[ ص: 295 ] الباب العاشــر
في
الرجوع عــن الشهادة
في المغني : عن
أبي ذئب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في شاهد ثم رجع عن شهادته بعد أن حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قضى [ . . . ] شهادته ، الأولى لأهلها ، وهي الشهادة ، والأخيرة باطلة ، وفي الجواهر [ . . . ] أن جميع أصحابه يرون أن يغرم ما تلف بشهادته إذا أقر بتعمد الزور ، قاله
محمد ، قال
عبد الملك : إن لم يقرا بتعمد الزور لم يغرما ، قال
ابن القاسم وأشهب : إن قالا قبل الحكم : بل هو هذا لرجل آخر ، وقد وهمنا ; لم يقبلا في الأولى ولا في الآخرة لعدم الوثوق بهما ، ثم
النظر في المشهود به يتعلق بأطراف ستة : الطــرف الأول في
الدماء : وللرجوع ثلاث حالات :
الحالة الأولى : نقل القصاص ، قاله الأئمة لعدم السند ، ولو لم يصرح الشاهد بالرجوع . بل قال للحاكم : توقف في قبول شهادتي ، ثم عاد فقال : اقض فقد ذهب الشك ، قال
المازري : لا يبعد أن يجري القولان الجاريان في
[ ص: 296 ] الشاك قبل الأداء ، مع أن
مالكا يشترط في قبول الشاك قبل الأداء إذا رجع : البروز .
الحالة الثانية : بعد انقضاء قبل الاستيفاء ، قال
ابن القاسم : ليستوفى كما في المال ، ومنع
أصبغ ، وقاله أيضا
ابن القاسم لحرمة الدم ، ورأى فيه العقل ، ويقرب من قوله هذا قول
محمد في رجوعه
الشهود بزنى المحصن بعد الحكم وقبل النفوذ أنه لا يرجم ، ويجلد جلد البكر .
الحالة الثالثة : بعد الاستيفاء ، فيغرمان الدية في الخطأ ، وكذلك العمد عند
ابن القاسم ، ويقتص منهما عند
أشهب في تعمد الكذب ، إذا لم يقتلا عوقبا إذا تعمدا الزور ، وظهر ليهما ، ولم يأتيا تائبين ، ولو
علم القاضي أن الشهود كذبوه وحكم وأراق الدم ; لكان حكمه حكمهم إذا لم يباشر العقل بنفسه ، بل أمر غيره ممن تلزمه طلقة ، ولو علم ولي القصاص أن القاضي علم ذلك منهم وباشر بنفسه لكان عليه القصاص إن اعترف ، والشاهد معه كالشريك .
فـرع
قال صاحب البيان :
في الدية ثلاثة أقوال في مال الشاهد : تعمد الزور ، أو شبه عليه ، قاله
ابن القاسم و ( ح ) ، وقال
أشهب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - و ( ش ) : عليه القصاص إن تعمد ، وإن شبه عليه الدية في ماله ; لأن العاقلة لا تحمل اعترافا ، وهذا في معناه ، والثالث ، قال
عبد الملك وغيره : إن تعمد ففي ماله ; لأن العاقلة لا تحمل عمدا ولا يقتص منه ; لأنه ليس ملجئا للحاكم ، وإن شبه عليه فهو هدر ; لأنه أذن له في الشهادة بحسب اعتقاده ، فيحصل في العمد قولان : القصاص والدية في ماله ، وفي البينة ثلاثة أقوال : الدية في المال ، وعلى العاقلة ، أو هدر . وإذا
رجع الشاهد أن يغرم الشاهد نصف الدية ، وإن كانوا ثلاثة فرجع أحدهم لم يلزمه شيء ، فإن رجع بعد ذلك آخر ، قال
ابن القاسم : عليه وعلى الأول نصف الدية ، وقال
عبد الملك : عليهما
[ ص: 297 ] ثلث المال نظرا لأصل عددهم ، فإن رجع ثلاثتهم فالمال عليهم أثلاثا ، ولا خلاف إذا رجعوا كلهم أن المال على عددهم ، وأن لا شيء على الرابع إذا بقي بعده نصاب ، وإنما الخلاف إذا زادوا على النصاب ، فإن رجع تسعة فقيل : عليهم نصف المال لبقاء نصف النصاب ، فإن رجع العاشر بالمال فالمال عليهم بالسواء ، وقيل : بل عليهم تسعة أعشاره ، فإن رجع العاشر فعليه العشر الباقي ، فإن كان الاستحقاق بشاهد ويمين : قال
عبد الملك : على الشاهد نصف الحق ; لأن اليمين مقام الشاهد الآخر ، وقال
ابن القاسم : جميع الحق ; لأن اليمين تبع ، ومتى كان رجوعه لتعمد الكذب لا تقبل شهادته في الحال ولا في المستقبل ، ولأنه يشبه عليه [ . . . ] في الحال والمستقبل قبل الحكم أو بعده ، قاله
أصبغ ، وظاهر المدونة : لا يقبل في المستقبل الحكم بعد رجوعه [ . . . ] وإن كان قبل شبه عليه .
فـرع
قال
ابن يونس :
تقطع يد الشاهدين بيد المشهود عليه ، خلافا لـ ( ح ) وروى
ابن وهب : ( أن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - شهد عنده اثنان على رجل بالسرقة فقطع يده ، ثم أتيا بآخر وقالا : كنا وهمنا ، وهذا هو ، فأبطل شهادتهما عن الآخر ، وأغرم دية الأول وقال : لو أعلمكما تعمدتما قطعه لقطعتكما ) ، فأكثر الأصحاب على ضمان الدية في النفس واليد والعمد والخطأ ، ولو شهدا بقطع يده قصاصا فحكم به ، ثم رجعا : قال
محمد : لا يقتص منه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون .
فـرع
قال : إذا
شهدا على والي الدم أنه عفا ، أو على المجروح أنه عفا فحكم بإسقاط القود ، ثم رجعا ; لا يضمنان شيئا ; لأنهم لم يتلفا مالا ، ولا قصاص على
[ ص: 298 ] الجاني للحكم بسقوطه كما تقدم من فعل الخلفاء - رضي الله عنهم - ، ويجلد القاتل فإنه ويحبس سنة ، ويؤدب الشاهدان ، وقال
ابن الحكم : يغرمان الدية ; لأنه كان له في أحد قولي
مالك أن يقبل أو يأخذ الدية ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : ولو كانت شهادتهما أنه عفا على مال ، فلا شيء لولي القصاص للحكم بسقوطه ، ويغرمان الجاني ما خرج من يده ، ويؤدبان .
فـرع
في النوادر : قال في الموازية :
شهد أربعة أن العبد قتل حرا ، وقال اثنان منهم : أعتقه سيده قبل الجناية فقتل ، ورجع الأربعة وأقروا بالزور ، فعلى الأربعة دية حر لورثته الأحرار ، ويرجع سيده والشاهدان على أنه عبد على شاهدي الحرية : السيد بقيمة عبده ما بلغت لأنهما منعاه منها ، والشاهدان بالرق بما زادت نصف الدية على نصف القيمة ; لأنه لولا شهادتهما بالحرية لم يغرما إلا نصف قيمة العبد ، قال
محمد : الصواب : على الأربعة قيمة المقتص منه ، قيمة عبد للسيد ; لأن شهادة الحرية لم تتم ، ولرجوع من شهد به ، ولو رجع شاهدا الرق فقط ، أو شاهدا الحرية فقط ، فلا شيء عليهما لبقاء من يكتفى به إلا أن يرجع الباقيان بعدهما فيغرم إلا قيمة العبد لما تقدم في الأربعة ، ولو
شهد اثنان بالقتل ، واثنان بالعتق دون القتل رجعوا جملة ، فقيمته عند السيد على شاهدي القتل ؛ لأنهما تلفاه عليه ، وكذلك إن ابتدأ بالرجوع شاهد الحرية ، فإن ابتدأ الآخران غرما دية عدالتهما ، فإن أنفذ الحرية بشهادتهما على شهادتي القتل ، لا تبطل الحرية برجوعهما لنفوذ الحكم ، ويغرمان للسيد قيمة عبد ، ولشاهدي القتل من غرماه من فضل الدية ، فإن
رجع أحد شاهدي القتل ، ثم أحد شاهدي الحرية قبله ، أو [ ص: 299 ] أحدهما ، فرجوعهما سواء أن تنفذ الحرية ، ومتى رجع أحد شاهدي القتل ، فعليه نصف قيمة العبد ، وأما لو
أقر السيد بعتقه قبل رجوع شاهدي القتل ، فعليهما دية حر لورثته بشهادة شاهد في الحرية دون الإقرار ، فإن رجع بعد ذلك شاهد الحرية لم يغرما لشاهدي القتل الأفضل ما بين قيمته ودية حر ; لأن بشهادتهما غرما الدية ، ولو رجع شاهد القتل بعد الإقرار ورجوع الآخرين ، فعليهما قيمة عبد لورثته ، لقرار سيده أنه لا حق له فيها ، ولا يوجب إقراره عليهما دية .
فـرع
قال : إذا
شهد أنه عفا على دية خطأ أو جرح خطأ أرشه أقل من ثلث الدية ، والجناية ثابتة لغيرهما [ . . . ] بعد الحكم ، ضمنا دية النفس وإسقاطهما عن العاقلة ، ويكون عليهما في ثلاث سنين ، إلا أن يكون قد حلت ، وما دون الثلث يضمنانه حالا ; لأنه ليس على العاقلة بغير تنجيم .
فـرع
قال : قال
ابن القاسم : إذا
قدم المشهود بقتله حيا لا شيء على الإمام وعاقلته ولا الطالب ، ودية المقتول في أموال البينة إن تعمدوا أو شبه عليهم ، فعلى عواقلهم ، بخلاف رجوعهم ، ولو صالح الولي المشهود عليه على مال رده ، وإن كان عديما لم يتبع الشهود ، فلو شهدوا بالخطأ وأخذت الدية من العاقلة ، ردت إليهما ، فإن كان عديما غرمها الشاهدان ، بخلاف رجوعهما للقطع بكذبهما هاهنا ،
ولو شهدا بالعمد فقتل ، ثم قدم حيا : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يضمنان الدية ولا يرجعان بها على القاتل ; لأنهما متعديان فأباحت القتل للولي ، فإن كانا عديمين
[ ص: 300 ] رجع على القاتل ; لأنه المتلف ، ولا يرجع القاتل على الشاهدين كمن أطعم
مالك لغيرك ، لا يعلم بتغريمه ، فلك طلب المتعدي ، ولا ترجع على الآكل ، فإن كان المتعدي عديما رجعت على الآكل ، ولا يرجع الآكل على المتعدي لأنه المتلف ، وروي أن ولي الدم مخير ، فإن اتبع الشاهدين لم يتحول عنهما إلا أن يعدما فيتحول ، فإنه لو أخذه من الشاهدين تراجعا به على الولي ، وإن اتبع القاتل لم يتحول الشهود أعدم أم لا ،
ولو شهدوا بالخطأ ، وقدم حيا بعد أخذ الدية من العاقلة ، أخذتها العاقلة من الشهود ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : ولو شهدوا على إقراره ، ولولي المقتول تضمين القاتل الدية إلا أن يرجعا عن شهادتهما فكما تقدم ، وكذلك لا يضمنا في شهادتهما على إقراره بالقتل الخطأ ، ثم يقدم حيا ويرجع دافع الدية على قابضها إلا أن يرجعا ، ولو
شهدا على شهادة شاهدين في قتل الخطأ ، ثم قدم حيا رجعت العاقلة على القابض بها حالة دون الشهود ; لأنهم شهدوا على شهادة غيرهم ، إلا أن يقروا بتعمد الكذب فكما تقدم أن للعاقلة أخذ الولي بالدية ، ولا يرجع على الشهود ، وإن رجعوا بها على الشهود ، كان للبينة الرجوع بها على الولي .
قاعــدة : أسباب الضمان ثلاثة :
الإتلاف ، والتسبب للإتلاف كحفر البئر ،
ووضع اليد غير المؤمنة كيد الغاصب ،
والبيع الفاسد .
قاعــدة :
الإكراه يصير فعل المكره كالعدم حيث يعفى عن المكره ، كالإكراه على الأقوال دون الأفعال ، قال صاحب البيان : الإكراه يمنع المؤاخذة بالأقوال اتفاقا نحو : كاملة والطلاق ونحوه ، ولا يمنع في الأحوال إذا كانت حقا لآدمي اتفاقا كالقتل ، وفي منعه المؤاخذة إذا كانت حقا لله تعالى : قولان ، الأظهر : عدم
[ ص: 301 ] المنع ، وبسطه في كتاب الطلاق ، ومقتضى هاتين القاعدتين أن يجب الضمان على الحاكم لكونه مكرها على فعل حرام حقا لآدمي ، أكرهه الشهود بظاهر العدالة ، غير أن الحكام مثابون متقربون إلى الله تعالى بتصرفهم وإن أخطأوا ، فلذلك لم يضمنوا ، بخلاف المكره على القتل حيث ضمناه ، ولأنه لو فتح باب الضمان على ولاة الأمور لزهد في الولايات ، وتمكن شهود السر من أذيتهم بالتضمين ، فتعطلت مصالح الولايات من القضاء وغيره ولم يضمنوا لذلك .