فرع
في الكتاب :
اكتريت سنين فبنيت أو غرست أو زرعت ، وكانت تزرع السنة كلها ، فاستحقت قبل تمام المدة . والذي أكراها مبتاع ، فالغلة بالضمان إلى يوم الاستحقاق ، وللمستحق إجازة كراء بقية المدة ، وأخذ حصة الكراء من يومئذ ، والفسخ ، لأنه تصرف فضولي يقبل التغير والنقض ، وله بعد تمام المدة ( دفع قيمة البناء والغرس مقلوعا ، ويؤمر بالقلع ، وإن فسخ قبل تمام المدة ) لم يقلع ، ولا يأخذ بالقيمة مقلوعا بل قائما ؛ لأن الوضع يشهد ، وإن أبى أن يعطيه قيمة أرضه وأبى الآخر من قيمة الزرع كانا شريكين ، ويبدأ بصاحب الأرض في إعطاء القيمة ، وعليه إذا فسخ الكراء الصبر إلى انقضاء البطن الذي أدركه ، وله قيمة الكراء من يومئذ بحساب السنة ، وأصل ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق - رضي الله عنه - أقطع رجلا أرضا فأحيى وغرس فيها ، ثم جاء آخر فاستحقها فأمر الأول أن يعطيه قيمة ما أحيى ؛ لأنه صاحب الأصل ، فقال : لا ، فقال للآخر : أعطه قيمة أرضه بيضاء فلم يفعل ، فقضى أن تكون الأرض بينهما . هذا بقيمة أرضه ، وهذا بقيمة
[ ص: 36 ] عمارته ، فإن كانت أرضا تزرع مرة في السنة فاستحقها مزروعة قبل فوت إبان الزرع فكراء تلك السنة للمستحق ، لانتقال الضمان ، ولا يقلع الزرع ، لأنه زرع بشبهة ولو كان الزارع غاصبا ، إن كان في إبان الزراعة لتمحض الظلم ، فإن استحقت بعد الإبان وقد زرعها مشتريها أو مكتر منه فلا كراء للمستحق تلك السنة لقوة الشبهة وفوات الإبان ، بل كراؤها للذي أكراها إن لم يكن غاصبا ، بل مشتر أو وارث . وكذلك إن
سكن الدار مشتريها أو أكراها مدة فاستحقت بعد المدة ، وكراؤها للمبتاع دون المستحق ، فإن جهل حال المكري أغاصب هو أم مبتاع ؟ فزرعت ، ثم استحقت فهو كالمشتري حتى يعلم الغصب ، لأن الأصل عدم العدوان ، وإن كان المكري وارثا فطرأ له أخ لم يعلم به أو علم رجع على أخيه بحصته من الكراء ، فإن كان قد حابى رجع عليه بالمحاباة إن كان مليا ، وإلا رجع على المكتري ، لأنه واضع يده على أرضه ، وقال غيره : بل يرجع بالمحاباة على المكتري في ملائه وعدمه ، كان أخوه مليا أو معدما إلا أن يعلم الأخ أن معه وارثا فيرجع عليه أخوه في عدم المكتري ، ومنشأ الخلاف : النظر إلى أن الأخ كالمتلف بالمحاباة ، أو أن المكتري هو الذي استوفى المنفعة ، فإن سكن هذا الوارث أو زرع لنفسه ، ثم طرأ أخ لم يعلم به ، فالأحسن عدم رجوع الأخ ؛ لأن الخراج بالضمان ، بخلاف الكراء ، لأنه كالغاصب للسكنى دون الرقبة ، إلا أن يكون عالما بالأخ فيغرمه نصف الكراء لضعف الشبهة بالعلم ، والأصل : رد غلة العقار على المذهب ، لكن قويت الشبهة ( مع عدم العلم ) وعن
مالك : أن عليه نصف كراء ما سكن كالغاصب ، ولو كان إنما ورث الأرض من أخيه فأكراها ممن زرعها ، ثم قدم ولد الميت فحجبه ، ليس له قلع الزرع وله الكراء ، قدم في إبان الحرث أو بعده ، لأنها لو عطبت كانت في ضمان القادم ، وإنما الذي يدخل مع الورثة فيشاركهم في الكراء والغلة من دخل معهم في الميراث بسبب واحد ، فأما
[ ص: 37 ] من استحق دارا بوراثة أو بغير وراثة من يد من ابتاعها أو ورثها فإنما له الكراء من يوم استحق دون ما مضى ، إلا أن تكون الدار في يد غاصب . في التنبيهات : قول الغير : يرجع الأخ على المكتري دون الأخ . قال
أبو محمد : هو وفاق
لابن القاسم . وجواب
ابن القاسم على أن أخاه علم كما قال الغير ، لقوله بعد هذا في المكتري : يهدم الدار فيهب له المكتري قيمة الهدم فيستحق ، قال
ابن القاسم : إنما يرجع المستحق على الجاني ، ولقوله
في العبد يسرق فيموت فيهب المسروق منه قيمته للسارق ، ثم يستحق : أنه يطلب السارق دون الواهب ؛ لأنه إنما فعل ما يجوز له ، وقال غيره : هو خلاف ، وهو متعد عند
ابن القاسم علم أو لم يعلم ، لهبته شيئا حصل في يده ، وفي مسألة الهادم والسارق : لم يهب شيئا في يده ، وهبته له كهبة الأجنبي لما ليس في يده ، ومذهب
ابن القاسم في الغاصب يهب طعاما أو ثوبا : أن الرجوع عليه إن كان مليا ، وإن كان معدما أو لم يقدر عليه ، فعلى الموهوب ، ثم لا يرجع على الواهب ، لأن الهبة لا عهدة لها ، وقال
أشهب : يتبع أيهما شاء كما قال في المشتري ، وجاءت هذه المسألة في الكتاب ولم يفسر أن الواهب غاصب ، وهو معنى المسألة ، وعليه اختصرها الناس ، ولو كان الواهب غير غاصب لم يتبع إلا الموهوب ، وقيل : هذا خلاف ، كقوله في مسألة المحاباة على القول بأنه خلاف ، والأشبه وفاق ذلك كله على ما تأوله
أبو محمد ، وتستقيم المسائل كلها على أصل واحد ، وقوله : إن جهل حال المكتري فهو كالمشتري حتى يعلم الغصب ، معناه : أن مكتريها ممن كانت بيده من وجه يجهل زارع بشبهة لا يقلع زرعه حتى يعلم أن مكتريها غاصب ، وأما المكري فمحمول على التعدي ، وينزع ما أكرى به حتى تثبت الشبهة من شراء أو غيره ، وقد قيل : إن مجرد الدعوى بالملك والاختلاف شبهة ملك .
وفي النكت : إذا استحقت من المكتري قبل المدة ودفعت قيمة البناء والغرس قائما إنما يدفع قيمته قائما على أن يقلع إلى وقته ، وكذلك إذا اشتركا بسبب امتناعهما تقع الشركة بذلك ، وعليه قال بعض شيوخنا : تقوم الأرض براحا وتقوم الأنقاض لو كانت هكذا في أرض قائمة كم تساوي ، ولا تقوم ما
[ ص: 38 ] زادت الأرض لأجل ما فيها على مذهب
ابن القاسم ، وفيه خلاف ، وقيل : إنما يعتبر ما زاد في هذه المسألة على مذهب
ابن القاسم ، وليست كمسألة الثوب يصبغه المشتري ثم يستحق ، لا يعتبر قيمة ما زاد الصبغ ؛ لأن الصبغ ربما زاد في الثوب ، وربما نقص ، والبناء زيادة معلومة ، وإنما يقال : كم قيمة الأرض براحا ، وكم قيمتها بما فيها من البناء والغرس ، فتعرف الزيادة فيشارك بها ، قال
محمد : لو رضيت بترك الأرض مع الغاصب في الإبان ، والزرع صغير جدا ، بكراء مثلها ، امتنع ؛ لأنه بيع زرع لم يحل مع كراء أرض ؛ لأن الزرع يحكم به لك ، وقال
أبو محمد : إن كان الزرع ينتفع به الغاصب لو قلعه جاز ذلك ، وقوله : إبان الزراعة يريد به ملك إبان الشيء المزروع ، فإذا فات لا يكلف الغاصب القلع ، وإن أمكن زراعة غيره ، وقال : واعلم أن دفع القيمة ليس كشرائه قبل بدو الصلاح ، لأنه يحكم به لك ، وإذا
استحقت الدار المكتراة قبل تمام المدة وأجزت كراء باقي المدة وقد نقد المكتري ، إنما يدفع كراء ذلك إذا كان مأمونا إن كنت قد عملت أن المكتري قد نقد ، أو العادة النقد لدخوله على أن يأخذ حصاص باقي المدة ، وإلا لم يكن ما وصفنا ، فليس لك تعجيل حصة باقي المدة ، وتحمل على أنك إنما أجزت لتأخذ بحساب ما سكن المكتري ، كلما مضت مدة أخذت بحسابها ، وإنما يكون للمكتري الامتناع من دفع حصة باقي المدة إذا كان المستحق غير مأمون ، إذا كانت لو انهدمت لم تسو قيمتها مهدومة فادفع ، وإلا فلا مقال له ، لأمن عاقبته لعد الضرر ، ولا يضر أن المستحق ملدا ظالما أن يخاف المكتري من كثرة دين ولا تفيد قيمتها مهدومة شيئا ، فله الامتناع ، وحينئذ يقال لك : إما أن تجيز على أنك لا تأخذ إلا بحساب ما يسكن ، أو افسخ بقية المدة ، قال : والفرق بين المشتري يهدم الدار لا يطالب بنقض الهدم ، ويطالب بنقض لبس الثوب : أنه انتفع باللبس دون الهدم .
[ ص: 39 ] قال
التونسي : إذا قدمنا الغرس أو البناء على أنه باق في الأرض إلى عشر سنين ، فقد انتفع المكتري بالأرض بعد الانتفاع لتزيد قيمة غرسه ، فكيف يرجع على المشتري بجميع كراء ما بقي مع انتفاعه ؟ قال : فإن قيل : إذا قومناه على أنه باق في الأرض إلى الأمد أخذنا من رب الأرض جزء من أرضه ، قيل : إذا قومنا إنما نقومه قائما لدخوله بوجه شبهة ، فإذا امتنع رب الأرض أعطي قيمة أرضه كاملة لا بناء فيها ، فلم يظلم ، وإذا جاء في الإبان وهو يدرك أن يزرع فله الكراء عند
ابن القاسم ، وقال
عبد الملك : حصته الماضي للمشتري ، لأن المبادرة بتقويم الزرع قد يقابلها جزء من الكراء ، فأما إذا كانت الأرض تزرع بطونا ، فهو مثل السكنى له من يوم يستحق ؛ لأنه لو لم يكن ما فيها الآن لزرعه ، وما مضى يكون للمشتري بالشبهة ، وما يكون من يوم الاستحقاق للمستحق فله إجازة عقد الكراء وأخذه بالمسمى ، وله أخذ كراء المثل ، لأن حق الزارع في أن لا يقطع زرعه لأن يتم عند المشتري ويلزم المستحق ، قال : فإن قيل : إذا عقد منه بعشرة ، وكراء المثل خمسة عشر ، فقال المكتري : إنما دخلت على عشرة ، فلا أغرم إلا على حسابها ، ويرجع المستحق على الذي أكراني ، فيقال له : لو كان غاصبا كان له ذلك ، لكنه مشتر ، والمشتري إذا وهب فاستهلك الموهوب لم يضمن عند
ابن القاسم الواهب ، وضمن الموهوب له ، لأنه المنتفع دون المشتري ، قال : فإن قيل : فقد قال
ابن القاسم في الأخ الطارئ وقد حابى أخوه في الكراء : يرجع على أخيه ، فإن لم يوجد فعلى الساكن ، قال : قلت : كان ينبغي أن لا يرجع إذا لم يعلم بشيء ؛ لأنه غير منتفع ، لا سيما والوارث لم يكن ضامنا والمشتري كان ضامنا ، وقد اختلف في المشتري إذا لم ينتفع مثل أن يجني على العبد خطأ فقيل : يضمن لقوله ذلك هاهنا في الوارث ، وقيل : لا يضمن ما انتفع به ، أو جنى عليه عمدا فيلزم جريان هذا الاختلاف في هبات المشتري إذا انتفع الموهوب ، لأنه
[ ص: 40 ] أخطأ على مال فوهبه فيقدم في الغرامة ، لأنه المبتدئ بالإتلاف ، فإذا تعذر إغرامه غرمنا المنتفع ، ويصير على هذا التأويل لا فرق بين هبة الغاصب والمشتري والوارث ، وغير
ابن القاسم لم يضمن الوارث إذا لم يتعد شيئا ، كان الموهوب فقيرا أو غنيا ، فإن علم الواهب فتعدى قدم تضمين الموهوب ، فإن لم يوجد عنده شيء ضمن الواهب ، لأن المنتفع عنده أولى بالغرم من الذي لم ينتفع ، فإذا أعدم غرمنا المسلط ، وإذا سكن أو زرع ثم جاء من شاركه ، لم يجعل
ابن القاسم عليه شيئا ، لأن في نصيبه ما يكفيه ، ولعله أراد إنما زرع القدر الذي لو زرعه في نصيبه لكان نصيبه ، أما لو لم يرث إلا أرضا واحدة فزرعها لكان يليق أن يكون عليه الكراء لنصيب صاحبه ، قال : فإن قيل : يلزم مثل هذا إذا أكرى بعض ما ورث وترك الباقي ، ولو أكرى نصيبه من الجميع لأكرى بمثل ما أكرى إلا أن يكون لأخيه عليه شيء ، قيل : الفرق بين ما يأخذ من غلة لانتفاعه بالغلة ، فإن السكنى الزائد على قدر نصيبه لم ينتفع بذلك ، وقد وقع في الغلات نحو هذا فيمن حبس على ولده فرأى أن البنات لا يدخلن فيه فأكلها الذكور زمانا ثم فطن لذلك . قال : لا يرجع على الذكور بما مضى ، وقيل : يرجع عليهم وهو الأصوب ، وأما من استحق الجملة فهذا يرجع عليه بما سكن واغتل ، لأنه لم يكن له شريك يحتج به أن نصيبه يكفيه ، قال
ابن يونس : إجازة ما بقي من المدة يمتنع على رأي من يمنع الجمع بين سلعتين لرجلين في البيع حتى يعلم ما ينوب ما بقي ليجيز بثمن معلوم ، وإذا دفع المستحق قيمة البناء مقلوعا : قال
محمد : بعد إخراج القلع ، إذ على ذلك دخل المكتري .
قال
اللخمي : متى وجد قبل الحرث خير بين الإجازة بالمسمى ، أو يخرجه ، فإن قلبها فكذلك ، واختلف في الحرث : قال
ابن القاسم : يخير بين إعطائه قيمة حرثه فإن أبى أعطاه الآخر قيمة كرائها ، فإن أبى أسلمها ولا شيء له ، كقوله في تضمين الصناع : إذا لم يدفع القاطع قيمة الثوب أسلمه لخياطته ،
[ ص: 41 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يشارك بالخياطة ، فعلى هذا يشاركه في كراء هذه السنة بقيمة ( الحرث إن أكريت يقتسمها ) الأجرة على ذلك ، وعلى كراء الأرض ، فإن لم يجد من يكري منه وأكريت في العام الثاني فعلى ذلك ، إلا أن تذهب منفعة الحرث ، فإن باعها المستحق سقط الحرث ، إلا أن يزيد في الثمن فيكون له الزائد ، قيل : لا شيء للمستحق في الحرث ، واختلف : إذا قدم المستحق في الإبان وخاصم فحكم له بعده : هل يكون الكراء للأول أو المستحق ؟ وإن كان الغاصب الزارع ، فلك أخذ الأرض قبل الحرث وبعده ، ولا عوض عليك في الحرث بانفراده ، ولا في الزرع إذا لم يبذر ، أو بذر ولم يبلغ أن ينتفع به إن قلع ، وإن كان فيه منفعة كان للغاصب ، واختلف إذا أحب المغصوب منه دفع قيمته مقلوعا ويقره هل له ذلك ؟ والجواز أحسن ؛ لأن النهي عن
بيع الثمار قبل بدو صلاحها على البقاء . فيريد البقاء ثمنا ويشك في السلامة ، وهذا بيع قيمته مطروحا ، فإن خرج الإبان قال
مالك : الزرع للغاصب ، وهو المعروف وعنه : لك قلعه لقوله - صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349551ليس لعرق ظالم حق ) وعنه أيضا : الزرع لك ولو حصد ، وفي
الترمذي قال - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349609من زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء ، وله نفقته ) ولم يفرق بين الآثار وغيره ، وقوله يبدأ بالأخ وإن لم يعلم ، وليس المعروف من المذهب ، بل المعروف : لا شيء عليه إذا لم يعلم ، سواء كان المحابي موسرا أم لا ، وأما إذا كان عالما فعند
ابن القاسم : يبدأ بالواهب وعند غيره بالموهوب ، وخير
أشهب المستحق بينهما ، قال : وأرى أن يبدأ بالموهوب إن احتاج لذلك ، وإلا فالمسلط ، وإن أعدم أغرم
[ ص: 42 ] المنتفع ، واختلف هل يرجع على المسلط متى أيسر ؟ وإن يرجع أحسن ؛ لأنه أدخله في ذلك ، ولو كانت للأخ دار فأعطاها ولو علم لسكنها ( . . . ) شيء لأخيه شيء في سكناه الدار الموروثة ، فإن أكراها نظرت إلى الكراء ( . . . ) لم يغرم شيئا لأنه لو سكن داره أكرى نصيبه بدون ذلك فقد فضل في يده الزائد فيسلمه لأخيه ، وإن زرع الأرض ولا يكفيه إلا جميعها غرم لأخيه كراء نصيبه ، وإن كان يكفيه نصيبه على الاتساع لم يكن عليه شيء ، وإن كان يكفيه إذ زرعه ضعيف ، فلما زرع ذلك القدر في جميعها على الاتساع جاءت بأكثر ، فعليه كراء ما زاد على ما كانت تخرج لو زرع جميعه في نصيبه .