صفحة جزء
[ ص: 398 ] الباب الرابع عشر في ركعتي الفجر .

والفجر أصله من تفجر العيون ، أي : انشقاقها ; فشبه طلوع الفجر بالضوء من الأفق بطلوع الماء من العيون ، وكذلك سمي الصديع من الصدع الذي هو الشق ، وتقول : فجر العين فجرا وفجر فجورا : إذا انشق ، وأفجرنا : إذا دخلنا في الفجر ، مثل أصبحنا وأمسينا : إذا دخلنا في الصباح والمساء . وفيه فروع ستة :

الأول في الكتاب : وقتهما بعد الفجر ، ويتحراهما إذا كان غيما ، فإن أخطأ أعادهما ; لما في الموطأ : " كان - عليه السلام - إذا سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة " . قال سند : قال ابن حبيب : لا يعيدهما إذا أخطأ ; لأن المطلوب التحري وقد فعله ، فإن أحرم قبل [ ص: 399 ] الفجر وأتم بعده ، قال مالك : لا يجزيه .

الثاني في الكتاب : أما أنا فأقرأ فيهما بأم القرآن وحدها ; لقول عائشة - رضي الله عنها - : إن كان - عليه السلام - ليخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول : قرأ فيهما بأم القرآن أم لا ؟ ، وحكى اللخمي رواية بقراءة السورة ، وقاله ( ش ) ، وفي مسلم : أنه - عليه السلام - قرأ فيهما : ( قل يا أيها الكافرون ) ، ( وقل هو الله أحد ) ، ويعضد الأول أن الفجر مع الصبح كالرباعية فركعتان بالحمد وسورة ، وركعتان بالحمد وحدها ; ولذلك شرع فيه الإسرار على المشهور ، وحكى اللخمي فيه روايتين ، وفي الكتاب تشترط النية بهما زيادة على نية الصلاة .

الثالث في الكتاب : إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فلا يركعهما ، ويدخل في الصلاة ، وإن أحب ركعهما بعد الشمس ; لقوله - عليه السلام - : " إذا أقيمت الصلاة لا صلاة إلا المكتوبة " ، وقاله ( ش ) . وفي الجلاب : يخرج من المسجد فيصليهما ثم يعود ، وقاله ( ح ) ، واستحب أشهب في الموازية أن يركعهما حالة الإقامة في المسجد الحرام لأنهم يطلبونها فيه ، وأما قضاؤهما بعد الشمس ، فقاله ( ش ) ، وابن حنبل ، قال سند : ووقت القضاء إلى الزوال ; لأنهما تبع لصلاة أول النهار والنصف الأول ينقضي بالزوال ، وفي الترمذي : قال - عليه السلام - : [ ص: 400 ] من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس . فلو نام عن الصبح ، قال مالك : لا يصليهما مع الصبح بعد الشمس ، وما بلغني أنه - عليه السلام - قضاهما يوم الوادي ، وقال أشهب : بلغني ويقضيهما ، وهو في مسلم ، ويعضد الأول قوله - عليه السلام - : " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " ، وذلك يمنع من الاشتغال بغيرها ، وفي الجواهر عن الأبهري أن لفظ القضاء فيهما تجوز بل هما ركعتان ينوب ثوابهما له عن ثواب الفائت .

الرابع في الكتاب : إن سمع الإقامة قبل دخول المسجد ; إن لم يخف فوات ركعة صلاهما خارج المسجد في شيء من الأفنية التي تصلى فيها الجمعة اللاصقة به ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) ، وابن حنبل : يقدم الدخول في الصبح ; لعموم الحديث ; لنا ما في أبي داود : قال - عليه السلام - لأبي هريرة : " لا تدعهما ولو طردتك الخيل " وروى ابن القاسم في العتبية : يركعهما إلا أن تفوته الصلاة ، فرأى في الكتاب أن فضيلة ركعة أعظم منهما ، ومنع في الأفنية ، خلافا ( ح ) لأدائه إلى الطعن على الإمام . قال سند : إذا أقيمت عليه في الفناء ، قال مالك : يدخل معهم ولا يركعهما كما لو كان في المسجد ، قال : وللإمام تسكيت المؤذن حتى يركع ، فإن لم يخرج لا يخرج ولا يسكته ويركع مكانه .

[ ص: 401 ] الخامس في الجواهر : لو ركع في بيته ثم أتى المسجد ، ففي ركوعه روايتان ، وإذا قلنا يركع ; فهل ذلك إعادة للفجر أو تحية للمسجد قولان للمتأخرين - نظرا لتعارض النهي عن الصلاة حينئذ إلا ركعتي الفجر ، والأمر بتحية المسجد ، وقد جوز في الكتاب لمن يفوته حزبه أن يصليه قبل الصبح وبعد الفجر وسجود التلاوة ، قال : وإن دخل المسجد بعد الفجر وقبل الصبح فلا يصلي إلا ركعتي الفجر ، وانفرد الشيخ أبو الحسن بأنه يحيي المسجد ، ثم يركع للفجر ، وضعفه أبو عمران .

السادس : يكره الكلام بعد الصبح بخلاف ما قبله وبعد الفجر ; لأنه وقت ذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية