[ ص: 176 ] الباب الخامس
في اختلاف الشهادات
وفيه عشرة مسائل :
المسألة الأولى ، في الكتاب :
شهد أحدهما بمائة ، والآخر بخمسين ، إن شاء حلف مع شاهد المائة ويقضى له بها ، أو يأخذ الخمسين بغير يمين لاجتماع شاهدين فيها ، في النكت : كلامه في الكتاب إذا كانت
الشهادتان في مجلس واحد ، وأما في مجلسين فيحلف ويستحق مائة وخمسين ؛ لأنهما مالان وشاهدان ، فلما كانتا في مجلسين ; قال
اللخمي : اختلف إذا كانت في مجلس واحد ولفظ واحد ، فقيل : ما تقدم ، وقيل : تسقط الشهادتان ؛ لأن كل واحدة كذبت الأخرى ، قال : وهو أحسن ، فإن أقام الطالب يثبت هذا بمائة حلف معه واستحق ، وإن كان الآخر أعدل ، وقد سقط شاهد الخمسين لاتفاق الطالب والمطلوب على كذبه ، وإن أقام المطلوب شاهد الخمسين نظر إلى أعدل الشاهدين ، فإن كان هو شاهد المائة حلف الطالب معه ، وإن كان الآخر حلف معه المطلوب وبرئ ، وقيل يحكم بشاهد الطالب معه ، وإن كان الآخر أعدل ، والأمور أحسن . لأن المطلوب يقول : هذا شاهد أعدل من شاهد شهد أني لم أقر إلا بخمسين ، واختلف إذا كانت الشهادتان في مجلس ، وقال المشهود له : هو مال واحد ، والمدعى عليه ينكر الجميع ، قال
ابن القاسم : لا يستحق من ذلك شيئا إلا بيمين ، قال
محمد : يأخذ أقلهما بغير يمين ، ويحلف المطلوب على الزائد ، قال : والأول أصوب ، يقول : ليس لك ضم الشهادتين وأخذ خمسين ، ثم احلف على تكذيب شاهد المائة ، وإذا حلفت على تكذيبه بطل
[ ص: 177 ] جميع شهادته ، فإن أحب حلف مع شاهد المائة وأخذها ، ويستغنى عن شاهد الخمسين ، وإن أحب حلف مع شاهد الخمسين ، ويرد اليمين في شاهد المائة ، فإن حلف برئ ، فإن نكل غرم خمسين ؛ لأن الطالب لم يدع إلا مائة وقد أخذ خمسين ، وإن أحب أخذ خمسين بغير يمين ، ثم لا يكون له على المطلوب شيء . فإن زعم الطالب أنهما مالان ، حلف مع كل شاهد واستحق مائة وخمسين ، إلا أن يقر المطلوب بالشهادتين ويقول : الخمسون من المائة ، ويقدم التاريخ ، أو يسلم أنه أقر بخمسين قبل المائة ، ويصدق مع يمينه ، إذا قال :
اشتريت منه بخمسين فأشهدت بها ، ثم بخمسين فأشهدت بمائة ، فإن علم تقدم شهادة المائة لم يقبل قوله وصدق الطالب في أنهما مالان ، وإن [ . . . ] وأقر بمائة عن الخمسين ، وقال الطالب : هي مائتان ، وقال المطلوب : مائة ، صدق الطالب [ . . . ] إن كانا بكتابين صدق الطالب ، وكذلك إذا كان إقرار الغير كتابا وتقارب ما بينهما أشهد ستة في مجالس ، كل اثنين بطلقة ، قال الزوج : هي واحدة ، قال
ابن القاسم : هي ثلاث ؛ لأن الأصل عدم التداخل [ . . . ] بلا سلف أنه يغرم ثلاثمائة إذا شهدوا بمائة ، ثم مائة في مجالس ، وقال
أصبغ : إن كان قول الشهود ، أي طلقها دين ، أو أنها طلاق لم تنفعه نيته ؛ لأن اسم الفاعل للحال بخلاف الفعل الماضي ، وعن
مالك : إذا لقيت رجلا فقلت : أشهد أن امرأتي طالق ، ثم قلت للآخر كذلك ، وقلت : أردت واحدة ، أحلف ودين ، قال : وهو أصوب ، لأن اسم الفاعل يصلح للإخبار عن الماضي والحال ، إلا أن يتباعد ما بين تلك الشهادات ، فإن
شهدت البينة أنه قال : امرأته طالق ، وبينة أخرى أنه قال : عبده حر ، وذلك عن كلمة واحدة ، وأنكرت الجميع ، اختلف هل تسقط الشهادتان أو يقضى بالعتق والطلاق ؛ لأنهما حقان لاثنين الزوجة والعبد بخلاف الاتحاد ، بعض الشهادات يكذب بعضا ، وتقول الزوجة : لا تضرني بينة
[ ص: 178 ] العتق ؛ لأني أنا والزوج متفقان على تكذيبهما ، وكذلك يقول العبد ، فيقوم كلاهما ببينة ، فإن كذبا بنيتهما لم يحكم بهما ؛ لأن القيام على المشهود عليه يصير حينئذ لله تعالى ، وإذا صار الحق لواحد لم يقم بهما مع تكذيب بعضها بعضا ، وهذا مع تساوي العدالة ، وإلا قيم بالعدل لله عز وجل ، فإن صدقت الأعدل وقال العبد والمرأة : لا علم عندنا ولم يقرا بشيء ، قضى بالتي صدقت ، فإن صدقت الأخرى قضى عليك بالشهادتين بإقرارك ، وإن صدقت الأعدل التي شهدت بالطلاق ، قام العبد ببينة العتق ، قضى بالعتق على القول بأن المدعي لا يكذب ، وإن
شهد شاهدان أنك ذبحت فلانا ، وآخران أنك أحرقته ، وأنكرتهما ، فإن قام الأولياء بالشهادتين بطل الدم أو بإحداهما أقسموا معها واقتصوا وسقطت الأخرى لاجتماع الأولياء معك على تكذيبهما ، فإن اعترفت بالذبح وأقاموا ببينة الحرق - وهي الأعدل - أقسموا معها وأحرقوا ، فإن كانت الأخرى أعدل حلفت معها وقتلت ذبحا بغير حرق .