البحث السادس : في
شروط النية ، وهي ثلاثة :
الأول :
أن يتعلق بمكتسب الناوي ، فإنها مخصصة ، وتخصيص غير المفعول للمخصص محال .
وأشكل هذا الشرط بنية الإمام الإمامة ، فإن صلاته حالة الإمامة مساوية لصلاته حالة الانفراد ، فهذه النية لا بد لها من مكتسب ، ولا مكتسب فيشكل .
وأجاب بعض العلماء عن هذا السؤال بأن النية يشترط فيها أن تتعلق بمكتسب استقلالا ، ويجوز أن تتعلق بتوابع ذلك المكتسب ، وإن لم تكن مكتسبة كما تتعلق بالوجوب في الصبح ، والندب في صلاة الضحى ، ونحو ذلك . وليس الوجوب ، والندب مكتسبا للعبد ، فإن الأحكام الشرعية واجبة الوجود قديمة ، صفة الله تعالى سبحانه ، فحسن القصد إليها تبعا لقصد المكتسب ، وكذلك الإمامة ، وإن لم تكن فعلا زائدة على الصلاة مكتسبا ، فإن القصد إليها تبعا لقصد المكتسب .
الشرط الثاني :
أن يكون المنوي معلوما ، أو مظنونا ، فإن المشكوك تكون فيه النية مترددة ، فلا تنعقد ، ولذلك لا يصح وضوء الكافر ، ولا غسله قبل انعقاد الإسلام لأنهما عنده غير معلومين ، ولا مظنونين . فروع :
الأول : لو شك في طهارته ، وقلنا لا يجب عليه الوضوء ، أو كان شكه غير مستند إلى سبب ، فتوضأ في الحالتين احتياطا ، ثم تيقن الحدث ، ففي وجوب الإعادة قولان ، أما لو قلنا بوجوب الوضوء عليه ، فإنه معلوم ، فلا تردد .
[ ص: 247 ] الثاني : لو
توضأ مجددا ، ثم تيقن الحدث ، ففي كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا يجزئه ، وعند
أشهب : يجزئه .
الثالث : لو أغفل لمعة من الغسلة الأولى ، وغسل الثانية بنية الفضيلة ، ففي الإجزاء قولان ، وخرج أصحابنا هذه المسألة ، ونحوها على أن القصد إلى الفضائل إنما يكون بعد اعتقاد حصول الفرائض ، فقد اندرجت نية الفرض في نية الفضيلة ، وهذا لا يستقيم لأنا قد بينا أن النية من القصود والإرادات لا من باب العلوم والاعتقادات .
والحاصل : أن الناسي لفرضه الفاعل للنفل إنما هو على اعتقاد حصول الفرض ، والاعتقاد ليس بنية كما تقدم . نظائر ثمانية في المذهب وقع فيها إجزاء غير الواجب :
أربعة في الطهارة ، وهي : من جدد ثم ذكر الحدث ، ومن غسل الثانية بنية الفضيلة وقد بقيت لمعة من الأولى ، ومن اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة ، ومن توضأ احتياطا ، ثم تيقن الحدث .
وثلاثة في الصلاة ، وهي : من سلم من اثنتين ، ثم صلى ركعتين عقيب ذلك بنية النافلة ، أو ظن أنه سلم ، وفعل ذلك ، ولم يكن سلم ، أو أعاد في جماعة ، ثم تبين له أنه كان محدثا في صلاته الأولى .
والثامنة في الحج ، وهي : من نسي طواف الإفاضة ، وقد طاف طواف الوداع ، وبعد عن
مكة .
والمشهور في هذه المسائل يختلف .
ولا يشكل على هذا الشرط من نسي صلاة من خمس ، فإنه يصلي خمسا مع شكه في وجوب كل واحدة منهن ; لأن الشرع جعل شكه سببا لإيجاب الجميع ، فالجميع معلوم الوجوب .
[ ص: 248 ] ولا يشكل أيضا من
شك أصلى ثلاثا ، أو أربعا ، فإنه ينوي صلاة ركعة رابعة ليتم صلاته مع شكه في وجوبها لأنا نمنع الشك فيها بناء على أنا نقطع بشغل ذمته بالصلاة حتى يغلب على الظن عند الحنفي ، أو يقطع عند المالكي ، والشافعي بإيقاع الأربع ، وما حصل ذلك ، فالقطع الأول مستصحب .
الشرط الثالث :
أن تكون النية مقارنة للمنوي ; لأن أول العبادة لو عرا عن النية لكان أولها مترددا بين القربة ، وغيرها ، وآخر الصلاة مبني على أولها ، وتبع له بدليل أن أولها إن نوى نفلا ، أو واجبا ، أو قضاء ، أو أداء كان آخرها كذلك ، فلا تصح .
واستثني من ذلك الصوم للمشقة ، والزكاة في الوكالة على إخراجها عونا على الإخلاص ، ودفعا لحاجة الفقير من باذلها ، فتتقدم النية عند الوكالة ، ولا تتأخر لإخراج المنوي .
فرع : قال صاحب الطراز : جوز
ابن القاسم تقدم النية عندما يأخذ في أسباب الطهارة بذهابه إلى الحمام ، أو النهر بخلاف الصلاة ، وخالفه
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون في الحمام ، ووافقه في النهر ، وفرق بأن النهر لا يؤتى غالبا إلا لذلك ، فتميزت العبادة فيه بخلاف الحمام ، فإنه يؤتى لذلك ، ولإزالة الدرن ، والرفاهية غالبة فيه ، فلم تتميز العبادة ، وافتقرت إلى النية ، وقيل : لا تجزئ النية المتقدمة في الموضعين حتى تتصل بفعل الواجب ، وقيل : إذا نوى عند أول الوضوء ، وهو أول السنن أجزأه ; لأن الثواب على السنن ، والتقرب بها إنما يحصل عند النية ، وقيل : إن عزبت نيته قبل المضمضة ، والاستنشاق ، وبعد اليدين لا يجزئه ، وإن اتصلت بهما ، وعزبت قبل الوجه أجزأه ; لأن المضمضة من الوجه ، وبها غسل طاهر الفم ، وهي الشفة من الوجه .