صفحة جزء
[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصلاة

والصلاة في اللغة : الدعاء ومنه قوله تعالى : ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) أي : دعواتك . وسميت هذه العبادة صلاة ، قيل مجازا لما اشتملت عليه من الدعاء وقيل : هي مأخوذة من الصلوين وهما عرقان في الردف ، وأصلهما الصلا وهو عرق في الظهر يفترق عند عجب الذنب ، ومنه قول ابن دريد في صفة الفرس :


قريب ما بين القطاة والمطا بعيد ما بين القذال والصلا



ولذلك كتبت الصلاة بالواو في المصحف ، قال صاحب التنبيهات : قيل هما عظمان ينحنيان عند الركوع ، ولما كانا يظهران من الراكع سمي مصليا لذلك وفعله صلاة ومنه المصلي وهو الثاني من حلبة السباق ; لأن رأس فرسه يكون عند صلوى [ ص: 6 ] الأول وقيل : لأنها ثانية الإيمان ، كالثاني في حلبة السباق ، وقيل : لأن فاعلها متابع لرسول الله ، كما يتابع الفرس الثاني الأول ، وقيل : هي مأخوذة من تصلية العود بالنار ; ليقوم ، ولما كانت تنهى عن الفحشاء والمنكر كانت مقومة لفاعلها ، وقيل : من الصلة ; لأنها تصل بين العبد وربه وعلى الأول أكثر الفقهاء ثم اختلف العلماء هل أطلق هذا الاسم عليها بطريق النقل ؟ وهو مذهب المعتزلة ، وجماعة من الفقهاء أو بطريق المجاز ؟ وهو مذهب المازري ، والإمام فخر الدين ، وجماعة واختلفوا في وجه المجاز فقيل : لما كان الدعاء جزأها وهو قوله تعالى آمرا لنا : ( اهدنا الصراط المستقيم ) فسميت صلاة من باب تسمية الكل باسم الجزء ، وقيل : من مجاز التشبيه ; لأن كل مصل خاضع متذلل لربه مشبه للداعي في ذلك ، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني من أصحابنا : ليس في اللفظ نقل ولا مجاز وهو مذهبه في سائر الألفاظ الشرعية ، بل لفظ الصلاة مستعمل في حقيقته اللغوية وهي الدعاء فإذا قيل له الدعاء ليس مجزئا وحده ويصح بغير طهارة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يقبل الله صلاة بغير طهور . نقول عدم الإجزاء لدلالة الأدلة على ضم أمور أخرى للدعاء لا من لفظ الصلاة وإذا فرعنا على الأول ، فهل لما نقل الشرع هذا اللفظ جعله متواطئا للقدر المشترك بين سائر الصلوات ؟ أو جعله مشتركا كلفظ العين في اللغة ؟ وهو اختيار الإمام فخر الدين محتجا بأنه يطلق على ما فيه [ ص: 7 ] الركوع والسجود ، وعلى ما لا ركوع فيه ولا سجود كصلاة الجنازة ، وعلى ما لا تكبير فيه ولا سلام كالطواف ، وعلى ما لا حركة للجسم فيه كصلاة المريض المغلوب وليس بين هذه الصور قدر مشترك فيكون اللفظ مشتركا .

قاعدة

تقربات العباد على ثلاثة أقسام : أحدها : حق الله تعالى فقط كالمعارف ، والإيمان بما يجب ويستحيل ويجوز عليه سبحانه وتعالى ، وثانيها : حق للعباد فقط بمعنى أنهم متمكنون من إسقاطه وإلا فكل حق للعبد ففيه حق الله تعالى وهو أمره بإيصاله لمستحقه كأداء الديون ، ورد الغصوب والودائع ، وثالثها : حق لله تعالى ، وحق للعباد والغالب مصلحة العباد كالزكوات والصدقات ، والكفارات ، والأموال المنذورات ، والهدايا ، والضحايا ، والوصايا ، والأوقاف ، ورابعها : حق لله تعالى ولرسوله والعباد كالأذان فحقه تعالى التكبيرات والشهادة بالتوحيد ، وحق رسوله - عليه السلام - الشهادة له بالرسالة ، وحق العباد الإرشاد للأوقات في حق النساء والمنفردين ، والدعاء للجماعات في حق المقتدين ، والصلاة مشتملة على حق الله تعالى كالنية والتكبير والتسبيح والتشهد ، والقيام والقعود والركوع والسجود ، وتوابعها من التورك ، والكف عن الكلام ، وكثير الأفعال وعلى حقه - عليه السلام - كالصلاة عليه والتسليم ، والشهادة له بالرسالة وعلى حق المكلف وهو دعاؤه لنفسه بالهداية والاستعانة على العبادة وغيرها ، والقنوت ودعاؤه في السجود والجلوس لنفسه وقوله سلام علينا ، وعلى حق العباد كالدعاء لهم بالهداية والقنوت ، وطلب الإعانة والسلام على [ ص: 8 ] عباد الله الصالحين ، والسلام على الرسول - عليه السلام - والتسليم آخر الصلاة على الحاضرين .

فلذلك كانت الصلاة أفضل الأعمال بعد الإيمان .

تمهيد : قال صاحب المقدمات كان المفروض من الصلاة قبل الخمس ركعتين غدوا ، وركعتين عشيا ما كان عليه السلام يصلي بمكة تسع سنين وفرضت الخمس قبل الهجرة بسنة ، وقال إمام الحرمين ، وابن مسلمة من أصحابنا : فرض الصلوات الخمس ناسخ لما كان يجب على الناس من قيام الليل ، قال إمام الحرمين : وقيل وجوبه لم ينسخ عنه عليه السلام في خاصته ، قال صاحب الاستذكار : لم تختلف الآثار ، ولا العلماء في أن الصلاة أنها فرضت بمكة ليلة الإسراء أتى جبريل من الغد لصبيحة الإسراء فصلى به الصلوات لأوقاتها في يومين ، لكنهم اختلفوا في كيفية فرضها ، فروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها فرضت ركعتين ركعتين ، ثم أكملت صلاة الحضر أربعا ، قال الشافعي ، والحسن البصري ، وبعض رواة هذا الحديث : الزيادة كانت بالمدينة ، وقال ابن عباس ، وعمر بن الخطاب : فرضت أربعا أربعا إلا المغرب فرضت ثلاثا والصبح ركعتين ، ويعضده قوله تعالى : ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ) وقوله عليه الصلاة والسلام : إن الله وضع عن المسافر الصوم ، وشطر الصلاة ، وقوله عليه السلام : إنما هي صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته - يعني القصر . وهذا كله يدل على أن الأصل الإتمام ، قال : وحديث عائشة - رضي الله [ ص: 9 ] عنها - أصح إسنادا . والجواب له عن النصوص أن ذلك بعد الإتمام بالمدينة ، ويدل على وجوب الصلاة الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، أما الكتاب فقوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات ) وقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وهي : الظهر ، والعصر ( إلى غسق الليل ) : المغرب ، والعشاء ( وقرآن الفجر ) : الصبح قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومالك بن أنس في جماعة وأما السنة فقوله - عليه السلام - في الموطأ : خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة ، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة . وفي الترمذي أنه عليه السلام قال : أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب تبارك وتعالى : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله على ذلك . وفي الكتاب اثنان وعشرون بابا .

التالي السابق


الخدمات العلمية