الأثر السابع المرتب على الجناية :
الكفارة . وأصلها قوله تعالى : (
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) - إلى قوله تعالى : (
فصيام شهرين متتابعين ) الآية ، وفي الجواهر :
كل حر مسلم قتل حرا مسلما معصوما خطأ فعليه تحرير رقبة مؤمنة سليمة من العيوب ليس فيها شرك ولا عقد حرية كما تقدم في الظهار ، فإن لم يجد : فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع انتظر القدرة على الصيام ، أو وجود الرقبة ، ولا إطعام فيها لعدمه في الآية ، وتجب في مال الصبي والمجنون ; لأنه من باب الإتلاف ، ولا تجب في قتل الصائل ; لأنه مباح الدم ، ولا على من قتل من نفسه لعظم جريمته ، وثبتت في شبه العمد على الرواية المثبتة له ، ويستحب في العبد والذمي لقصورهما عن الحر المسلم ، وفي العمد إذا عفا عنه ; لأن العمد أعظم من أن يسيره كفارة
[ ص: 418 ] الخطأ ، والشريك في القتل عليه كفارة كاملة ، ولا تجب في الجنين حيث الغرة . وفي الكتاب : هي مستحبة فيه . قال
ابن يونس : قال
مالك إن سقت ولدها دواء فشرق فمات : الأحسن الكفارة عن غير وجوب ، وكذلك الطبيب يسقي الدواء فيموت المريض . وفي النوادر : إن
قتل جماعة رجلا خطأ . قال
مالك : على كل واحد كفارة ، وإن دفع دابة لصبي يمسكها فقتلته . فعلى عاقلته الدية ولا كفارة عليه ; لأن الكفارة فيما خرج عن يده من عمد أو خطأ ، وكذلك بئر يحفرها حيث لا يجوز له ، أو يربط دابة بموضع لا يجوز له ، فالدية دون الكفارة ، ومن أمر رجلا أن يضرب عبده أو أعانه على ضربه فمات فلا ضمان ، وليكفر .
تنبيه : قال ( ح ) : لا تجب في قتل العمد كملك ، وقال : تجب في الخطأ وشبه العمد ، وخالفنا في العبد والجنين والذمي فأوجبها . وقال ( ش ) : يجب في كل آدمي معصوم الدم عمدا أم لا ، مسلما أم لا ، حرا أم لا ، أو أجنبيا . لنا في العمد : قوله تعالى : (
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وهو اعتدى بالقتل فلا يلزمه غيره ونظائره ، ومن أقواها قوله تعالى : (
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) الآية ، وقوله تعالى : (
ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) الآية ، فإن جزاء الشرط كاف في الترتب على ذلك . فلا تلزم الكفارة ، ومفهوم آية الخطأ يقتضي عدم الكفارة في العمد ، كما اقتضى عدم الدية ; ولأن الكفارة وضعها الستر ،
[ ص: 419 ] وسائر الأدنى الذي هو الخطأ لا يصلح لستر الأعلى الذي هو العمد ; ولأنه معنى يوجب القتل فلا يوجب الكفارة كالردة والزنا ; لأن الكفارة لا تسقط إثم الكفر فما دونه غير ما أجمعنا عليه ، فنقيس عليه . احتجوا بما روى واثلة بن الأسقع قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد استوجب النار ، فقال عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349969أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار ) وقال
عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعتق عن كل موءودة رقبة ) والقياس على قتل الخطأ بجامع الدم المعصوم ، وبالأولى ; لأن الكفارة لتكفير الذنوب ، وهي في العمد دون الخطأ ، ولأنه دم معصوم فيستوي عمده وخطؤه كالسيد .
والجواب عن الأول : أن المحفوظ استوجب النار ولم يذكر القتل ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجبها عليهم لا عليه ، وأنتم لا تقولون به .
وعن الثاني : أن
المشركين إذا قتل بعضهم بعضا لا كفارة اتفاقا ، فما دل عليه لا تقولون به ، وما تقولون به لم يدل عليه .
وعن الثالث : الفرق ، أن العمد أعظم إثما فلا يستره سائر الخطأ .
وعن الرابع : أن ذلك من الجبر ، والجابر يستوي فيه العمد والخطأ كالأموال ، والكفارة هاهنا لا تجبر على المقتول شيئا ، ووافقنا ( ش ) في إيجابها في مال المجنون والصبي ، وزاد وجوبها على الذمي ، وقال ( ح ) : لا
[ ص: 420 ] يجب إلا على مكلف . لنا : آية الخطأ . وهي عامة . احتجوا بقوله عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349970رفع القلم عن ثلاثة ) فذكر الصبي والمغمى ، وقياسا على الصوم فإنه لا يكفر به ، وهو أحد جزءي الكفارة ، أو واجب فلا يتوجه عليه كالصوم والصلاة .
والجواب عن الأول : أن المراد الإثم ، ونحن لا نؤثمه إذا لم يفعل ، بل نخرجه من ماله كجزاء الصيد ، وقيمة المتلف .
وعن الثاني : أن الصوم عبادة بدنية تتوقف على التكليف وصحة القصد ، والعتق مال يمكن للولي إخراجه .
وعن الثالث : جواب الثاني ، فأوجب ( ش ) و ( ح )
الكفارة في الجنين والعبد . لنا : أن الله تعالى في الآية إنما أوجب الكفارة في قتل النفس الموصوفة بالإيمان ، والجنين ليس بمؤمن ، والعبد يباع فلا تجب به ; كالعروض والبهائم . احتجوا بأن الآية تناولت المؤمن ، والعبد مؤمن ، والذمي مؤمن فتجب فيه كالحر ، والإشارة في الجنين إلى أنه هل هو كعضو من أمه ؟ ولذلك لا يغسل ولا يصلى عليه ، والأعضاء لا كفارة فيها ، أو يلاحظ أنها نفس وروح ؟ . لنا : أن الأصل براءة الذمة ، ومفهوم أنه القتل . احتجوا : بأنه يضمن بالغرة فتضمن بالكفارة كالكبير .
والجواب عن الأول : أن المراد الحر لذكر الدية ، والعبد لا دية فيه .
وعن الثاني : أن ضمانه كضمان الجراح المقدرة ولا كفارة فيها . ولنا في الدين أنها عبادة تفتقر إلى النية فلا يصح منه كالصلاة . احتجوا بالقياس على القصاص والدية بجامع كونها آثار الجناية . والجواب : شائبة العبادة تمنع من ذلك وهي الفرق .