النوع الخامس :
الرؤيا
وفي " القبس " : رأيت رؤية إذا عاينت ببصرك ، ورأيت رأيا إذا اعتقدت بقلبك ، ورأيت رؤيا إذا رأيت في منامك ، وقد تستعمل في اليقظة رؤيا ، وفي " الموطأ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350053الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة " ، قال صاحب " المنتقى " قال جماعة من العلماء : وكل الله
[ ص: 270 ] تعالى ملكا يري الرائي ما ينبهه على ما يكون ، ومعنى : " جزء من ستة وأربعين " أن مدة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ثلاثا وعشرين سنة ، منها ستة أشهر نبوءة بالرؤيا ، قالت
عائشة رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350054فأول ما بدئ عليه السلام بالرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، وستة أشهر من ثلاث وعشرين "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350055جزء من ستة وأربعين " ، وقيل : أجزاء من النبوة لم يطلع عليها ، وروي : جزء من خمسة وأربعين ، وروي : من سبعين ، أن يكون ذلك اختلافا من الرؤيا ، فيحمل الأقل على الجلية ، والأكثر من العدد على الرؤيا الخفية ، أو تكون الستة والأربعون هي المبشرة ، والسبعون هي المحزنة ، والمحزنة لقلة تكرره ، ولما يكون من جنسها من الشيطان ، وفي " القبس " : روي أيضا :
خمسون وستون جزءا من النبوة ،
وخمسة وأربعون ، فاختلفت الأعداد ; لأنها رؤيا النبوة لا نفس النبوة ، وجعلت بشارات ، فأعطى الله تعالى من فضله جزءا من سبعين في الابتداء ، ثم زاد حتى بلغت خمسا وأربعين ، وتقسيمها بمدة النبي صلى الله عليه وسلم باطل ; لأنه مفتقر لنقل صحيح ، والأحسن قول
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عالم القرآن والسنة : إن نسبة عدة الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف حال الرائي ، رؤيا الصالح على نسبته ، والذي على درجته دون ذلك ، وقوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350057ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤية الصالحة حض على تعليمها ، والاهتمام بها ليبقى لهم بعده - عليه السلام - جزء من النبوة بشر بذلك عليه السلام أمته ، ولا يعبر إلا من يعلمها ويحسنها وإلا فليترك .
وسئل
مالك :
أيفسر الرؤيا كل أحد ؟ قال فبالنبوة يلعب ، قيل : أيفسرها على الخير وهي عنده على الشر ( لقول من يقول : الرؤيا على ما أولت ، فقال الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ، أفيتلاعب بأمر النبوة ، وفي " الموطأ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350058الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان ) ، فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى ، قال : فيحتمل أن يريد بالرؤيا الصالحة المبشرة ، ويحتمل الصادقة من الله تعالى .
[ ص: 271 ] ويريد بالحلم ما يحزن ، ويحتمل أن يريد به الكاذب يخيل به ليضر أو يحزن ، قال
ابن وهب : يقول في الاستعاذة إذا نفث عن يساره : أعوذ بمن استعاذت به ملائكة الله ورسله من شر ما رأيت في منامي هذا أن يصيبني منه شيء أكرهه ، ثم يتحول على جانبه الآخر .
وفي " المقدمات " :
الفرق بين رؤيا الأنبياء وغيرهم أن رؤيا غيرهم إذا أخطأ في تأويلها لا تخرج كما أولت ، رؤيا غير الصالح لا يقال فيها : جزء من النبوة ، ( وإنما يلهم الله الرائي التعوذ إذا كانت من الشيطان ، أو قدر أنها لا تصيبه ، وإن كانت من الله فإن سر القدر قد يكون وقوعه موقوفا على علم الدعاء ) .
تنبيه : في " القبس " قال
صالح المعتزلي : رؤية المنام هي رؤية العين ، وقال آخرون هي رؤية بالعينين ، وقال آخرون هي رؤية بعينين في القلب يبصر بهما وأذنين في القلب يسمع بهما ، وقالت
المعتزلة : هي تخاييل لا حقيقة لها ولا دليل عليها ، وجرت
المعتزلة على أصولها في تحيلها على العامة في إنكار أصول الشرع في الجن ، وأحاديثها والملائكة وكلامها ، وأن
جبريل عليه السلام لو كلم النبي صلى الله عليه وسلم بصوت لسمعه الحاضرون .
وأما أصحابنا فلهم ثلاثة أقوال : قال القاضي : هي خواطر واعتقادات ; وقال
الأستاذ أبو بكر : أوهام ، وهو قريب من الأول ; وقال
الأستاذ أبو إسحاق : هو إدراك بأجزاء لم تحلها آفة النوم ، فإذا رأى الرائي أنه بالمشرق ، وهو بالمغرب أو نحوه ، فهي أمثلة جعلها الله تعالى دليلا على تلك المعاني ، كما جعلت الحروف والأصوات والرقوم الكتابية دليلا على المعاني ، فإذا رأى الله تعالى أو النبي عليه السلام فهي أمثلة تضرب له بقدر حاله ، فإن كان موحدا رآه حسنا ، أو ملحدا رآه قبيحا ، وهو أحد التأويلين في قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350059رأيت ربي في أحسن صورة . قال : وقال لي بعض الأمراء رأيت البارحة النبي عليه السلام في المنام أشد
[ ص: 272 ] ما يكون من السواد ، فقلت : ظلمت الخلق وغيرت الدين ، قال عليه السلام "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350060الظلم ظلمات يوم القيامة ، فالتغيير فيك لا فيه ، وكان متغيرا علي وعنده كاتبه وصهره وولده ، فأما الكاتب فمات ، وأما الآخران فتنصرا ، وأما هو فكان مستندا فجلس على نفسه ، وجعل يعتذر ، وكان آخر كلامه : وددت أن أكون حميا بمخلاة أعيش بالثغر ، قلت : وما ينفعك أن أقبل أنا عذرك ، وخرجت ، فوالله ما توقفت لي عنده بعد ذلك حاجة .