صفحة جزء
فرع

في الكتابة : لا يباع المكاتب وإن رضي لثبوت الولاء لعاقد الكتابة ، ويرد البيع إلا أن يعتقه المشتري فيمضي ولاؤه له إن كان العبد راضيا كأنه رضي بالعجز ، وكان مالك يقول : إن بيع المدبر فأعتقه المبتاع رد بيعه ، ثم قال : لا يرد ; لأن المقصود هو العتق . وقال غيره : عقد الكتابة قوي فيرد وينقض العتق ، وقال أشهب : هذا إذا لم يعلم المكاتب بالبيع ، وافقنا في منع المكاتب ( ح ) و ( ش ) في أحد قوليه .

لنا : نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته .

فرع

في الكتاب : إن كاتب المكاتب عبدا له فبيعت كتابة الأعلى تبعه مكاتبه لأنه ماله وأدى الأسفل للأعلى ، فإن عجز الأسفل رد للأعلى وإن عجز الأعلى رقا معا للمشتري ، وإن عجز الأعلى وحده أدى الأسفل للمبتاع وعتق فولاؤه للبائع ، وإن لم يبع الكتابة وعجز الأعلى وأدى الأسفل للسيد الأعلى فولاؤه له ، وإن عتق الأعلى بعد عجزه لم يرجع إليه ولا الأسفل ، ولا [ ص: 293 ] شيء مما أدى للسيد ; لأنه بالعجز رجع رقيقا ، وماله وما على مكاتبه للسيد ، وكتابة المكاتب عبده لابتغاء الفضل جائزة ، وإلا امتنعت لأنه من باب العتق ، وكذلك قوله لعبده : إن جئتني بكذا فأنت حر إلا أنه يتلوم للعبد في هذا ، ويجوز بيع كتابة المكاتب إن كانت عينا بعرض نقدا أو عرضا بعرض مخالف له أو بغير نقد وما تأخر كان دينا بدين ، ويتبعه في بيعها ماله ، قال ابن المسيب : المكاتب أحق بكتابته إذا بيعت بالثمن ، ومنع ( ش ) و ( ح ) بيع الكتابة . لنا : قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) وقوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) ولأنها ملك للسيد ، وبيع المملوك جائز احتجوا : بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع . ولأن المشتري لا يدري أيحصل له النجوم أو الرقبة ؟ فهو كما لو باعه ثوبا فإن لم يجده أخذ عبده وهو باطل إجماعا ، ولأن سعايته للمشتري لا يدري أيأخذ نجوما أو بعضها أو رقبة ، ولأنه قد يموت قبل النجوم فيذهب الثمن باطلا .

والجواب عن الأول : أنه مخصوص بما في مسلم : ( أن عائشة - رضي الله عنها - جاءتها بريرة تستسعيها في كتابتها ولم تكن قبضت من كتابتها شيئا ، فقالت عائشة - رضي الله عنها - : ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت ، فذكرت ذلك فانتهرتها وقلت لاها الله ، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألني فأخبرته ، فقال : اشتريها وأعتقيها واشترطي [ ص: 294 ] لهم الولاء : فإنما الولاء لمن أعتق ، ثم قام رسول الله لله فقال : ما بال الناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له ، وإن شرط مائة مرة ، شرط الله أحق وأوثق ) .

فوائد

قال صاحب المفهم : ظاهر الحديث : فسخ الكتابة وبيع المكاتب ، وقاله بعض العلماء شاذا ، وتأوله الجمهور فإن الكتابة لم تكن انعقدت ، ومعنى : كاتبت أهلي أي : راودتهم على الكتابة في أجلها ومبلغها ، والظاهر خلافه ، وقيل : بيع الكتابة وهو فاسد ، لأمن أجاز بيع الكتابة لم يحصل الولاء للمشتري : وقيل : عجزت فاتفقت هي وأهلها على فسخ الكتابة ، وإنما يصح إذا قلنا : إن التعجيز غير مفتقر إلى حكم حاكم ، وهو المعروف من المذهب خلافا لسحنون ; لأن الحي لا يعدرهما أو يلاحظ أن فيها حقا لله ، وأنهما يتهمان عليه ، ويدل على العجز قولها : ولم تقض من كتابتها شيئا في بعض الطرق ، وقضاء الحق إنما يكون بعد استحقاقه وجاءت تستعينها وذلك عجز ظاهر ، وقولها : لاها الله بمدها : يحتمل أنه من قول بريرة : أي لا أستسفهك ، أو من قول عائشة : أي لا أشترط لهم الولاء ، وقوله : واشترطي لهم الولاء لم يروها أكثر الرواة ، وهي مشكلة من جهة أمره - صلى الله عليه وسلم - باشتراط ما لا يجوز ، وأجيب بأن : لهم بمعنى : عليهم كقوله تعالى : ( وإن أسأتم فلها ) أي : عليها ، وقوله تعالى : ( أولئك لهم اللعنة ) أي : عليهم أو معنى الأمر الإباحة والتنبيه على عدم النفع ، أي اشترطي أو لا [ ص: 295 ] تشترطي فإنه لا ينفعهم ، أو إن عدم نفع ذلك كان مشتهرا فلا غرر ، وأطلق الأمر ، أي : هم يعرفون أن ذلك لا ينفع لقوله تعالى : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ) ويريد أنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالإنكار ، ولو كان الحكم الولاء ، والاشتراط : الإظهار لغة أيضا : قال أوس بن حجر :

فأظهر فيها نفسه وهو معلم وألقى بأسباب له وتوكلا أي : أظهر نفسه لما أراد أن يفعل ، ويقرب منه قوله تعالى : ( فقد جاء أشراطها ) أي : علاماتها التي تعلم بقربها وهذا للخطابي ، والثلاثة الأول للمالكية ، فهذه أربع تأويلات ، وقوله : ( كل شرط ليس في كتاب الله ) أي : ليس فيه إجمال ولا تفصيل .

وعن الثاني : أن المبيع في الحال أنما هو الكتابة كبيع الديون والرقبة أمر تؤدي إليه الأحكام ، كمن أسلم في موصوف فيتعذر الأجل فيأخذ الثمن وهو جائز إجماعا ، ولمالك توقع الاستحقاق والرد بالعيب يرد فيه الثمن ، ويفارق بيع أحد عبدين مختلفين ; لأن المبيع ليس معينا ، وهاهنا معين .

وعن الثالث : أنه في السلم لا يدري أيأخذ بعض المسلم فيه أو كله أو الثمن ؟

تفريع

قال ابن يونس : قال مالك : المكاتب أحق بكتابته إذ بيعت لأنه أخف للغرر وأعذر من الأجنبي إن بيعت كلها حتى يعتق ، وليس أحق ببيع بعضها لعدم العتق [ ص: 296 ] في الكل بل في البعض ، قال مالك : ويرثه المشتري إذا مات كاسترقاقه ، وكذلك في الهبة والصدقة ، وإن كان المتروك أكثر من الكتابة وإن وهبت كتابته فعجز : قال ابن القاسم : يرق الموهوب له كالبيع ، وعنه : يرجع للواهب ; لأن الهبة لم تتناول الرقبة ، والفرق : أن الثمن بدل يرجع في مبدله عند التعذر . والهبة لا بدل فيها ، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن : إذا اشترى الكتابة وظهر فيها عيب وأدى فلا رجوع للمشتري ; لأنه قد حصل له ما اشترى ، أو عجز رق له وله رده بالعيب ، ويرد جميع ما أخذ من الكتابة ، ولا يكون ذلك كالغلة ; لأنه لو اقتضى تسعة أعشار الكتابة ثم عجز فرد بالعيب يكون له ما اقتضى ; لأن الكتابة هي نفس المشتري ، لا الغلة المشتري ، قيل : لا يرد كالغلة ، وقيل : له رده . وإن لم يعجز فحجته أنه بالعجز رق ، ولا يرد ما قبض ، ولأن الأمر كان فيه مترقبا هل تحصل الرقبة بالعجز أو الكتابة ؟ فإذا عجز كأنه إنما اشترى رقبة فالكتابة علة ، ولا يبيع أحد الشريكين حصته وإن أذن له شريكه إلا أن يبيعاها جميعا ، ولا يشتري المكاتب نصيب أحدهما ; لأن بيع أحدهما كالقطاعة ، وجوز أشهب بيع نصف الكتابة أو خدمته ، أو يجوز بغير عيبه لأنه يرجع إلى خدمته ، قال اللخمي : منع عبد العزيز بيع الكتابة مطلقا ، قال : وهو أقيس للغرر ، وجوزه سحنون عند الضرورة كالفلس دون الاختيار ، وأجاز عبد الملك بيع أحد الشريكين حصته ، ولا يباع نجم بعينه لا غرر إن عجز بعد أن اقتضى ذلك النجم أخذ ما ينويه من الرقبة فكان المبيع النجم أو الرقبة ، ولا يأخذ المكاتب بيع بعض كتابته إلا بإذن سيده ; لأن ذلك يضعف ما في يديه ، ولأنه يؤدي إلى أن يعطي منه عن جميعه ، وإن باع أحد الشريكين لم يكن أحق بنصيب الشريك إلا بإذن الشريك الذي لم يبع ; لأن للذي لم يبع حقا في المال الذي يدفعه للبائع فإن أذن [ ص: 297 ] وعجز عن أداء الباقي منه عتق الجزء المشترى بخلاف وضع السيد ، وفي المنتقى : إنما امتنع بيع الجزء لأنه يؤدي أدائين مختلفين : للسيد بالكتابة ، والمشتري بالابتياع كما لا يجوز كتابة بعضه ; لأنه يؤدي عن أحد النصفين بالخراج وعن الآخر بالكتابة ، وتشترط المخالفة في الثمن والكتابة إذا بيعت من أجنبي بخلاف المكاتب ; لأنه له نقله عن ذهب إلى ورق ومن عرض إلى جنسه ; لأنه ليس معاوضة بل ترك ما عليه ووضع غيره ، وإذا أدى للمشتري فولاؤه لعاقد الكتابة ، وقال ( ش ) وابن حنبل : للمشتري . لنا : أن الولاء لمن أعتق ، والمعتق عاقد للكتابة ولا ينتقض ذلك إلا بالعجز ، والبيع إنما تعلق بما عليه دون الولاء ، وأخذ العبد بيع الكتابة من المشتري ليس من باب الشفعة بل من باب تقديم العتق على الملك ; لأنه إذا اشترى نفسه عتق ، والمشتري ربما أفضى أمره إلى الاسترقاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية