فرع
في الكتاب : إن
مات وترك ما فيه وفاء الكتابة ، وترك أم ولد وولدا منها أو من غيرها عتقت مع الولد فيه ; لأنه بالأداء يعتق فترتب أحكام الحرية ، وكذلك إن ترك معه في الكتابة أجنبي وترك مالا فيه وفاء بالكتابة . فإن كتابته تحل بموته ويتعجلها السيد من ماله ويعتق من معه ، وليس لمن معه أجنبيا أو ولدا أخذ المال ، وأداؤه على النجوم إن كان فيه وفاء الكتابة لما فيه من الغرر ، فإن لم يف بالكتابة فلولده والذين معه أخذه إن كانت لهم أمانة وقوة على السعي ، ويؤدون نجوما ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16049سليمان بن يسار : فإن لم يكن الولد مأمونا لم يدفع له مال ، قال
ابن القاسم : ولا يدفع المال لغير الولد ، ويتعجله السيد ; لأن ولد المكاتب عضو منه بمنزلته بخلاف غيره ، والكتابة كالدين ، وصاحب الدين أولى
[ ص: 311 ] بالتركة إذا تعجله السيد سعوا في البقية فإن أدوا عتقوا ، ويتبع السيد الأجنبي بحصة ما أدى عنه من مال الميت ، ويحاص به غرماءه بعد عتقه وليس كالمعتق على أن عليه مالا بعد العتق ، وقال
ربيعة : لا يدفع المال لولد ولا غيره ، وإن كانوا ذوي قوة وأمانة ; لأنه ليس لهم أصله ، ولا يؤمن عليه التلف ويتعجله السيد ويحاصهم به من آخر كتابتهم ، وإن كانوا صغارا لا قوة فيهم على السعي فهم رقيق وذلك المال للسيد ، وإن ترك أم ولد ولا ولد معها ومالا يوفي الكتابة فهي والمال ملك للسيد ; لأنه مات رقيقا ، قال
ربيعة : وكذلك إن ترك ولدا فمات الولد ، قال
ابن القاسم : وإن ترك ولدا أحدث في كتابته ، ومالا يوفي بالكتابة ويفضل ، أخذ السيد الكتابة ، ويرث الفضل من معه في الكتابة على فرائض الله تعالى ; لأنهم ساووه في أحكامه بعقد الكتابة ، ولا يرثه ولده الأحرار الذين ليسوا معه في كتابته ، ولا زوجته وإن كوتبت معه ، ولا يكون للسيد ما فضل إلا أن يكون الولد ابنا أو بنتا ، فالباقي له دون أحرار ورثة المكاتب لحصول المخالفة في الرق والحرية عند الموت ، وإن لم يكن معه في الكتابة أحد أو ترك أجنبيا ووفى الكتابة تعجلها السيد ، والفضل له دون ورثة المكاتب الأحرار ، وإن كان مع الأجنبي ولد في الكتابة ، اتبعه الولد بما أدى عنه دون السيد وورث السيد بقية المال ، وإن ترك ابنتيه وابن ابن معهما في الكتابة ، والتارك فضلا عن كتابته فللابنتين من الفضل الثلاث ولابن الابن ما بقي ، وإنما
يرث المكاتب من معه في الكتابة من القرابة : الولد ، وولد الولد ، والأبوان ، والجدود ، والإخوة دون أحرار ولده ، ولا يرثه غيرهم من عم وابن عم وغيرهم من العصبة ولا زوجة ، وإن كانوا معه في الكتابة ، وضابطهم : من أدى عنهم لم يرجع عليه إلا الزوجة فإنها لا ترثه ، ولا يرجع عليها من يرثها ولا السيد ، ويرجعون على كل من كان هو يرجع عليه إلا الزوجة ، وإن هلك أحد الأخوين في كتابته وترك فضلا فللأخ دون السيد ، ولا يرجع السيد على الأخ بما أدى عنه من مال أخيه لو
[ ص: 312 ] ترك الميت ولدا فأدى الولد من ذلك المال جميع الكتابة لم يرجع عليه ، وإذا مات المكاتب بعد موت سيده ، وترك وفاء الكتابة ولم يدع ولدا فلورثة السيد ، يدخل فيه بناته وأمهاته وزوجاته وغيرهن لأنه موروث بالرق دون الولاء ، وإن هلك أحد الأخوين وترك أم ولد لا ولد معها فهو رقيق ، إلا أن يدع ولدا منها أو من غيرها كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة ، فلا ترق إلا أن يعجز الولد ، ولا تقوى هي على السعي عليهم أو يموت الولد قبل الأداء ، وإن كان معه في الكتابة ولد فمات ولده عن أم ولد لا ولد معها رقت للأب ، وإن كثر ما ترك . إلا أن يترك ولدا كما تقدم ، وإن كاتبه ثم كاتبت امرأته كتابة على حدة ، فحدث بينهما ولد فهو في كتابة الأم يعتق بعتقها لا بعتق الأب ونفقتهم عليها ، ووافقنا ( ح ) على أنه إذا مات وخلف وفاء ولم يمت على الرق ووارث ، ويقول : مات حرا مكاتبا ، نحن نقول مات مكاتبا ، وقال ( ش ) : مات عبدا ولا يورث .
لنا : قوله تعالى : (
من بعد وصية ) فحكم تعالى ببقاء دين الميت بعد موته ، وأوجب قضاءه من ماله ، فالكتابة دين ، ويرث الفضل ورثته لا بأي المواريث ، ولأن المساواة إذا حصلت في الرق والحرية والدين وجب الإرث وهو هاهنا موجود ; لأنهم ساووه في عقد الحرية ، ويفارق العبد بأنه أحرز نفسه وماله فتقرر ملكه ، وله عقد حرية ولم يلحق بالحر لأنه قد يعجز فلا يرثه الحر ولا العبيد ، ولأنه عقد معاوضة فلا يبطل بالموت كالبيع ، ويفارق النكاح لأنه لا يصح إلا بشرط العوض ، والنكاح يصح تفويضا ، وكالعتق على مال لا يبطل بموت العبد ، ولأنه أحد المتعاقدين فلا يبطل العقد بموته كالسيد طردا للباب كالبيع ، ولا يشكل بموته مفلسا ; لأن المبطل العجز لا الموت ، احتجوا : بأن الموت يبطل الشرط ، كما لو جعل الشرط دخول الدار ، هذا عمدتهم ، ولأن الموت يبطل سبب الاستيلاد ، وهو أقوى لتعذر إبطاله ، فالكتابة أولى لأنها تبطل
[ ص: 313 ] بالعجز ، ولأنه مات عندكم مكاتبا وأولادا عتقوا بالأداء ، فلا مساواة فلا إرث ، أو مات حرا فيرثه الأحرار كلهم ، أو تقولوا عتق بالأداء فيلزمكم عتق الموتى ، وهو خلاف الإجماع .
والجواب عن الأول : أن عقد الكتابة ليس للولد الحادث في الكتابة ، ويعتق بعتق أبيه كاتب عليه أو حدث فيها ، فإذا مات الوالد بقي حق الولد ، كما لو قال له ولولده : إذا أديتم ألف درهم فأنتم أحرار فما أحد منهم ثم أدى الباقون الألف فإنهم يعتقون ، ولا يبطل حقهم بموت بعضهم .
وعن الثاني : أن حكم أم الولد إذا ماتت قبل السيد كما كان ، ويعتق بموت سيده ، وكذلك ولد المدبر .
وعن الثالث : أنه مات مكاتبا لا حرا ، ولا قنا ، فعدم خلوصه للحرية يمنع ورثته الأحرار ، وعدم خلوص الرق يمنع وراثة السيد ، فلم يبق إلا أولاده الذين معه في الكتابة فالمكاتب أصل في نفسه كأم الولد لا حرة فتجب ديتها ، ولا أمة فيجوز بيعها ، وتجوز إجارتها كالنكاح ، لا بيع ولا إجارة ، وكالنكاح الفاسد فيه شبه الصحيح في لحوق النسب وسقوط الحد ، وشبه الزنا في امتناع الطلاق والميراث ، وهذه قاعدة متى كان للفرع أصل واحد لحق به ، ومتى كان بين أصلين فأكثر يختلف العلماء بأيهما يلحق وأيهما أرجح ، ونظائره كثيرة في الشرع فالمكاتب كذلك فلا حجة فيه ، وهذه الطريقة ناظر بها
القاضي إسماعيل محمد بن الحسن .
[ ص: 314 ] فإن قالوا : لا يصح
عقد الكتابة بعد الموت ، فلا يصح بقاؤها كالنكاح وغيره .
قلنا : قد يخالف الابتداء البقاء كالعدة والإحرام ، لا تبقى المرأة معتدة بعد موتها ولا محرمة ولا معتكفة ، وتبقى زوجة وحرة ومؤمنة وابنة ، وغير ذلك من القرابات مع أنها أمور لا يصح ابتداؤها بعد الموت ، فالأوصاف ثلاثة أقسام : ما لا يثبت إلا بعد الموت نحو كونه موروثا ، ولا يثبت إلا قبل الموت ، كالعدة والإحرام ، وما يقبل الأمرين كالحرية والقرابات ، وإذا اختلفت الأحوال فليس قياسكم على أحدها بأولى من الآخر ، ويلزم ( ح ) في قوله : إذا خلف وفاء أنه مات حرا أن يكمل ديته ، ولما لم يقل إلا بالقيمة بطلت الحرية .