الطرف الثاني :
فيما يستنجى منه .
والاستنجاء طلب إزالة النجو ، وقيل : إزالة الشيء عن موضعه ، وتخليصه منه . استنجيت الرطب ، ونجوته ، وأجنيته ، والنجو الفضلة المستقذرة سميت بذلك ; لأن النجو جمع نجوة ، وهي المكان المرتفع ، فلما كان الناس يستترون بها غالبا سميت بها لتلازمها ، وقيل : من نجوت العود أي : قشرته ، وقيل : من النجاء ، وهو الخلاص من الشيء ، وكذلك سميت غائطا ; لأن الغائط هو المكان المطمئن ، والغالب إلقاؤها فيه ، فلما لازمها سمي بها ، وكذلك سمي برازا بفتح الباء ; لأن البراز هو المتسع من الأرض كانوا يذهبون إليه لقضاء الحاجة ، فسميت به لذلك ، وسمي خلاء لأنه يذهب بسببها إلى المكان الخالي .
والاستجمار : طلب استعمال الجمار ، وهي الحجارة ، جمع جمرة ، وهي الحصاة ، ومنه الجمار في الحج ، وقيل : من الاستجمار بالبخور ، والحجر يطيب الموضع كما يطيبه البخور ، ولذلك سمي استطابة لما فيه من تطييب الموضع ، والاستبراء : طلب البراءة من الحدث ; لأن الاستفعال في لغة العرب غالبا لطلب الفعل كالاستسقاء لطلب السقي ، والاستفهام لطلب الفهم .
إذا تقررت معاني هذه الألفاظ ، ففي الجواهر : الاستنجاء يكون عما يخرج من المخرجين معتادا سوى الريح ، فإن المقصود إزالة عين النجاسة ، وهي زائلة في الريح ، ولقوله عليه السلام : (
ليس منا من استنجى من الريح ) ويجوز الاستجمار فيما عدا المني ، وكذلك المذي على المشهور ، ولما في
أبي داود عنه عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348248إذا ذهب أحدكم إلى الغائط ، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن ، فإنها تجزئ [ ص: 207 ] عنه ) .
قال الشيخ
أبو بكر ، وغيره : ويجزئ أيضا في النادر كالحصى ، والدم ، والدود .
وأما المني ، والمذي ، فلا يستنجي منهما ؛ لما فيهما من التخيط الذي يوجب نشرهما بالحجر ونحوه ، ولأن الحديث إنما جاء فيما يذهب فيه إلى الغائط ، وهذان لا يذهب فيهما إلى الغائط . قال صاحب الطراز : جوز القاضي الاستجمار من الدم ، والقيح ، وشبهه ، ويحتمل المنع ; لأن الأصل في النجاسة الغسل ، وترك ذلك في البول والغائط للضرورة ، ولا ضرورة ها هنا .
وأما
الحصى والدود يخرجان جافين ، فعند الباجي هو طاهر كالريح لا يستنجي منه ، ولأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة عين النجاسة ، وليس ها هنا عين ، وإن وجد فيه أدنى بلة عفي عنها كأثر الاستجمار ، وإن كانت البلة كثيرة استجمر منها لأنها من جنس ما يستجمر منه بخلاف الدم .
فرعان له أيضا :
الأول :
المرأة لا يجزيها المسح بالحجر من البول لتعديه مخرجه إلى جهة المقعدة ، وكذلك الخصي .
الثاني :
يجب على الثيب أن تغسل من فرجها ما تغسل البكر ; لأن مخرج البول قبل مخرج البكارة والثيوبة ، وإنما تختلفان في الغسل من الحيض ، فتغسل الثيب كل شيء ظهر من فرجها حالة جلوسها ، والبكر ما دون العذرة ، ويحتمل أن يقال : إن البول يجري عليه وإليه فيغسل ، والأول أظهر ; لأن الشرع جعله من حكم الباطن بدليل أنه لا يستحب غسله في الجنابة كالفم والأنف .
وفي الجواهر : ويجب
غسل الذكر كله من المذي خلافا ح ، و ش لما في الموطأ أن
المقداد سأله عليه السلام عن الرجل يدنو من أهله فيخرج منه المذي ، فقال عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348249إذا وجد أحدكم ذلك ، فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة ) ، والفرج ظاهر في جملة الذكر ، وقال الشيخ
أبو بكر بن المنتاب : يغسل موضع
[ ص: 208 ] الأذى خاصا قياسا على البول ، فعلى القول الأول : تجب النية في الغسل لأنه عبادة لتعدية الغسل محل الأذى ، وقيل : لا تجب لأنه من باب إزالة النجاسة ، وتعدية محله معلل بقطع أصل المذي ، والمذي بالذال المعجمة الساكنة ، وتخفيف الياء ، والذال المتحركة ، وتشديد الياء .