[ ص: 129 ] ( كتاب اللقيط )
وهو من اللقط فقيل : بمعنى مفعول ، مثل جريح ومجروح ، وقتيل بمعنى مقتول . لا بمعنى رحيم بمعنى راحم ، وعليم بمعنى عالم ، وشأن فعيل أبدا أن يرد بين فاعل ومفعول ، وإنما يعين أحدهما خصوص المادة التي فيها السياق .
واللقيط والملقوط والمنبوذ اسم للطفل الذي يوجد مطروحا ، وهو من باب تسمية الشيء بما يئول فيه مجازا كقوله تعالى : (
وسيدا وحصورا ) و (
إني أراني أعصر خمرا ) وهو كثير في القرآن ولسان العرب ، وفيه بابان :
[ ص: 130 ] ( الباب الأول )
( في
الالتقاط وحكمه )
وأصله : قوله عز وجل : (
وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشراي هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون ) وقوله تعالى : (
وتعاونوا على البر والتقوى ) ويروى أن
عنينا - بضم العين بلا نقط وفتح النون والياء والنون - قال : أخذت منبوذا على عهد
عمر - رضي الله عنه - فذكره عريفي
لعمر - رضي الله عنه - فأرسل إلي فدعاني - والعريف عنده - فلما رآني قال : عسى الغوير أبؤسا . الغوير تصغير غار ، وأبؤسا - بضم الهمزة في الواو - والأبؤس جمع البأس ، قال عريفي : أنه لا يهتم ، فقال
عمر - رضي الله عنه - : ما حملك على ما صنعت ؟ قلت : وجدت نفسا بمضيعة فأحببت أن يأجرني الله عز وجل فيه . فقال : هو حر ، وولاؤه لك . وعلينا إرضاعه .
فائدة : أصل هذا المثل : غار فيه ناس فانهار عليهم ، وقيل : جاءهم فيه عدو فقتلهم فصار مثلا لكل شيء يخاف أن يأتي منه شين ، وقيل : الغوير ماء لكلب ، وهذا المثل تكلمت به الزباء - بالزاي المعجمة والباء بواحدة من تحتها . مقصور - في قصتها مع
قصير اللخمي حين أخذ في غير الطريق فأتى على الغوير . ومقصود
عمر - رضي الله عنه - بهذا المثل أن يقول للرجل : لعلك صاحب هذا المنبوذ . حتى أثنى عليه عريفه جيدا ، ونصب أبؤسا على أصل خبر عسى ، فإن أصل خبرها أن يكون مثل خبر كان ، فلما جعلوه فعلا بمعنى الاسم راجعوا
[ ص: 131 ] الأصل في قولهم : كذب أبيا ، وعسى الغوير أبؤسا ، وفي الجواهر :
التقاط المنبوذ من فروض الكفاية ، وقال الأئمة قياسا على إنقاذ الغريق والطعام والمضطر ، وهو مندرج في قاعدة حفظ النفوس المجمع عليها في سائر الملل والكتب المنزلة ، فمتى خفت عليه الهلاك وجب عليك الأخذ ، وإن أخذته بنية تربيته حرم عليك رده ، وإن أخذته لترفعه للإمام فلم يقبله منك جاز رده لموضع أخذه ، قال
أبو الوليد : ومعنى ذلك - عندي - أن يؤمن عليه إهلاك بمسارعة الناس لأخذه بعد رده ، ومن أخذ لقيطا فليشهد عليه خوف الاسترقاق ، وولاء اللقيط لجماعة المسلمين ، لا يختص بها اللقيط إلا بتخصيص الإمام ، وما في أثر
عمر - رضي الله عنه - الناس على خلاف عمومه ، بل هو محمول على ولاية الإرضاع والتربية دون الميراث والنكاح ، أو يكون من باب التصرف فالإمامة ، فعلى هذا متى خصص الإمام ملتقطا بذلك ثبت له ، وليس للعبد ولا للمكاتب التقاط بغير إذن سيده لما فيه من الاشتغال عن مصالح السيد ، ولأن الحضانة تبرع ، فإن فعلا لم يكن لهما ذلك ، وينزع اللقيط من الذمي لئلا ينصره ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : فإن
ربت نصرانية صبية حتى بلغت على دينها إن ثبتت لقطة ردت للإسلام وهي حرة ، ووافقنا ( ش ) في العبد والكافر ، ونص على الفاسق لا يقر اللقيط بيده خشية أن يسترقه ، وألحق بالفاسق الغريب المجهول الأمانة ، ولهم في الفقير وجهان ، لا يلتقط لئلا يضر باللقيط فقره ، ويلتقط اعتمادا على لطف الله تعالى ، ووافق
nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل في الكافر والفاسق والعبد ، وإذا ازدحم اثنان كلاهما أهل قدم السابق ، وإلا أقرع بينهما ، وقال ( ش ) : ينظر في ذلك الإمام فيقره في يد أحدهما وفي يد
[ ص: 132 ] غيرهما ، ويلزم الملتقط الحضانة ، ولا يلزمه النفقة إن وجد ما ينفق على الصبي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر - رضي الله عنه - فإن عجز عن الحضانة سلمه للقاضي ، وإن تبرم مع القدرة لم يكن له تركه إن أخذه ليحضنه كما تقدم ، ونفقة اللقيط في ماله ، وهو ما وقف على اللقط ، أو رتب لهم ، أو أوصى لهم به ، أو وجد تحت يد اللقيط عند التقاطه ملفوفا عليه ، أو في النسخة : موضوعا عليه ، أو تحته ، أو فراش أو ثوب أو دابة ، أو معه كيس ، أو ما هو مدفون في الأرض تحته فليس له إلا أن يؤخذ معه رقعة فإنه له ، وما هو قريب منه موضوع ، أو دابة مشدودة فهو لقطة ؛ لأنه حر ، فما في يده فهو له ، وما خرج عن يده فليس ملكه ، والفرق بين البالغ القريب منه في يده وملكه وبينه : أن البالغ يدعي متاعه بالقرب بخلاف الطفل ، ووافقنا الأئمة على هذه الجملة فيما ينسب للطفل ، فإن عدمت هذه الجهات ولم يتبرع أحد بالنفقة ففي بيت المال ، وقاله الأئمة ، لأن أخذ أطفال المسلمين ، فإن تعذر بيت المال فروي في الموازية : على
الملتقط نفقته حتى يبلغ ويستغني ، وليس له طرحه ، لأنه بالالتقاط لزمه أمره كله ، ثم حيث لم يكن له مال فأنفق أحد عليه فلا رجوع له عليه ، لأن إشغال ذمته بالدين لا سبيل إليه ، إلا أن يثبت أنه ابن زيد فيتبع زيدا لأنه قام عنه بواجب إن كان طرحه متعمدا ، إلا أن يكون قد أنفق عليه حسبة فلا رجوع له بحال ، وقال
أشهب : لا رجوع على الأب بحال ، لأن المنفق لم يكن عالما بالأب فهو متبرع ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إن أنفق ليتبعه فطرأ له أب تعمد طرحه اتبعه ، أو حسبة لم يرجع ولو ضد صبي فأنفقت عليه لم تتبع أباه لأنه من باب الاحتساب ، وحيث أشكل الأمر فالقول قول المنفق مع يمينه في أنه أنفق ليرجع ، لأن الأصل : عدم التبرع وعصمة الأموال عن الضياع ، وعند ( ش ) : متى أخذه اللقيط وغلب ظنه أن ثم من يحفظه جاز له رده ، لنا :
[ ص: 133 ] قوله تعالى : (
ولا تبطلوا أعمالكم ) وهذا عمل ، ولظاهر قول
عمر - رضي الله عنه - عليك إرضاعه . وصيغة ( عليك ) للوجوب واللزوم .