مع ذلك غير ضامن إن ظهر هلاك العين فلا تهمة عليه ، فإنما لك قيمته يوم رؤي عنده .
قال
ابن يونس : قال
أشهب :
ولو استحقت الأمة بحرية رجع المشتري على بائعها بالثمن ، وكذلك بأنها أم ولد أو معتقة إلى أجل ، وقد ماتت عنده ، ولا يرجع في المدبرة بشيء ، قال
محمد : والمكاتبة عندي كالأمة . وعن
أشهب : إذا باعها الغاصب بمائة فقتلها المبتاع ، وقيمتها خمسون ، فأغرمنا المشتري خمسين رجع بها على الغاصب ، ورجعت على الغاصب بخمسين بقية الثمن الذي أخذ فيها . قال : والقياس : ما قاله
ابن القاسم ، لأنك لما أغرمت المبتاع قيمتها فكأنك أخذت عين شيئك ، وانتقض البيع بين المشتري والغاصب ، فيرجع المشتري بجميع شيئه ، ولو كانت قيمتها يوم الغصب مائة وعشرين فباعها بمائة فقتلها المبتاع وقيمتها خمسون فأخذ بقيمتها من المشتري خمسين رجع المشتري على قول
أشهب على الغاصب بخمسين ، وأنت بتمام القيمة يوم الغصب وذلك سبعون ، وعلى قول
ابن القاسم يرجع المشتري على البائع بالثمن وهو مائة ، وترجع أنت على الغاصب بتمام القيمة يوم الغصب وذلك عشرون ، وفي العتبية : إذا جنى عليها خطأ فهو كالأمر السماوي ، وقال
أشهب هو كالعمد ، ولك تضمينه القيمة لأنها جنايته ، وفي العتبية لو ادعى المبتاع أنها هلكت صدق فيما لا يغاب عليه من رقيق أو حيوان ، ويحلف فيما يغاب عليه : لقد هلكت ، ويغرم القيمة ، إلا أن يشهد بأن الهلاك من غير سببه ، قال
اللخمي : فلو جنى عليها أجنبي عند المبتاع تخيرت بين أخذ القيمة من الغاصب يوم الغصب أو الثمن أو
[ ص: 27 ] القيمة يوم البيع على أحد قولي
ابن القاسم ، لأنه تعد ثان غير الغصب ، ويمضي البيع ، ويرجع المشتري على الجاني ، وعلى القول بمخالفة الخطإ للعمد يستويان ، إذا كان أجنبيا ، ومتى أجزت لزم ذلك المشتري ، إلا أن ذمتك ردية لكسبك حراما أو غيره ، واختلف إذا دفع المشتري الثمن للغاصب ، والغاصب فقير ، وقد أجزت البيع : فقيل لا شيء لك على المشتري ، وقيل : تأخذ الثمن منه ثانية ، وهو يصح على القول بأن إمضاء العقد بيع ، فيكون قد أجاز البيع دون القبض ، وعلى القول أن البيع التقابض : لا شيء على المشتري وإن علم المشتري ، وإن علم المشتري أن البائع غاصب وأحب الرد عليه قبل قدومك ، فذلك له إن كنت بعيد الغيبة لتضرره بانتظارك ، وهو في ضمانه ، وإن كنت قريب الغيبة فلا ، لأن الغاصب ظالم يجب منعه ، فلا يمكن ، وإن اشتراه الغاصب منك بعد أن باعه لم يكن له رد بيع نفسه ؛ لأنه أراد تحلل صنيعه ، ولو صرح قبل ذلك بأنه يريد ملكه لا تحلل صنيعه لكان له أن يأخذه ، ولو باع بعشرة ، ثم اشتراه منك بثمانية رجعت عليه بدينارين ؛ لأنك مستحق للثمن ، ولو أعلمك لم تتركه ، ولو باعه بثوب خيرت بين إجازة البيع بالثمانية ، أو يردها وتأخذ الثوب ، ولو تغير الثوب بنقص فلك أخذه لأنه غصب ثان ، لا يمنع أخذه النقص ، ولو بعته من المشتري بثمن يخالف الأول في القدر أو الجنس جاز ، ويرجع المشتري على الغاصب بما دفع إليه ، فإن كان الثمن الأول عرضا مما لم يتغير سوقه برجوعك - ورجوع المشتري في ذلك العرض مختلف - فتفيته حوالة السوق في رجوع الغاصب ؛ لأن المشتري سلط عليه ، فإن بعته من ثالث جاز ، إذا كان لا يحتاج إلى خصومة ، إما لأن الغاصب ذهبت قدرته أو تاب وسلم وكان الذي هو في يده متمكنا منه ، وإلا فلا ، لأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه ، وإن اعترف البائع بعد البيع بالغصب لم يصدق على المشتري ، إذا لم يعرف ذلك إلا من قوله ، وكان مقالك مع الغاصب ، فتأخذه بالقيمة يوم يقول :
[ ص: 28 ] إنه غصبه ، أو يجيز البيع ويأخذ الثمن ، ويختلف إذا كانت القيمة يوم البيع أكثر من الثمن : هل يطالبه بالقيمة يوم البيع لأنه تعد ثان ؟ وإذا اشتراه بخمسة ولم يقل اشتريته لصاحبه قال
ابن القاسم : الخمسة لك ، وقال
أشهب : لا شيء لك في الفضلة وتبقى للغاصب ، وقيل : ترد إلى من كان اشتراه بعشرة ، وقال
محمد : إن اشتراه لنفسه أو لمن أمره بشرائه فالفضلة للغاصب ، أو ليرده عليك : فالفضلة لك ، ووجه قول
ابن القاسم : أن الغاصب لا يربح ، وهو أحد القولين ، فيأخذ الفضل ، وإن لم يشتر لك ، ووجه قول
أشهب ومحمد : أن الغاصب عينا وقد أخذها ، ولا مقال له فيما بين ذلك ، كالبيع الفاسد يباع في بعض ذلك بيعا صحيحا ، ثم يعود لمشتريه الأول : أنه يرد لبائعه الأول ، ولا مقال له ولا للمشتري فيما بين ذلك من ربح أو خسارة ، والقول بأن الخمسة لمن اشتراه بعشرة أحسن ، لأنك تأخذه بالاستحقاق بملك متقدم يوجب نقض ما وقع من العقود بعد الغصب ، فإن وهبه لم يكن لك إلا أخذه ، فإن نقص سوقه عند الغاصب ألزمته أعلى القيم إن كان عبدا للتجارة ، وتمضي الهبة ، فإن ارتفع سوقه عند الموهوب ثم نقص هل يغرم ذلك الغاصب ؟ خلاف ، فقد قال
عبد الملك : يغرم الغاصب ما اغتله المشتري لأنه غرمك ذلك ، ولو غصبك وقيمته مائة فصارت مائة وثلاثين فنزلت بمائة وعشرين ، وباعه بمائة وعشرة ، ثم مات وقيمته مائة ، فعلى قوله في المدونة : لك الثمن لا غير ؛ لأنه أكثر من القيمة يوم الغصب ، وعلى قوله في الدمياطية : مائة وعشرون ، قيمته يوم البيع ؛ لأنه تعد ثان كما قاله إذا قتله . وعلى قول : مائة وثلاثون لأنها أعلى القيم في زمن كونه في يد الغاصب ، وعلى قول
عبد الملك : مائة وأربعون لأنه حرمك إياها ، وإن حدث به عيب الموهوب : خيرت في إمضاء الهبة والقيمة يوم الغصب وبين أخذه ، ثم إن كان العيب حدث عند الغاصب عمدا أو خطأ ، أو عند الموهوب له خطأ ،
[ ص: 29 ] فمقالك في العيب مع الغاصب ، أو من الموهوب له عمدا . فلك أخذ القيمة مع الموهوب له لتعمد الجناية ، وبه تبتدئ ، لأن الغاصب لم يسلط على قطع يده عمدا بخلاف اللباس والأكل ، فإن وجدته معسرا رجع بذلك على الغاصب ، وكذلك إن قتله عمدا خيرت كما في الطرف ، فإن جنى عليه أجنبي أخطأ أو عمدا أو قتله ، خيرت بين تضمين الغاصب وتمضي الهبة ، ويطالب الموهوب الجاني ، أو تضمن الجاني لأنه أحد المتعديين ، ويكون ذلك ردا للهبة والخطإ والعمد في هذا الخطإ ، والعمد في هذا سواء لعدم شبهة الأجنبي ، بخلاف الموهوب والمشتري ، وفيه خلاف ، فإن تعيب عنده ، ثم زال العيب عند الموهوب فلك على الغاصب قيمة نقص العيب ، وقيمته معيبا يوم الهبة إذا كانت يوم الهبة أكثر منها يوم الغصب ؛ لأن الهبة تعد ثان ، فإن أعتقه الغاصب فوجدته قائم العين فلك نقض العتق وأخذه لا غير ، وإن تغير فالقيمة يوم الغصب ، ويمضي العتق ، أو ترده وتأخذه معيبا وتأخذ بقيمة العيب ، وإن أعتقه المشتري ثم أدركه صاحبه ولم يتغير ، خير بين إجازة البيع ويمضي العتق أو يرده ويأخذه . وإلا لك تضمين الغاصب أو المشتري ؛ لأنه قادر على رد العتق ، ويأخذ عبده سليما ، فإن دخله عيب عند المشتري فله تضمين الغاصب القيمة يوم الغصب ، ويمضي البيع والعتق ، وله إمضاء البيع وأخذ الثمن ، أو يرد العتق ويأخذه معيبا ، لأنه عين ملكه ويرجع على الغاصب بقيمة العيب على القول الأفقه ، لأنه فوات تحت اليد العادية ، فإن حدث العيب عند الغاصب لك أخذه بقيمة العيب يوم الغصب ، ثم تخير في إمضاء البيع وأخذ الثمن ونقضه ورد العتق وتضمينه قيمته إذا كان العيب كثيرا ويمضي البيع والعتق . قال
التونسي : إذا قتلت عند الغاصب فأغرمت الغاصب قيمتها يوم الغصب مائة ، وكانت قيمتها يوم الجناية مائة وعشرين ، فالزائد للغاصب على الجاني ، لأن الجناية طرأت على ما ملكه بتضمينك ،
[ ص: 30 ] والزائد لك عند
أشهب ؛ لأن الغاصب لا يربح عنده ، فإن أخذت قيمتها يوم الجناية من الجاني ثمانين ، وقيمتها يوم الغصب مائة ، رجعت عند
ابن القاسم على الغاصب لفواته تحت يده ، قال : وينبغي على هذا لو كانت على الغاصب غرما لم يكن أحق بما أخذت من الغرماء ، لأنك أخذت ذلك عن الغاصب من غريم الغاصب ، فأنت أسوة غرماء الغاصب إلا أن تريد رفع الضمان على الغاصب فلا تتبعه ببقية القيمة ، وتكون أولى من الغرماء ، وإذا باع فأردت أخذ الثمن من المشتري ويرجع به المشتري على الغاصب : لم يكن عند
ابن القاسم ، لأنك إذا أجزت البيع صار الغاصب كالموكل على البيع ، وله قبض الثمن ، وفيه اختلاف لأنك تغرم المشتري ثانية وهو متجه إذا كان الجاني دفع الجناية للغاصب أو المشتري ، لأنه دفعهما لغير مستحقها ، ويتبع هو من دفع إليه ، فإن رجعت على المشتري بالقيمة خمسين والثمن مائة : قال
ابن القاسم : يرجع المشتري بجميع الثمن على الغاصب ، لأنك لما أخذت كأنك أخذت عين شيئك يوم استهلكه ، فانتقض البيع بينه وبين الغاصب ، فيرجع بالثمن . وقال
أشهب : بل بخمسين ، والخمسون الأخرى لك ؛ لأن الغاصب لا يربح ، ولو وهب الثوب فأبلاه الواهب ، رجعت عند
ابن القاسم على الواهب ، فإن لم يوجد أو كان عديما : فعلى الموهوب له بقيمته يوم لبسه ، ولا تراجع بينهما ؛ لأنا متى قدرنا على إجازة هبة الغاصب فعلنا كذلك ابتدأنا ، والموهوب عند متعد ، ولا علم عنده ، فإذا تعذر قامت الحجة لك لوضعه يده على مالك خطأ ، وخيرك
محمد وأشهب بينهما ، كما إذا أبلاه المشتري ، والفرق : أن المشتري يرجع بالثمن بخلاف الموهوب ، وعندهما : إذا رجعت على الغاصب بقيمته يوم الغصب وهي أقل من قيمته يوم اللبس فلا تراجع بينهما ولا لك ؛ لأن الموهوب لم يلبس ليغرم ، وعن
أشهب : لك الرجوع ؛ لأن الفائت مالك ، وفي الموازية : لو كانت يوم الغصب أكثر ، وأغرمت اللابس لم ترجع على الغاصب بتمام القيمة .