الفصل الخامس عشر : فيما تتوقف عليه الأحكام ، وهو ثلاثة : السبب ، والشرط ، وانتفاء المانع ، فإن الله تعالى شرع الأحكام ، وشرع لها أسبابا ، وشروطا ، وموانع .
وورد خطابه على قسمين :
خطاب تكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته ، وغير ذلك كالعبادات ،
وخطاب وضع لا يشترط فيه شيء من ذلك ، وهو الخطاب بكثير من الأسباب والشروط والموانع ، وليس ذلك عاما فيها ، فلذلك توجب الضمان على المجانين والغافلين بسبب الإتلاف لكونه من باب الوضع الذي معناه أن الله تعالى قال : إذا وقع هذا في الوجود ، فاعلموا أني حكمت بكذا ، ومن ذلك الطلاق بالإضرار والإعسار ، والتوريث بالأنساب ، وقد يشترط في السبب العلم كإيجاب الزنا للحد ، والقتل للقصاص .
إذا تقرر هذا فنقول :
السبب ما يلزم من وجوده الوجود ، ومن عدمه العدم لذاته ، فالأول احتراز من الشرط ، والثاني احتراز من المانع ، والثالث احتراز من مقارنته فقدان الشرط ، أو وجود المانع ، فلا يلزم من وجوده الوجود ، أو إخلافه بسبب آخر ، فلا يلزم من عدمه العدم .
والشرط : ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده الوجود ، ولا العدم لذاته ، فالأول احتراز من المانع ، والثاني احتراز من السبب والمانع أيضا ، والثالث احتراز من مقارنته لوجود السبب ، فيلزم الوجود عند وجوده أو قيام المانع ، فيقارن العدم .
والمانع : ما يلزم من وجوده العدم ، ولا يلزم من عدمه وجود ، ولا عدم لذاته ، فالأول احتراز من السبب ، والثاني احتراز من الشرط ، والثالث احتراز من
[ ص: 70 ] مقارنة عدمه لوجود السبب ، فالمعتبر من المانع وجوده ، ومن الشرط عدمه ، ومن السبب وجوده وعدمه .
( فوائد خمس
الأولى : الشرط وجزء العلة كلاهما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ، فهما يلتبسان ، والفرق بينهما أن جزء العلة مناسب في ذاته ، والشرط مناسب في غيره كجزء النصاب ، فإنه مشتمل على بعض الغنى في ذاته ، ودوران الحول ليس فيه شيء من الغنى ، وإنما هو مكمل للغني الكائن في النصاب .
الثانية : إذا اجتمعت أجزاء العلة ترتب الحكم ، وإذا اجتمعت العلل المستقلة ترتب الحكم أيضا ، فما الفرق بين الوصف الذي هو جزء علة ، وبين الوصف الذي هو علة مستقلة ؟ والفرق بينهما أن جزء العلة إذا انفرد لا يثبت معه الحكم كأحد أوصاف القتل العمد والعدوان ، فإن المجموع يسبب القصاص ، وإذا انفرد جزؤه لا يترتب عليه قصاص ، والوصف الذي هو علة مستقلة إذا اجتمع مع غيره ترتب الحكم ، وإذا انفرد ترتب معه الحكم أيضا كإيجاب الوضوء على من لامس ، وبال ، ونام ، وإذا انفرد أحدهما وجب الوضوء أيضا .
الثالثة : الحكم كما يتوقف على وجود سببه يتوقف على وجود شرطه ، فبم يعلم كل واحد منهما يعلم بأن السبب مناسب في ذاته ، والشرط مناسب في غيره كالنصاب مشتمل على الغنى في ذاته ، والحول مكمل لحكمة الغنى في النصاب بالتمكن من التنمية .
الرابعة :
الموانع الشرعية على ثلاثة أقسام منها ما يمنع ابتداء الحكم ، واستمراره ، ومنها ما يمنع ابتداء فقط ، ومنها ما اختلف فيه هل يلحق بالأول ، أو بالثاني ، فالأول كالرضاع يمنع ابتداء النكاح واستمراره إذا طرأ عليه ، والثاني
[ ص: 71 ] كالاستبراء يمنع ابتداء النكاح ولا يبطل استمراره إذا طرأ عليه ، والثالث كالإحرام بالنسبة إلى وضع اليد على الصيد ، فإنه يمنع من وضع اليد على الصيد ابتداء ، فإن طرأ على الصيد فهل تجب إزالة اليد عنه ؟ خلاف بين العلماء ، وكالطول يمنع من نكاح الأمة ابتداء ، فإن طرأ عليه ، فهل يبطله ؟ فيه خلاف ، وكوجود الماء يمنع التيمم ابتداء ، فلو طرأ بعده ، فهل يبطله ؟ فيه خلاف .
الخامسة :
الشروط اللغوية أسباب ، لأنه يلزم من وجودها الوجود ، ومن عدمها العدم بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم ، والشرعية كالطهارة مع الصلاة ، والعادية كالغذاء مع الحياة في بعض الحيوان .