( الفصل الثاني )
( في ذات اللقطة )
وفي الجواهر : هي مال معصوم ( . . . ) من كل حمار أو حيوان صغير . فالأول احتراز من الحربي . والثاني مما معه مالكه ، والحيوان الصغير احترازا من الآبق ، فإنه يسلم للإمام ، ولا تجري عليه أحكام اللقطة ، ولا يسمى لقطة .
وفي هذا الفصل ثمانية فروع .
الفرع الأول
في الكتاب :
ما وجد على وجه الأرض مما يعلم أنه من مال الجاهلية ، ففيه الخمس كالركاز ، وكذلك تصاوير الذهب والفضة توجد بساحل البحر . وأما تراب ساحل البحر يغسل فيخرج منه ذهب أو فضة فالزكاة كالمعدن . قال
التونسي : في الكتاب : في مراكب
الروم تكسرت وأخذ ما فيها : ليس لمن وجده ، ويرى فيه الإمام رأيه ، وفي الموازية : إذا أخذوا ، فما وجد فهو للإمام
[ ص: 92 ] يرى فيه رأيه ، ولا شيء لواجده ، فإن لم يوجد الإمام في المراكب : فأمر العروض للإمام ، والذهب والفضة لمن وجده وعليه الخمس كالركاز ، وفي غير الموازية : ما لفظه البحر لمسلم عرف كاللقطة ، أو المشرك فأمره إلى الإمام ، وإن شك لمن هو عرف ثم تصدق به تغليبا للإسلام ، وفي الكتاب : ما عطب ( . . . ) فلربه دون واجده ، لأن الأصل : بقاء ملكه ، قال
اللخمي : ( . . . ) عن معدن صح أن يقال : فيه الزكاة وأن يقال : هو فائدة . بخلاف ما أخذ من معدن تكلفه ، وقال
مالك في زيتون الجبل : يرفع منه خمسة أوسق ، وهو فائدة لا زكاة فيه ، إلا أن يكون عمره بالحرث وملكه قبل ذلك ، لأن من شرط الزكاة أن يكون المزكى نشأ عن الملك ، قال
مالك : إن ماتت راحلتك في الفلاة فأخذها رجل وحملها لمنزله فأنت أحق بها وعليه مؤنة الحمل ، لأن الأصل : بقاء ملكك ، وإذا طرح قوم أمتعتهم خوف الغرق فيأخذها قوم من البحر ، قال
مالك : هي لأصحابها ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح : إن أخرجها من ماء البحر فهي له ، أو قذفها البحر فلصاحبها لعدم الكلفة ، وعنه هي لواجدها وإن قذفها البحر إلا أن يقول صاحبها : كنت على الرجوع إليها فيحلف ويأخذها . منشأ الخلاف : هل يلاحظ أن البحر كالمكره لعلته ، فلا يسقط الملك كالغصب ، أو الغارق في البحر يعرض صاحبه عنه إياسا منه ، فهو كالبرة الساقطة لا يعرج عليها صاحبها وهي مباحة إجماعا . والفرق بينها وبين طرح البحر وضال الفلاة : أن البرة ونحوها لما ظفر بها في يد الواجد لم تتوفر الرغبة على أخذها ، وهو دليل تحقيق إسقاط الملك ولو ظفر بهذه الهوالك في البحر لتوفرت الدواعي على الميل إليه ، وانتزاعه ، والقلوب معمورة به قبل وجدانه ، وهو دليل قوة شبه الغصب ، قال : ورأى إن أرسل الدابة على أن لا يعود إليها وأحياها وأخذها وقام عليها فهي له ، بخلاف الشاة فوصلها حية ، لأنه لم يعرض عنها ، وإن تركها ليعود لها وعلم أنه لا يعود
[ ص: 93 ] إليها إلا وقد هلكت فهي لصاحبها كالشاة . قوله : وتركه صاحبه على أن لا يعود إليه فهو لمن نقله ، لأن صاحبه أباحه للناس ، لما علم العدو أن تركه ليعود فهو لصاحبه ، وعليه أجرة حمله إلا أن يرجع صاحبه بدوا به ليحمله فلا أجرة عليه ، وأما الغرق في البحر فإن ( . . . ) كان في مرسى ومضى صاحبه ليعود لإخراجه ، فهو له ، وإن تركه على أن لا يعود فلآخذه ، وهو أدخل في هذا مما ترك في البر هلاكه إذا ترك ، فهو كالشاة في المضيعة ، والبحر كالذئب مع ما يتكلف من مشقة العطش عليه ، والخوف على النفس ، وإن قذفه البحر فنقلته فهو لصاحبه ، لأنه إن أمن عليه الفساد لو بقي لم يكن لك التعرض له ، أو يخشى فساده كالمتاع فعليك نشره وإيداعه ، ولو مررت في سفينة بمتاع لقوم غرقوا وهم على الماء كان عليك دفعه كاللقطة ، إن كانت مارا بريح لا يضرك الإمساك لأخذه ، وكذلك لو مررت بآدمي حي .
قاعدة : إذا تلف الملك في عين استصحب بحسب الإمكان ، ولذلك قلنا : المضطر يأكل طعام الغير ويضمن قيمته ؛ لأن الضرورة اقتضت إباحة الأكل دون سقوط القيمة ، لأن بقاء المهجة لا يتوقف عليها . فألغينا الملك في القيمة دون العين ، وكذلك اختلاط مالك المثلي بمثله لغير . كزيت بزيت لغيرك يسقط ملكك عن التعيين ، فتبقى شريكا بما يسمى زيتا في المختلط ، وليس له نقلك لغير المختلط استصحابا للملك بحسب الإمكان ، ونظائره كثيرة ، وقال بهذه القاعدة ( ش ) وجماعة من العلماء ، فلهذه القاعدة استصحبنا الملك في متاع البر والبحر بحسب الإمكان .
قاعدة مذهبية : من
أدى عن غيره مالا شأنه أن يعطيه ، أو عمل لغيره عملا شأنه أن يستأجر عليه رجع بذلك المال وبأجرة ذلك العمل ، كان دفع ذلك المال واجبا عليه كالدين أو غير واجب كخياطة الثوب وحلق الرأس ، نقلها صاحب النوادر وصاحب الجواهر في الإجارة تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال ، فإذا
[ ص: 94 ] كان شأنك مباشرة ذلك العمل بنفسك أو بنائبك ، وتستأجر عليه لم يرجع عليك بأجرة ، لأن حالك لم يقتض إذنا في دفع أجرة في ذلك ، والأئمة جعلوا الدافع متبرعا حتى يوجد إذن بلسان المقال . ووافقونا على الاكتفاء بلسان الحال في تعيين النقود ، فلا يحتاج إلى تعيين النقد إذا غلب في البلد على غيره ، وتعيين المنافع في الإجارة ، فتحمل إجارة القدوم على النجر دون الحفر ، والثور على الحرث دون الركوب ونحو ذلك ، ويفرق بأن الموجب في موضع الوفاق العرف العام ، وهو أقوى من العرف الخاص لعمومه . وجوابه : أن العرف العام إنما قضي به لما فيه من الظهور في الدلالة ، والظهور في العرف الخاص ، بل قد يقوى ظاهر حال زيت في مقصود أكثر من قوة العام ، وربما انتهى إلى القطع ، والواقع يشهد لذلك ، فلا أثر للعموم في إثارة الظن بسقط اعتبار الفرق ، وسقط ما قلناه . ومن هذه القاعدة التعيين ببساط التحسن لأنه عرف خاص بحق نعتبره دون ( ش ) . ولهذه القاعدة فروع كثيرة ، فلأجلها قلنا : على رب المتاع أجرة الحمل إلا أن يرجع بدوا به لحمله ، وقال ( ش ) : العنبر حيث يوجد العنبر لواجده كالصيد ، وإن بعد عن الساحل فهو لقطة ، لأن الظاهر سقوطه عن مالك ، وتحاشي الغرق على الساحل لقطة ، وقال ابن حنبل : إذا وجد الصياد درة في سمكة فهي له ، لأن الدر يكون في البحر ، وإن باعها ولم يعلم ، ردها للصياد لأنه لم يعلم بها ، فلا يتناولها عقد البيع ، وإن وجد فيها دنانير فهي لقطة ، والعنبر على ساحل البحر له ، والدابة فالمهلكة لمحييها دون مالكها خلافا لـ ( ش ) ووفاقا لنا ، واحتج لتأويله بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349618من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له ) ولأن القول بأنها لا تملك على المالك الأول تضييع لها وإهلاك للحيوان ، لأن لواجده تضعف داعيته لأخذه ، وقال في المناخ : لا
[ ص: 95 ] يملك ، لأن ( . . . ) نفسه بخلاف الجواز ، وروي في العنبر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أن بحر
عدن ألقى عنبرة مثل البعير فأخذها ناس فكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز فأمر أن يؤخذ منها الخمس ويدفع إليهم بقيتها ، وإن باعوها اشتروها منهم ، فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزانا نخرجها فبطناها اثنتين فوجدناها ستمائة رطل ، فأخذنا خمسها ، ودفعنا إليهم سائرها ، ثم اشتريناها بخمسة آلف دينار ، وبعثناها إليه ، فلم نلبث إلا قليلا حتى باعها بثلاثين ألف دينار ، وفي الجواهر : في الخشبة يطرحها البحر قولان : تركها أفضل ، والقول الآخر : يأخذها ويغرم قيمتها لربها ، وإذا وقعت سمكة في السفينة وفيها جماعة فهي للذي سقطت إليه ، كان رب السفينة أم لا .