[ ص: 146 ] الباب الأول
في
بيان الاصطلاحات في علم الجبر والمقابلة
وهي الشيء ، والجذر ، والعدد ، والمال ، والكعب ، ويقال له المكعب بالميم أيضا .
فالشيء اسم للموجود لغة ، وفي الاصطلاح عدد مجهول ، وسمي العدد المجهول شيئا لاحتمال الشيء جميع الحقائق ، والعدد المجهول سائر المقادير ، فحصل التشابه فاستعير ووضع للمقدار المجهول من العدد ، والعدد يقال على الشيء والمال وغيرهما ، والشيء يقال على العدد وعلى الواحد الذي ليس بعدد ، فحينئذ كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه ، والواحد أعم منهما عموما مطلقا لصدقه عليهما ، لأن الواحد علة العدد ومنه يتركب ، والعلة واجبة الحصول مع المعلول ، وقد يوجد بدونها في الواحد المعلوم فإنه ليس بعدد ولا يقال له شيء ولا مال في الاصطلاح .
والجذر هو الشيء إذا ضرب في نفسه ، وكل عدد إذا ضرب في نفسه فقام منه عدد فهو جذر لذلك العدد ، وفيه ثلاث لغات للعرب ، جذر وجذر بفتح الجيم وكسرها وذال معجمة ، وجذم بكسر الجيم والميم بدل الراء ، وهو الأصل ، وفي غير الحساب بالدال المهملة ومنه قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349993اسق يا زبير حتى يبلغ الجدر " - بالدال المهملة - ، ولما كان أصل الحساب المرتفع سمي جذرا ، والجذر أعم من الشيء من وجه وأخص من وجه ، فإن الجذر قد يوجد في المعلوم ولا يقال له شيء في الاصطلاح ، كالثلاثة إذا ضربتها في نفسها فتكون تسعة ، ويوجد الشيء بدون
[ ص: 147 ] الجذر في العدد المجهول إذا لم يضرب فهو شيء في الاصطلاح واللغة ، ولا يقال له جذر لا لغة ولا اصطلاحا ، وقد يجتمعان في الشيء المضروب في نفسه فيصير مالا ، وهذا هو حقيقة الأعم من وجه ، والعدد هو على مسماه اللغوي ، وتقدم الخلاف هل أوله الواحد أو الاثنان أو الثلاثة ، ثلاثة أقوال .
والمال هو في الاصطلاح ما يحصل من ضرب الشيء في نفسه ، لأن المرتفع من ضرب الشيء أخص منه لكونه أكثر منه ، والأكثر أخص من الأقل ، ولما كان الشيء أعم من المال لصدقه على الإنسان الحر وليس مالا قيل للأخص منه مالا ، ويسمى المال مربعا أيضا ، وكل عدد ضرب في نفسه سمي الحاصل مربعا منقولا من الشكل المربع في مقادير المساحات ، فإنه إذا فرض سطح له أربعة أضلاع ، كل ضلع عشرة أو غير ذلك فإنهم يسقطون من كل ضلعين متقابلين أحدهما ويضربون أحد المتجاورين في الآخر .
مثاله : مربع أ ب د هـ كل واحد منها عشرة مثلا يكتفون بضلع أ عن ضلع ب ، وبضلع هـ عن ضلع د ، ويضربون ضلع هـ في ضلع أ يحصل مائة وهي مساحة لهذا المربع ، وعشرة في عشرة هو ضرب الشيء في نفسه ، وسمي ضرب الشيء في نفسه مربعا ، والمربع أعم من المال عموما مطلقا لا من وجه ، لأن كل مال مربع وليس كل مربع مالا ، لأن مربع الكعب وغيره لا يسمى مالا في الاصطلاح .
والكعب هو المرتفع من ضرب المال في الشيء من التكعيب ، والكعب لغة ما له طول وعرض وعمق وبروز ، ومنه
الكعبة الحرام ، والجارية الكاعب لبروز نهديها ، وكعوب الرمح لبروزها عنه ، ومساحة مثل هذا النوع ضرب طوله في عرضه ، وهما الضلعان المستويان كما تقدم ، ثم ضرب المتحصل في الجذور وهو أحدهما ، فإذا كان أحدهما اثنين يكون المتحصل من ضربه أربعة تضرب أربعة في
[ ص: 148 ] اثنين يكون التكعيب ثمانية ، ( وكذلك إذا كان الشيء اثنين يكون المال أربعة ، والكعب ثمانية ) ، ونظيره قول
المعتزلة في الجسم هو الطويل العريض العميق ، فإذا اجتمع جوهران كانا خطا ، فإذا اجتمع خطان كانا سطحا ، فإذا اجتمع سطحان كانا جسما ، وقالوا فلهذا أقل الجسم ثمانية جواهر ، فهو البحث بعينه ، فالشيء اثنان خط ، وإذا ضربته في نفسه حصل أربعة سطح ، وضربت السطح أربعة في اثنين حصل أربعة أخرى ، أطبقها على الأربعة الأولى حصل نسبة الخط الأولى الطول ، ونسبة الثاني العرض ، ونسبة إطباق أحد السطحين على الآخر العمق .
واعلم أن العدد بمنزلة الآحاد ، والشيء بمنزلة العشرة ، والمال بمنزلة المائة ، والكعب بمنزلة الألف ، وكما أنك كلما كررت العشرة ارتفعت مرتبة إلى غير نهاية ، فكذلك كلما كررت الشيء ارتفع إلى غير النهاية ، والارتفاع من مرتبة إلى التي تليها أن تبدل مالا بكعب أو كعبا بمال مال ، فيلي الكعب مال مال ثم مال كعب ، ثم كعب كعب ، ثم مال مال كعب ، ثم مال كعب كعب ، ثم كعب كعب كعب ، كذلك إلى غير النهاية ، فضرب الشيء في نفسه مال ، وضرب الشيء في المال كعب ، وضرب الشيء في الكعب مال مال ، وضرب الشيء في مال كعب كعب كعب ، فالمتحصل أبدا اضربه في الجذر الأول يحصل لك اسم المرتبة التي تلي المرتبة التي ضربتها ، وكرر فيها كذلك إلى غير النهاية على نمط واحد .
ومن المصنفين من يصعبه على المبتدئين فيقول : ضرب الشيء في نفسه مال ، والكعب اسم لما يتركب من ضرب المال في الجذر ، ويخالف من هاهنا فيقول : ومال المال اسم لما يتركب من ضرب المال في نفسه ، ومال الكعب اسم لما يتركب من ضرب المال في الكعب ، وكعب الكعب اسم لما يتركب من ضرب الكعب في نفسه ، وهو وما ذكرته سواء في المعنى ، غير أن المبني على نمط واحد أقرب للضبط ، والاختلاف يوجب مزيد الحفظ .
[ ص: 149 ] واعلم أن الأصل في هذه الألفاظ تقديم لفظ المال على الكعب ، وهو الاصطلاح ، لأن المال أعم من الكعب لكونه يوجد معه ، ولكونه أمثال ما في الكعب وبدونه حالة عدم الضرب ، وإذا كان أعم منه يكون مقدما عليه طبعا فيكون مقدما عليه وضعا ، وإذا اجتمع ثلاث لفظات مال عوضوا عنها كعب كعب لخفته في اللفظ ، لأن لفظتين أخف من ثلاث ، وهو مثله في المعنى ، لأن الكعب إذا ربع وهو ثمانية يبلغ أربعة وستين وهو المتحصل من تكعيب المال الثابت له في المقدار ، فإن المناسب للكعب الذي هو ثمانية مال هو أربعة ، لأنا نفرض الشيء اثنين ، وإذا كعبنا المال على هذا التقدير فنربعه أولا لأن كل تكعيب لا بد أن يتقدمه تربيع ، فنقول : أربعة في أربعة ستة عشر ، ثم تكعبه فنقول ستة عشر في أربعة أربعة وستون وهو المتحصل من تربيع الكعب ، فعلمنا أن الشيء متى كان اثنين كان تربيع كعبه أربعة وستين ، وتكعيب مال كذلك ، وهو يقع في المرتبة السادسة من الشيء ، ويقال له مال مال مال ، ويقال لتربيع الكعب كعب كعب ، وإذا استويا وأحدهما أخف لفظا تعين لخفته ، ولا يمكن أن يجتمع من لفظ المال أكثر من أربعة ، لأن أكثر لفظات لنا في مراتب المجهولات مال مال وإذا ربعناه بضربه في نفسه يحصل لنا مال مال مال مال أربع مرات فهو أكثر ما يحصل .