[ ص: 90 ] الجناية الرابعة
القذف .
وأصله : الرجم بالحجارة ونحوها ، ثم يستعمل مجازا في الرجم بالمكاره . فمن الحقيقة قوله تعالى : (
ويقذفون من كل جانب دحورا ) . وفيه ستة أبواب : الباب الأول
في
ألفاظ القذف
وهي قسمان : قذف ، ونفي ، وكلاهما قسمان : صريح وكناية ، فهذه أربعة فصول : الفصل الأول : في
صريح القذف . وهي الرمي بالزنا أو اللواط . قال بعض العلماء : يجب الحد بذلك دون الرمي بما هو أعظم منه من القتل والكفر ; لأنه لا يقدر أن يقيم بينة على عدم الزنا في الزمان الماضي ، وليس بشيء ; لأنه مشترك الإلزام ، فلا يقدر على إثبات نفي القتل في الزمن الماضي ، إلا أن يقول : يقدر بأن يثبت أنه كان حيا في ذلك الوقت ، فيقال له : وكذلك يثبت أنها كانت في بلد آخر غير الذي قذفه بالزنا به إن قيده كما قيد القتل ، وإن تعذر في الفصلين ، فالحاصل : أن تعيين هذين للقذف دون غيرهما ، يحتاج إلى نظر . وفي الكتاب : إذا
[ ص: 91 ] رماه بلواط أو زنا ، حد أو
ببهيمة ، أدب ; لأن آتي البهيمة لا يحد ، وإن
قذفهما ، ثم أقام بينة أنهما زنيا حالة الصبا أو الكفر ، حد ; لأن هذا ليس بزنا ، وإن
قال لهما وقد عتقا : زنيتما حال رقكما ، أو قال : يا زانيا ، ثم أقام بينة أنهما زنيا حالة رقه ، لم يحد ; لأنه في الرق زنى ، فإن لم يقم بينة ، حد لكذبه ظاهرا . ومن رمى واطئ أمة يلحقه بذلك النسب ، أو امرأته حائضا ، حد القاذف ; لأن هذا ليس بزنى . وإن
قال لامرأة : يا زانية ، فقالت : بك زنيت ، حدت للزنا وللقذف ، للاعتراف ، إلا أن ترجع فتحد للقذف . لا يحد الرجل ; لأنها صدقته . أو
قال : يا ابن الزانية ، وقال : أردت جدة له لأمه ، وقد عرفت بذلك ، حلف : ما أراد غيرها ، ويعزر للأذية ، ولا يحد ; لأن المقول له يصدق عليه أنه ابن جدته ، وكل من أدنى زانية ، نكل . قال
ابن يونس : إن
قال : يا لوطي ، أو يا فاعل فعل قوم لوط ، حد ، وليس للقاذف تحليف المقذوف ، ما زنى . وإن علم المقذوف من نفسه أنه زنى ، فحلال له أن يحده ; لأنه أفسد عرضه . قال
أشهب : إن
قال : زنيت في صغرك أو رقك ، في غير مشاتمة ، لم يحد ، وإلا حد إلا أن يقيم بينة . وإن قال :
زنيت مستكرها ، حد ، إلا أن يقيم بينة . وفي الموازية : يحد وإن أقام بينة ; لأنها ليست بذلك زانية . ومن
قذف مستكرهة ، حد ، وإن
قال : كنت في نصرانيتك قذفتك بالزنا ، فإن كان إنما سألها العفو . أو أخبر به على وجه الندم ، لم يحد ، وإن لم يعلم له عذر ، حد .
وقال
أشهب : إن كان في مشاتمة حد ، وإلا فلا ; لعدم النكاية بذلك ، وإن
[ ص: 92 ] وطئ أمة له مجوسية فقذفه ، أحد بالزنا حد ; لأنه يحد من وطئ المجوسية ، وإن
قال لمجنون حال جنونه : يا زان ، حد . قال
محمد : إلا أن يكون مجنونا من الصغر إلى الكبر لم يفق ; لأنه لا يلحقه اسم الزنا حينئذ ، وإذا
قال : يا زانية ، فقالت : بك زنيت . قال
أشهب : لا تحد إن قالت : إنما أردت المجاوبة دون القذف والإقرار بالزنا ، فيجلد الرجل ولا تجلد هي لزنا ولا قذف . وقال
أصبغ : يحد كل واحد لصاحبه ، وإن قالت ذلك ; لأن كل واحد قاذف الآخر لا مصدق له . وعن
ابن القاسم : إن
قال ذلك لامرأته ، فقالت له : بك زنيت ، لا شيء عليها ; لأنها تقول : أردت إصابته إياي بالنكاح ، أي : إن كنت زنيت فبك ، ولا حد عليه هو ولا لعان . وإن
قال له : يا زان ، فقال له الآخر : أنت أزنى مني ، فعليهما الحد . وفي الجواهر : قال
أصبغ : أزنى مني ، إقرار بالزنا ، ومحمله محمل الرد لما قاله . وفي النوادر : يا ذا
الذي تزعم المرأة أنه اغتصبها ، أو الصبي أنه نكحه ، إن قاله في مشاتمة ، حد ،
وزنى فرجك أو دبرك ، يحد ، وإن
قال : من يقول كذا فهو ابن زانية ، فيقول رجل : أنا قلته ، فإن قامت بينة أنه قاله ، حد له ، وإلا فلا ( قاله
ابن القاسم ) . قال
مالك :
إن لم يكن فلان أصلح منك ، فأنت ابن زانية إن أقام بينة أنه أصلح منه ، نكل للأذية ، وإلا حد للقذف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إن
قال : إن لم يكن عبدي خيرا منك ، فأنت ابن عشرة آلاف زانية ، حد ; لأن العبد لا يكون خيرا من الحر . وفي الموازية ، يا ذا
الذي جده نصراني ، فقال : إن كان جدي نصرانيا ، فأنت ابن زانية ، فوجد جده نصرانيا ، حلف أنه أراده ، ويؤدب . قال
عبد الملك :
من شهد علي ، فهو ابن زانية ، فشهد عليه رجل ، حد القائل . قال
مالك : إن
قال قبل أن يرميه أحد : من رماني منكم ، فهو ابن الزانية ، فرماه أحدهم ، لم يحد ، ويعزر ، وكذلك من لبس ثوبي ، أو ركب دابتي ، يريد : من فعله في
[ ص: 93 ] المستقبل ، وإن أراد من قد كان فعله قبل قوله ، حد وإن كان قذفه لم يفعل مستقبلا مالا يملك المقذوف منعه منه ، فإنه يحد قبل الفعل إن كان من الأمور العامة ، كدخول المسجد والحمام . وإن كان خاصا كركوب دابة ، فلا يحد حتى يفعل أحد ذلك .
فرع :
في الجواهر : إن
قال للرجل : يا زانية بالتاء ، وللمرأة بغير تاء ، حد .
فرع :
إن
قال : زنى فرجك ، أو عينك أو يدك ، حد عند
ابن القاسم . وقال
أشهب : لا يحد ; لأنه كذب ، إلا على وجه المجاز .