[ ص: 112 ] [ ص: 213 ] الباب الخامس
في المقاصد
وفي ( الجواهر ) : هي ثلاثة أقسام :
واجبات أركان يأثم بتركها ، ولا يجبرها الدم ، وهي أربعة : الإحرام ، والوقوف بعرفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي ، زاد
عبد الملك : جمرة
العقبة ،
وواجبات ليست بأركان ، وهي ما يوجب تركه الدم ، كالتلبية ، والميقات ، وطواف القدوم لغير المراهق ، والجمار أو بعضها ، والنزول
بمزدلفة ونحوها ،
ومسنونات مستحبة لا يأثم بتركها ولا توجب دما ، كالغسل للإحرام أو لغيره ، والرمل في الطواف أو بطن المسيل بين
الصفا والمروة ، واستلام الركن ، وترك الصلاة قبل الوقوف
بعرفة ، والحلاق
بمنى يوم النحر ، وطواف الوداع ، والمبيت
بمنى ليلة
عرفة ، والمبيت
بمزدلفة ، ثم الدفع منها ، والوقوف مع الإمام ، وعند الجمرتين للدعاء .
والأصل في هذه المقاصد : ما في
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348980مكث عليه السلام تسع سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج ، فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله ، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة ، فولدت nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس : [ ص: 214 ] محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟ فقال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، ثم ركب القصوى حتى إذا استوت به ناقته على البيداء ، نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وعليه ينزل القرآن ، وهو يعرف تأويله ، وما عمل من شيء عملنا به ، فأهل بالتوحيد : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، فلم يرد رسول الله عليه السلام شيئا منه ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته ، قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشي أربعا ، ثم نفذ إلى المقام فقرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) . ( البقرة : 125 ) فجعل المقام بينه وبين البيت ، فكان أبي يقول : ولا أعرف ذكره إلا عن النبي عليه السلام كان يقرأ في الركعتين : ( قل هو الله أحد ) . ( الإخلاص : 1 ) و ( قل يا أيها الكافرون ) . ( الكافرون : 1 ) ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ( البقرة : 158 ) أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا ، فرقي عليها حتى رأى البيت ، فاستقبل البيت فوحد الله وكبره ، وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا : ثلاث مرات ، ثم نزل إلىالمروة ، حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال : لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة ، فقام سراقة بن جعشم فقال : يا رسول الله ، ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : دخلت العمرة [ ص: 215 ] في الحج مرتين لأبد أبد الأبد ، وقدم علي - رضي الله عنه - من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة - رضي الله عنها - ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك عليها ، فقالت : أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه ، فأخبرته أنني أنكرت ذلك عليها ، فقال : صدقت صدقت ، ماذا قلت حين فرضت الحج ، قال : قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن معي الهدي ، قال : فلا تحل ، قال : فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي عليه السلام مائة ، قال : فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس فأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة ، فوجد القبة ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائها دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد فقتله هذيل ، وربا الجاهلية موضوعة ، وأول ربا أضعه : ربانا : ربا nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، فاتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا به إن اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد [ ص: 216 ] أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكسها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، ثلاث مرات ، ثم أذن ، ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام وصلى العصر ، ولم يصل بينهما ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى إلى الصخرة ، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا ، وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد شنق القصوى الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : أيها الناس : السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد ، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح ، بأذان وإقامة ، ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل أن تطلع الشمس ، وأردف nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن العباس ، وكان رجلا حسن الشعر ، أبيض ، وسيما ، فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن يجرين ، وطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر ، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا وسلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى التي عند الشجرة ، فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها من حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة ، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر ، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت ، فأكلا من لحمها ، وشربا من مرقها ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم ، فقال : انزعوا بني عبد المطلب : فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه . [ ص: 217 ] قال صاحب ( المقدمات ) : كانت حجته هذه في عام العاشر من الهجرة ، وهي
حجة الوداع ، لم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فرض الحج غيرها ، وحج
بمكة قبل فرضه حجتين .
( فوائد ) : من ( المعلم ) : قوله : كلما أتى حبلا ، الحبال دون الجبال ، وهي مستطيلة الرمل ، وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10348981واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ، قيل : الكلمة قوله تعالى : (
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) . ( البقرة : 229 ) قال : ويحتمل أن تكون إباحة الله تعالى في كتابه ، وشرب من مرق الجميع لما في الأكل من الجميع من الكلفة ، ونحر ثلاثا وستين ، إشارة إلى عمره عن كل سنة بدنة ، والخذف : رميك حصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك .
( تنبيه ) اصطلاح المذهب : أن
الفرض والواجب سواء إلا في الحج ، فقد خصص
ابن الجلاب وغيره اسم الفرض بما لا يجبر بالدم فقال : فروض الحج أربعة ، وليس المراد الواجبات ; لأن كل ما يجبر بالدم واجب ، كما خصص في كتاب الصلاة في السهو : السنة بما يجبر بالسجود فجعلها خمسة مع أن سنن الصلاة عدها صاحب ( المقدمات ) ثمانية عشر ، وقال : يسجد منها لثمانية ، فليعلم ذلك ، ولنشرع الآن في بيان المقاصد ، وهي اثنا عشر ،