صفحة جزء
قال ابن يونس : من أحفى شاربه يوجع ضربا ; لأنها بدعة ، وإنما المراد بالإحفاء في الحديث إحفاء الإطار ، وهي أطراف الشعر ، وكان عمر رضي الله عنه يفتل شاربه إذا أكربه أمر ، ولو كان محلوقا ما وجد ما يفتله ، وكره حلق مواضع المحاجم في القفا والرأس من غير تحريم ، قال صاحب " البيان " : اتفقوا على جواز تغيير الشيب بالصفرة ، والحناء ، والكتم ، وإنما اختلفوا : هل تركه أفضل ، وهو ظاهر قول مالك في " العتبية " ، وظاهر " الموطأ " عنه الصبغ أحسن لقوله عليه السلام : " إن [ ص: 282 ] اليهود ، والنصارى لا يصبغون ، فخالفوهم " ، وكان مالك لا يخضب ، وقال له بعض ولاة المدينة : ألا تخضب ؟ فقال له : ما بقي عليك من العدل إلا أن أخضب ، وكان الشافعي أعجله الشيب فكان يخضبه ، وكره السواد جماعة من العلماء ; لأن أبا قحافة جيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وكأن رأسه ثغامة ، فقال عليه السلام : " اذهبوا به إلى بعض نسائه ، فغيروه وجنبوه السواد " ، وقال سعيد بن جبير : يكسو الله العبد في وجهه النور ، فيطفئه بالسواد ، وخضب به الحسن ، والحسين ، ومحمد بنو علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، وكان عقبة بن عامر منهم ينشد :


نسود أعلاها وتأبى أصولها ولا خير في فرع إذا فسد الأصل

وكان هشيم يخضب بالسواد فسئل عن قوله تعالى : ( وجاءكم النذير ) ، فقال : الشيب ، فقال السائل : فما تقول فيمن جاءه النذير من ربه فسود وجهه ؟ فترك الخضاب ، وكره مالك حلق وسط الرأس وحده ; لأن أساقفة النصارى يفعلون كذلك ، وكذلك حلق القفا لفعل النصارى .

وقال ( ش ) و ( ح ) ، وأحمد : إحفاء الشوارب أفضل ، وحملوا الحديث على ظاهره ، ويرد عليهم قوله عليه السلام : " من لم يأخذ من شاربه فليس منا " ، والجمع بين الأحاديث أولى ، ولأنه العمل المتصل بالمدينة ، وحلاق الصبي قصا وقفا أن يحلق رأسه ، ويبقي مقدمه مفتوحا على وجهه ، ومؤخره مسدولا على قفاه ، وحلاقه قصه بلا قفا أن يحلق وسط رأسه إلى قفاه ، ويبقي مقدمه معقوصا ، وكله يكره ; لأنه من القزع .

وكان أهل الكتاب يسدلون ، والمشركون يفرقون شعرهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء ، فسدل ناصيته ، ثم [ ص: 283 ] فرق بعد ، وقال الطحاوي : حلق الرأس أفضل ; لأن أبا وائل أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقد جز شعره ، فقال له : هذا أحسن ، وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما صار إليه أولى ، واتفقوا أن جز المرأة شعر رأسها مثلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية