[ ص: 48 ] النظر الأول : في السبب .
وفي الجواهر :
ضابطه انتهاك الفرج المحرم بالوطء المحرم في غير ملك ولا شبهة .
وفي التنبيهات : له عشرة شروط :
البلوغ ،
والعقل ،
والإسلام ،
وعدم الشبهة في الموطوءة بملك أو نكاح ،
ومغيب الحشفة في قبل أو دبر .
وكونهما غير مكرهين ، ولا جاهلين بالتحريم ، فهذه في الجلد . وفي الرجم :
الإحصان ،
والحرية أصاب
آدمية حية في سن من يطيق الرجل . واختلف في مقارب البلوغ ، وفي النصراني ، وفي
المصيب صغيرة لا تطيق الرجل ، أو
ميتة أو
بهيمة ،
والمكره ،
والجاهل بتحريم الزنا . ففي المدونة : إن لم يحتلم وأنبت يحد . وكرهه
ابن القاسم لعدم التكليف . والأول
لحديث بني قريظة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل من ينظر إلى الموقوفين ، فمن أنبت جرى عليه حكم الرجال .
وفي المدونة يحد بالصغيرة إذا كان مثلها يوطأ ، وإلا فلا . وقال
ابن القاسم : يحد وإن كانت بنت خمس سنين . وفي كتاب الرضاع : يحد بالميتة ; لأنها آدمية محرمة الوطء . وفي الزاهي : لا يحد ; لأنها لا تشتهي غالبا . ولا خلاف أنه لا صداق لها . وإن
زنى بنائمة حد ولها الصداق . ولا يحد
بالبهيمة عند
ابن القاسم لتعذر قياسها على الآدمية بقيام الفارق . وفي الثاني : حد ; لأنه فرج محرم ، وعن
مالك : لا يحد
النصراني ويرد إلى أهل دينه ، ويعاقب إن
[ ص: 49 ] أعلنه ، وقال
المغيرة : يجلد بكرا أو ثيبا ، وإن
استكرهت هي لم تحد ، وإن أكرهته حدت ، وفي حده قولان . وإن أكرها جميعا لم يحدا ، ويختلف فيه بناء على الإكراه يتأتى معه الزنا أم لا . والصحيح يتأتى ; لأن الزنا لا يتوقف إلا على إيلاج الحشفة في الفرج ، وهو غير متوقف على الانتشار ; ولأن اللذة والانتشار طبيعتان عند ملاقاة الملتذ ، فلا يمنعهما الإكراه كاللذة بالشم والذوق . والإكراه لا يجوز الإقدام لحق المرأة ، وإن كان بالقتل . وإن فعل أثم ، وعليه الصداق . وإن استكرهته هي بالقتل جاز الإقدام ; لأنها أباحت نفسها .
وأوجب في الكتاب الحد على
الأعجمي وحديث الإسلام والجاهل بالتحريم . ومنعه أصبغ لعدم وجود الجرأة على محارم الله ، وإن كان
أحدهما مجنونا أو صغيرا ، حد العاقل البالغ ، وعوقب المجنون والصبي ; استصلاحا له ( كتأديب البهيمة إن لم يطبق المجنون ) ، أو
أحدهما نصراني ، حد المسلم . وفي النصراني ثلاثة أقوال : يعاقب ، يحد ، ينتقض عهده .
ويحد المسلم بالحربية إن زنى بها في أرض الإسلام ، وكذلك أرض الحرب عند
ابن القاسم خلافا
لعبد الملك ; لعدم استقرار الملك في أرض الحرب . وفي
جارية من المغنم قولان .
وفي هذا النظر ستة عشر حكما .
الأول : في كتاب القذف : إذا جهلت البينة الموطوءة حد ، إلا أن يثبت إباحتها ، أو يكونا طارئين ، فلا شيء عليه إذا قال هي امرأتي أو أمتي ، وأقرت له بذلك . إلا أن تقوم بينة بخلافه ; لأن الأصل عدم المبيح ، ولأن شأن النكاح الإعلان . قال
ابن يونس : قال
مالك : سواء وجد مع امرأة يطؤها ، أو أقر بذلك وادعى المبيح . ولا تقبل فيه شهادة أبيها ولا أخيها ، إلا أن يكون سمع وعرف ، فلا يحد . ولا بد من جديد عقد بعد الاستبراء . قال
عبد الملك : إن قال وطئت فلانة بنكاح ، أو اشتريت أمة فلان
[ ص: 50 ] فوطئتها ، لا يكلف بينة ، وإنما يكلف إذا وجد معها يطؤها . ( قال
ابن حبيب وقاله علماؤنا ) ، وقد غلط فيه بعض من يشار إليه . قال
عبد الملك : وإن
رأوه يطأ ، ولم يعلموا حالها ، فقال : كانت زوجتي وقد طلقتها ، أو أمتي وقد بعتها وهو معروف أنه غير ذي امرأة ولا جارية ، صدق ، ولا تلزمه بينة ، ولو وجد معها كلف البينة إن لم يكن طارئا ; لأنه أحدث في معينة نكاحا وملكا وهي تعرف بغير ذلك ، والأول ادعى مجهولة ، ولو لم يدع ذلك وقال كذب الشهود ، حد .
الثاني . في الكتاب : إذا
تزوج خامسة أو مبتوتة منه ثلاثا قبل أن تنكح غيره ، أو أخته من الرضاعة أو النسب ، أو ذات محرم عالما بالتحريم حد ، ( ولا يلحق به الولد ; لضعف العذر فيهن ) ، أو امرأة في عدتها ، أو على خالتها أو عمتها ، أو نكاح متعة ، عوقب ولا يحد . في النكت : لأنه تحريم بالسنة ، ويحد في
الجمع بين أختي النسب لتحريمه بالكتاب ، وهو أصل يعتمد عليه ، والفرق بين الواطئ أمة يدعي شراءها ، فيطالب البائع باليمين . فينكل ، فيسقط الحد عن الواطئ إذا حلف وقضي له بها ، وبين السارق يدعي على رب المتاع أنه يعلم أنه له فينكل ، أن القطع يتحتم ، وإن حلف السارق واستحق المتاع ، أن شأن الوطء الشهرة بخلاف المتاع . قال
ابن يونس : روي عن النبي - عليه السلام - (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349858ادرأو الحدود [ ص: 51 ] بالشبهات ) ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن
إبراهيم : ( خطأ الحاكم في العفو خير من الخطأ في العقوبة ) ويريد
ابن القاسم في ذوات المحارم والمبتوتة والخامسة ونحوهما ، إلا أن يعذر بالجهالة فلا حد عليه .
الثالث : في الكتاب : إن
ادعى نكاحها ، وصدقته هي ووليها ، وقالوا : عقدنا ولم نشهد ونحن نشهد الآن ، حد الرجل والمرأة إلا ببينة غير الولي للتهمة ، وإن جلدا بعد انتفاء النكاح بغير الاستبراء . وإن
ادعى شراء الأمة فنكل البائع ، وحلف الواطئ ، درئ عنه الحد ; لأن الوطء شأنه الكتمان . قال
ابن القاسم ، وقال
أشهب : إن كانت بيده لم يحد ولحق به الولد ، ويحلف البائع ما باع ، ويأخذها ويتبعه بقيمة . وإن لم تكن في يده حد إذا لم يعف بجور ، ولا يلحقه الولد ، ويحلف السيد ويأخذها وما ولدت ، فإن نكل ، حلف الواطئ ، وبقيت له أم ولد ، ولا يلحقه الولد ; لأنه حر ، ولا يسترق الولد ولا أمته ; لإقراره بمانع ذلك ، ولا يسقط الحد بنكول السيد ; لأن تصديقه لا يسقط الحد ، ولا يسقط بشاهد مع إقرار السيد ، ويسقط بشاهد وامرأتين استحسانا ; لأن ذلك يوجب الملك ، وخالفه
ابن القاسم فقال : إذا نكل السيد حلف الواطء وصارت له ، ويسقط الحد ، وقال : إذا أعتق عبد ومال ، فشهد رجل وامرأتان بدين ، يرد العتق ، وكذلك لو حلف مع الشاهد
[ ص: 52 ] أو لم يقم شاهدا ، وطلب تحليف المعتق ، فنكل ، وحلف ، وكذلك إن تزوج أمة ، وأقام سيدها رجلا وامرأتين أن زوجها ابتاعها منه ، حرمت على زوجها ، مع امتناع شهادة النساء في العتق والطلاق .
الرابع : في الكتاب :
ليسأل الشهود عن كيفية الرؤية والفعل ، فإن ظهرت ريبة ; بطلت الشهادة ، وإذا قبلت قبل قوله : إنه بكر فيدسه ، إلا أن يشهد بالإحصان شاهدان ، فيرجم ; لأن الأصل عدم الزواج ، ولا يقبل في الإحصان شهادة نساء معهن رجل أم لا . قال
ابن يونس : لا يسأله أبكر هو حتى يكشف عنه ، فإن وجد علما وإلا سأله ، وقبل قوله بغير يمين . قال
اللخمي : قال
محمد : إن
غاب الشهود قبل أن يسألوا غيبة بعيدة ، أو ماتوا ، أقيم الحد إن كانوا من أهل العلم بما يجب به الحد . قيل
لابن القاسم : إن
أقر هل يسأل كما تسأل البينة ؟ قال : الذي جاء في الحديث (
أبصاحبكم جنة ؟ ) ، ولم يسأله . قال
اللخمي : هو كالبينة ، يسأل إن أشكل أمره . وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ماعزا - بالنون والكاف - . قال
محمد : إن قال إذا شهدت البينة : أنا عبد ، وهو محصن ، لم يصدق ; لاتهامه بإيثار الرق على القتل ، وإن كان بكرا صدق ، كذلك في القذف والشرب ، يحد حد العبد ; لأنه لا يتهم في إرقاق نفسه . قال
اللخمي إن لم يكن
[ ص: 53 ] طارئا لم يعجل رجمه إن كان ثيبا ، ولم يصدق إن كان بكرا وكلف بيان لمن هو مملوك ، فإن تبين كذبه حمل على أحكام الحر ، أو صدقه فأحكام العبيد ، وإن كان طارئا وبلده قريب فكذلك ، أو بعيد وثم قرينة عجمة لسان ، أو تغير لون تقم أحكام الأحرار ، وإن لم تكن قرينة ، وقال : أسجن حتى يثبت أني عبد ، لم يرجم ، وكذلك الجواب إن قال : هو يهودي أو نصراني .
الخامس : في الكتاب إن
قالت : زنيت مع هذا ، وقال : هي زوجتي ، أو
وجدا في بيت فأقرا بالوطء ، وادعيا النكاح ، ولم يأتيا ببينة ، حدا ; لأن الأصل : عدم السبب المبيح . ويحد واطئ الصغيرة يوطأ مثلها . والمرأة يطؤها صبي يجامع مثله وإن لم يحتلم ، ولا حد عليها ، بخلاف أن يطأها مجنون ; لأن اللذة تحصيل مقصود الوطء مع الإنزال . ويحد المسلم بالذمية ، وترد هي لأهل دينها ، ويجب
الحد والصداق في المجنونة والنائمة والمغصوبة . قال
ابن يونس : قال
محمد : لا صداق للصغيرة على البالغ ، قال
ابن يونس : وإن
كان غير البالغ يلتذ به وتنزل المرأة بجماعه ، ينبغي أن يكون عليها الحد ; لنيلها ما ناله الكبير من الصغيرة .
ويحد الحي بالميتة ، ولا صداق ، كما لو قطع عضوا لم يلزمه أرش ،
وآتي البهيمة يؤدب ولا يحد ، وإن غصب امرأة فالحد والصداق ، وقال
أشهب : إن
أقرت أنها زنت ، وقال : أنا تزوجتها ، لا حد عليه ; لأنه لم يعترف بوطء إلا في نكاح ، وتحد هي ، بخلاف إن
أخذ مع أمرأة ، فادعى نكاحها ; لأنه أخذ فهو يدفع عن نفسه . وسوى بينهما
ابن القاسم .
السادس : في الكتاب : لا يعذر العجم بدعوى الجهالة ، ولا المرتهن باعتقاد الحل في المرهونة عنده ، ولم يأخذ
مالك بما جاء في الحديث :
[ ص: 54 ] (
زنيت بمرغوس بدرهمين ) . في التنبيهات ، يقال : بفتح الميم وسكون الراء والغين المعجمة وسين مهملة ، يعني أسود ، وقيل : اسم عبد أسود مقعد ، وقيل : قوله بدرهمين ، ( تفسير لمرغوس ) : أي : بدرهمين وهو ضعيف ; لأن
عمر - رضي الله عنه - استفهمها ، وكانت نوبية معتقة
nindex.php?page=showalam&ids=195لحاطب بن أبي بلتعة ، فقالت : بدرهمين من مرقوص - بقاف - . قال
الشيرازي في طبقات الفقهاء : وقعت في خلافة
عمر - رضي الله عنه - فاستشار
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف وغيره ، فقالوا : عليها الحد ، وقال
عثمان من بين الجمع : لا حد عليها ; لأنها يظهر أنها تعتقد أنها ما صنعت مكروها ، والحدود إنما هي لمن يعتقد ذلك ، فأخذ
عمر - رضي الله عنه - بقوله . ( فهو أثر لا حديث ) . قال
ابن يونس : العارية والمستأجرة كالمرهونة ، وإنما ترك
مالك الحديث ; لأن الزنا اليوم اشتهر تحريمه بخلاف ذلك الزمان ، وأخذ
أصبغ بحديث مرغوس ، ودرأ الحد عن الجاهل للزنا كالسبي ونحوه .
السابع : في الكتاب : إن اشترى من يعلم بحريتها حد إن أقر بوطئها ، وقال
ابن القاسم : لا تحد هي إن أقرت له بالملك ، وقال
الأبهري : تحد إن علمت أنها حرة ; لأنها يلزمها أن تمنعه نفسها ، أو تدعي الحرية ، فلعله يصدقها ، أو يكف عنها ، فإن أكرهها فلا ، حد عليها .
الثامن : في الكتاب : شروط الشهادة في الزنا : أن
يشهد أربعة في وقت واحد ، وعلى وطء واحد ، في موضع واحد بصفة واحدة ; لأنهم مأمورون بالستر ، فحيث
[ ص: 55 ] خالفوا شدد عليهم ، ولأن الزنا فعلان ، فاحتاج كل منهما إلى شاهدين ، ويسألهم الإمام ، فإن
وصف ثلاثة ، وقال الرابع : رأيته بين فخذيها ; حد الثلاثة للقذف ، وعوقب الرابع ،
وإن لم يصفوا ، حدوا للقذف دون المشهور عليه ، وإن
شهد اثنان أنه زنى بها في قرية كذا ، وقال الأخران : قرية أخرى ، حدوا كلهم للقذف . وكذلك بالفعلين المختلفين . قال
الطوطوشي ، إن شهد الأربعة على فعلين ، أو عن موطوئتين ، قولان : قال
ابن القاسم : لا ينظر القاذف ويحده ، ومن شهد معه بأنه فعل ، فأتى القاذف بالشهود فشهدوا في وقتين قبلت ، وحد الزاني ، قال
محمد : إن ادعى بينة بعيدة ، حد ، وإن جاء بهم بعد ذلك سقطت عنه الجرحة ، وإذا وصف ثلاثة دون الرابع ، قيل : لا عقوبة على الرابع ، ولو
شهد اثنان بالزنا في زاوية بيت ، واثنان في زاويته الأخرى ، لم يحد . وقال
عبد الملك : لا يضر
الاختلاف في الأيام والمواطن ، أتوا مجتمعين أو مفترقين ، وقال ( ش ) ، ووافقنا ( ح )
وأحمد ، لنا : إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - فإن
عمر - رضي الله عنه - جلد
أبا بكرة وصاحبيه حين شهدوا على
المغيرة بالزنا ، ولولا أن الإجماع شرط لكان ينتظر الرابع ، وذلك أن
أبا بكرة وأصحابه كانوا في غرفة ، فهبت الريح ، ففتحت الباب ، فرأوا أسفل الدار
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة بين رجلي المرأة ، فقالوا : قد ابتلينا بهذا ، فلما خرجوا للصلاة تقدم
المغيرة وكان أميرهم فقالوا : لا ندعك تتقدم ، وقد رأينا منك ما رأينا ، فقيل : إن هذا واليكم فاكتبوا فكتبوا ، فدعاهم
عمر فشهد ثلاثة فلما تقدم
زياد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : رجل شاب ، أرجو أن لا يفضح الله على لسانك رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : رأيت استا يربو ، ونفسا يعلو ، ورجلان كأنهما أذنا حمار ، ولا أدري ما وراء
[ ص: 56 ] ذلك ، فقال
عمر : الله أكبر ، ودرأ الحد عن
المغيرة ، وحد الثلاثة ولم يسألهم عن رابع ، فلما جلد
أبا بكرة ، قال : أشهد ألف مرة أنه زنى ، فهم
عمر بجلده من الرأس ، فقال
علي : إن كنت تريد أن تجلده فارجم صاحبك . وهذه قضية بمشهد الصحابة - رضي الله عنهم - وانتشرت ولم ينكر أحد . ومعنى قول
علي : أنه إن كان هذا قذفا ، فالأولى شهادة ، فقد كملت الشهادات أربعا . وإن كان الأول قذفا ، فهذا إعادته ، فما تجدد شيء ، بل أعاد الأول ، وقد ترتب على ذلك موجبه ، ويحتمل : إن جلدت هذا مع أنه ليس عليه جلد فارجم الآخر وليس عليه رجم ، فإن قيل : كيف ساغ له أن يلقنه ما يرجع به عن الشهادة مع أن فيه توجه الحد على أصحابه وإنما لم ينتظر رابعا ; لأن
أبا بكرة وأخاه
نافعا وشبل بن معبد وزيادا والمغيرة نزلوا في دار ، فالأمر محصور بينهم .
قلنا : للإمام عندنا أن يفعل ذلك ويحتال لسقوط الحد ، وهو كقوله - عليه السلام -
لماعز : لعلك قبلت ، لعلك لمست ، والتحامل عليهم أولى ; لأنهم كانوا مندوبين إلى الستر ، والقضية جرت
بالبصرة ، وكتب بها إلى
المدينة ، فمن أين يعلم
عمر أنه ليس ثم خامس أو سادس مع أن الحد يدرأ بالشبهة ، ولما استحب التلقين ، استحب التأخير ، فلما جزم بالحد علم ما قلناه ، ولأن الإقرار بالزنا اختص بأمرين : التصريح ، وعدم الرجوع ، فتختص الشهادة بما يؤكدها عن سائر الشهادات ، ولأنهم إذا اجتمعوا ثبت الزنا فلم يتحقق القذف . احتجوا بقوله تعالى : (
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) ، ولم يخصص ، وبالقياس على سائر الحقوق .
والجواب عن الأول : أنه مطلق في الأحوال ، وقد أجمعنا على العمل به في هذه الصورة ، فسقط العمل به في غيرها ، ولأنا نؤكد ذلك بالمعنى أن الاجتماع
[ ص: 57 ] ينفي الريبة بخلاف الافتراق ، ولأن الأقاويل التي يشترط بعضها في بعض يعيدها افتراق المجلس كالصرف وسائر الروايات ، ولأن اجتماعهم يخرجهم عن القذف ; لحصول موجب الزنا دفعة .
وعن الثاني : الفرق بأن سائر الحقوق لا يتجه على الشاهد فيها شيء ، بخلاف الزنا يتجه عليه حد القذف ، فاشترط الإجماع دفعا لحد القذف عن الشهود ، ولأن ، الافتراق يفضي إلى نقض حكم الحاكم ، فإنه إذا لم يكمل النصاب وقد مضى بأن الأول شهادة فيصير قذفا ، وسائر الحقوق لا ينتقض فيها حكم ، ولأنه لو قذف ثلاثة لم يكمل عددهم ، ثم جاء رابع ، لم تقبل شهادته ، فعلم أن المجلس شرط .