مسألة : في تحري الصدق والكذب
قال صاحب " البيان " : قال
عمر رضي الله عنه :
عليك بالصدق وإن ظننت أنه مهلكك ، قال ذلك فيما يلزمك أن تصدع به من الحق لما ترجوه من الصدق والفلاح ، وتخشاه من الفساد ، فالكذب عند السلطان [ ونحوه ، فتقول الحق ، وإن ظننت الهلاك ، فإن تيقنته فتسكت ، ولا يحل لك الكذب إلا أن تضطر إلى ذلك بالخوف على نفسك ، وإنما يلزمك الصدق ، وإن خفت على نفسك فيما عليك من الحقوق من القتل ، والسرقة ، والزنا ونحوه ] .
والكذب أربعة أقسام : كذب لا يتعلق به حق لمخلوق ، نحو : طار الغراب ، فيحرم إجماعا ، وكذب يتعلق به حق لمخلوق ، نحو : فعل زيد كذا ، ولم يفعله ، وهو أشد من الأول ; لأن الأول تخلص منه التوبة بخلاف الثاني بل يحلله صاحبه أو يأخذه منه ، وكذب لا يضر أحدا يقصد به خيرا ، نحوه في الحرب ، والإصلاح بين الناس ،
وكذب الرجل لامرأته فيما يعدها به ، ويستصلحها به ، فقد جوزته السنة ، وقيل : لا يباح إلا المعاريض ، وقيل :
معاريض القول جائزة في كل موطن ، قال : وأراه مكروها لما فيه من الإلغاز ، فيظن أنه قد كذب ، فيعرض عرضه للفساد ، وكذب في دفع مظلمة لظالم يريد أحدا بالقتل أو الضرب ، فينكر موضعه ، وهو يعلمه ، فيجب لما فيه من الدفع عن المعصوم ، وفي
[ ص: 340 ] " الموطأ " :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350203قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أأكذب لامرأتي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خير في الكذب ، فقال الرجل : أعدها وأقول لها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا جناح عليك " ، قال
الباجي : قوله عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10350204لا خير في الكذب " يريد كذبا ينافي الشرع ، أما الإصلاح فلا ، وقوله : " أعدها " يحتمل أعدها وأنا أريد الوفاء ، [ قال
ابن قتيبة : الكذب إنما هو في الماضي ، والخلف في المستقبل ; لأن المستقبل قابل للوقوع على وفق الوعد ، والماضي تعين كذبه ، قال صاحب " القبس " : إخلاف الوعد كذب ، وإنما أنكر عليه السلام على الرجل صورة اللفظ ; لأن الكذب أصله التحريم فلما جاء بلفظ حسن أذن له ] .