صفحة جزء
النظر الثاني في شروط الوجوب وهي ثلاثة : الأول ، الحول ، ويسمى حولا ; لأن الأحوال تحول فيه ، كما يسمى سنة لتسنه الأشياء فيه ، والتسنه التغير ، وسمي عاما ; لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك ، ولذلك قال الله تعالى : ( وكل في فلك يسبحون ) ( يس : 36 ) ، وأصل شرطيته : ما في أبي داود : ( ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ) ، وشرطيته مختصة بالنقد والماشية بخلاف الزرع ، لقوله تعالى : ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ( الأنعام : 6 ) . والفرق : أن الزرع حصل نماؤه يوم حصاده ، ولا يحصل فيهما بمجرد حصولهما في الملك ، ويستثنى من النقدين المعدن والركاز لعلل تأتي إن شاء الله ، وفيه بحثان : البحث الأول في الأرباح ، وهو كل عسر زكاته تقدم في الأصل زكوي في الأول احترازا من لبن الماشية ، الثالث احترازا من علة المفتنات ، وفيه فروع [ ص: 33 ] خمسة : الأول ، في ( الكتاب ) حول ربح المال حول أصله . كان الأصل نصابا أم لا ، ووافق ( ح ) إن كان الأصل نصابا ، ومنع ( ش ) مطلقا . لنا : قول عمر - رضي الله عنه - للساعي عليهم : السخلة يحملها الراعي لا تأخذها ، والربح كالسخال ، وفي ( الجواهر ) : يقدر الربح عند ابن القاسم موجودا يوم الشراء بالمال حتى يضاف إليه ما في يده ، وعند أشهب يوم حصوله ، وعند المغيرة يوم ملك أصل المال ، وعليه تتخرج مسألة ( الكتاب ) : إذا حال الحول على عشرة فأنفق منها خمسة ، واشترى بخمسة سلعة فباعها بخمسة عشر ، قال ابن القاسم : تجب الزكاة إن تقدم الشراء على الإنفاق وإلا فلا ، وأسقطها أشهب مطلقا ، وأوجبها المغيرة مطلقا ، قال سند : وإذا قلنا : يزكي الجميع على قول المغيرة ، فلو أسلف خمسة بعد الحول واشترى بالباقي سلعة وباعها بخمسة عشر لينتظر قبض السلف عند ابن القاسم وأشهب لتكميله النصاب ، وقال ابن حبيب : لا ينتظر لأنه لو أتلفها زكى ، فكيف ينتظر ، فعلى قولها : لو أنفق الخمسة عشر ثم اقتضى .

قاعدة : متى يثبت الشرع حكما حالة عدم سببه أو شرطه : فإن أمكن تقديرهما معه فهو أقرب من إثباته ، وإلا عد مستثنى عن تلك القاعدة ، كما أثبت الشرع الميراث في دية الخطأ ، وهو مشروط بتقدم ملك الموروث ، قرر العلماء الملك قبل الموت ليصح التوريث ، ولما صححنا عتق الإنسان عبده عن غيره . وأثبتنا الولاء للمعتق عنه احتجنا لتقدير تقدم مثل ملكه للمعتق عنه قبل العتق ; لأنه سبب الإجزاء عن الكفاره وثبوت الولاء ، وذلك كثير في الأسباب والشروط والموانع ، فيعبر العلماء عن هذه القاعدة بإعطاء المعدوم حكم الموجود ، والموجود حكم المعدوم ، وها هنا لما ألحق الشرع السخال والفوائد بالأصول مع اشتراط الحول ولا حول حالة وجودها احتجنا لتقديرها في أول الحول محافظة على الشروط ، ولما كان الشراء سبب الربح قدرهابن القاسم لملازمة المسبب سببه ، وعند [ ص: 34 ] أشهب يوم الحصول ليلا يجمع بين التقديرين ، والتقدير على خلاف الأصل ، والمغيرة يلاحظ سببية الأصل فيقدر عنده . قال سند : وروي عن مالك استقلال الربح بحوله ، وهذا إذا تقدم ملك أصل المال في يده . أما لو اشترى سلعة بمائة ، وليس له مال فباعها بمائة وثلاثين بعد الحول : فروى ابن وهب : يستقبل بالربح لعدم تقدم ملك عليه ، وروى أشهب : يزكيه الآن لأن الدين مستند إلى دنانير في الذمة والمعينة ملكه إجماعا .

الثاني : قال لو اشترى سلعة بمائة دينار فباع السلعة بمائة وثلاثين : روى ابن القاسم : يزكي الربح على المائة التي بيده إذا حال عليها الحول ; لأن الشراء كان متعلقا بالتي بيده لو طالبه البائع نقدها فكانت أصلا كما لو نقدها ، وروى أشهب : يأتنف حولا به لعدم تعين المائة القضاء ، ولو شاء باع السلعة وقضى من ثمنها ، وإذا قلنا لا . فروى أشهب يبتدئ الحول من يوم النضوض .

الثالث : قال لو تسلف مائة دينار فربح فيها بعد الحول عشرين . ففي تزكية العشرين خلاف ، ولو تسلف فاتجر فيه حولا : روى ابن القاسم : يؤدي ما تسلف ويزكي الربح . وإليه رجع مالك .

الرابع : في " الكتاب " : من باع عشر دنانير بمائة درهم بعد الحول ، أو ثلاثين ضأنية قبل مجيء الساعي بعد الحول بأربعين معزى غير حلوب ، أو عشرين جاموسة بثلاثين من البقر ، أو أربعة من البخت بخمسين من العراب زكى ، وقال ( ش ) : لو استبدل ذهبا بذهب أو فضة بفضة استأنف الحول لاشتراط الحول في كل عين ، ولاختلاف أجناسها في البيع . لنا : أن الغرض متحد ، والواجب فيها واحد ، فيكون البدل كربح الأصول حولها واحد ، وأما البيع فباب مكايسة ، وهذا باب معروف ، قال سند : ويتخرج فيه الخلاف الذي في ضم الأرباع .

الخامس : في ( الكتاب ) : إذا اشترى بالعشرين سلعة بعد الحول قبل التزكية فباعها بعد حول بأربعين زكى للحول الأول عشرين ، وللثاني تسعة وثلاثين ونصف دينار ، يزكي الأربعين . وإن باع قبل حول زكى العشرين فقط حتى يكمل الحول يزكي ، قال سند : وإذا ألحقنا الربح بالفائدة زكى في السنة الثانية عن عشرين فيجب دينار للحولين ويزكي الربح في الحول الثالث ، وإذا فرعنا على المشهور [ ص: 35 ] فلابن القاسم قول : أنه لا يجعل دين الزكاة في العروض بل في المال الذي في يده ، ولا يحتسبه في غيره مع . . . وحول له ; لتعلقها به كتعلق الدين بالرهن والجناية بالجاني من الرقيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية