الفصل الثاني في سننه ، وهي أربعة : السنة الأولى ،
الرملان قال في ( الجواهر ) : للرجال دون النساء في الأشواط الثلاثة الأول والمعية في الباقي ، وذلك في طواف القدوم ، وفي مشروعيته في الإفاضة للمراهق وفي القدوم في حق من أحرم من التنعيم وشبهه خلاف لما في
أبي داود nindex.php?page=hadith&LINKID=10349018قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فقال المشركون : إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب . ولقوا منها شرا ، فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك فأمرهم أن يرملوا الأشواط الثلاثة لا كلها إبقاء عليهم ، فلما رأوهم قالوا : هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى نهكتهم ؟ هؤلاء أجلد منا ) فكان السبب في الرملان في حقه عليه السلام وحق أصحابه رضي الله عنهم إظهار القوة للمشركين ، فهو ضرب من الجهاد ، وسببه في حقنا : تذكر النعمة التي أنعم الله تعالى بها علينا من العزة بعد الذلة ، والكثرة بعد القلة ، والقوة بعد المسكنة ، وفي ( الكتاب ) : إذا زوحم في الرمل ولم يجد مسلكا رمل طاقته ، ومن جهل أو نسي
فترك الرمل في الطواف والسعي فهو خفيف . قال
سند : يستحب الدنو من البيت ; لأن البيت هو المقصود ، فإن لم يجد فرجة يرمل فيها تأخر إلى حاشية الناس ; لأن الرملان أفضل من الدنو ، وروي عن
مالك : أن تارك الرملان
[ ص: 246 ] عليه دم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم : يعيد طوافه ما لم يفت ، وقال
أشهب : يعيد طوافه ما كان
بمكة ، فإن فات أهدى ، وقال
عبد الملك : لا يعيد وعليه دم ، لعموم قوله عليه السلام : (
من ترك نسكا فعليه دم ) والمشهور أنه هيئة للطواف فلا يجب بتركه شيء كالناسي في الأربعة الأخيرة ، وإذا قلنا بالإعادة ففعله في الأربعة الأخيرة لم يجزه كالقراءة في آخر ركعات الصلاة ، وفي ( الكتاب ) : الرملان في القضاء كالأداء ، وهو آكد على من أحرم بحج أو عمرة من المواقيت ، ممن أحرم من
الجعرانة أو التنعيم ; لأن الأصل رملان الطواف الذي يسعى عقيبه ; لأنه عليه السلام إنما أظهره فيه ، ولأن هاجر لما تركها
إبراهيم - عليه السلام - هناك مع
إسماعيل عطش فصعدت
الصفا تنظر هل بالموضع ماء فلم تر شيئا فنزلت وسعت في بطن المسيل ، حتى علت
المروة ، فجعل ذلك نسكا إظهارا لشرفها وتفخيما لأمرها ، قال
سند : ولا يختلف في طواف الوداع أنه لا رمل فيه ، ولا يرمل في طواف التطوع ، وفي ( الجواهر ) : إذا طيف بالمريض الذي لا يقدر على الطواف بنفسه ، أو بالصبي فالمنصوص : يرمل بالمريض ، وفي الصبي قولان أجراهما
اللخمي في المريض ، وإذا طاف المحرم بالصبي الذي أحرم عنه أجزأ عن الصبي ، ولو كان الطائف لم يطف عن نفسه لم ينتقل إليه . ولا يكفيهما طواف واحد بخلاف ما إذا حمل صبيين فطاف بهما طوافا واحدا كفاهما كراكبين على دابة .
السنة الثانية : أن
يطوف ماشيا لا راكبا ، وفي ( الكتاب ) :
من طاف محمولا من عذر أجزأه وإلا أعاد إلا أن يرجع إلى بلده فعليه دم ، وإن طاف راكبا أعاد إن لم يفت ، وإن تطاول فعليه دم ، وفي ( الجواهر ) : المشي من سننه الأربع ، قال
سند : الطواف عبادة بدنية تتعين مباشرتها ، والراكب أقرب من المحمول ; لأن حركة دابته منسوبة إليه ، فإن
حمله من لا يطوف لنفسه جاز للعذر ، فإن كان
[ ص: 247 ] يطوف لنفسه وطاف طوافا واحدا عنه وعن المحمول : فأربعة أقوال : يجزئ عنهما قاله
ابن القاسم ، لا يجزئ عنهما ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان ، وعن الحامل فقط ، وعن المحمول فقط ، وإذا قلنا : يجزئ عنهما . فكذلك إذا ذهب العذر . وإذا قلنا : لا يجزئ عنهما فأولى إذا ذهب العذر ، وإذا قلنا عن المحمول وحده . وجب على الحامل الإعادة ، وتستحب للمحمول ، وإذا قلنا : يجزئ عن الحامل فقط أعاد المحمول فقط ، فإن كان الحامل لا يريد الطواف أمر المحمول بالإعادة ليأتي بسننه ، فإن رجع إلى بلده صح ; لأنه لو كان شرطا لما صح مع فقده كالطهارة مع الصلاة ، بل هو كسجود السهو مع الصلاة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349019قالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة : قلت له عليه السلام : إني أشتكي ، فقال : ( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة )
وطاف عليه السلام راكبا لكن لعذر رؤية الناس له ليستفتوه ، فإن رجع إلى بلده فعليه دم جبرا للتحلل ، وقاله ( ح ) ، وقال ( ش ) : لا دم عليه ، ويجوز
الركوب لمن لا يطيق المشي ،
ولمالك في الكلفة وحدها قولان ، والمشهور : المنع ، وفي ( الجواهر ) : إن طاف محمولا أو راكبا من غير عذر : قال
عبد الوهاب : يكره له ذلك .
السنة الثالثة :
الدعاء ، وفي ( الجواهر ) : ليس بمحدود ، وقال
ابن حبيب :
يقول عند ابتداء الطواف واستلام الحجر : بسم الله والله أكبر إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك
محمد صلى الله عليه وسلم . وفي
أبي داود : ( كان يقول ما بين الركنين : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) واستحب ( ش ) : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، وسعيا مشكورا ، قال
سند : ويستحب له إذا فرغ من طوافه ودعائه أن يقف بالملتزم للدعاء ، قال
مالك : وذلك واسع ، والملتزم ما بين الركن والباب ، وقال
مطرف :
[ ص: 248 ] ونعني بالملتزم أنه يعتني ويلح بالدعاء عنده ، قال
مالك : ويقال له المتعوذ أيضا ، ولا بأس أن يعتنق ويتعوذ به ، ولا يتعلق بأستار
الكعبة ،
ولا يحول ظهره للبيت إذا دعا ويستقبله ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - يدنو منه ولا يلتصق ، وفي
أبي داود : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349020لما خرج عليه السلام من الكعبة استلم هو وأصحابه البيت من الباب إلى الحطيم ، ووضعوا خدودهم على البيت ، وهو عليه السلام في وسطهم ) .
والحطيم ما بين الباب والركن ، كان من ظلم دعا فيه على الظالم فيتحطم ، وفي
أبي داود : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349021كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويبسطهما ثم يقول : هكذا رأيته عليه السلام يفعل ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : ويخرج وبصره يتبع البيت حتى يكون آخر عهده به ، وفي ( الكتاب ) : يكره دخول البيت بالنعلين والخفين ، قال
ابن القاسم : ولا أرى بذلك في الحجر بأسا ، ولم يكره
مالك الطواف بالنعلين والخفين ، قال
سند : يستحب دخول البيت لفعله عليه السلام ذلك ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يقول ، إذا دخله : اللهم إنك وعدت الأمان داخل بيتك ، وأنت خير منزول به في بيته ، اللهم اجعل أماني ما تأمنني به أن تكفيني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة حتى تبلغنيها برحمتك . وأما الحجر فكره
أشهب ذلك فيه ; لأنه من البيت الذي بناه
إبراهيم - عليه السلام - ، وكان بابه بالأرض يدخله السيل فهدمته العرب ورفعت بابه وضمته من ناحية الحجر ستة أذرع ، قال
مالك وبناء
الكعبة هذا بناء
ابن الزبير إلا الحائط الذي في الحجر فإن
ابن الزبير كان أخرجه إلى الحجر فهدمه
الحجاج ورده إلى بناء العرب وردم البيت حتى علا . السنة الرابعة : استلام الحجر ، وقد تقدمت فروعها في دخول
مكة .
[ ص: 249 ] فصل ، قال
ابن القاسم في ( الكتاب ) :
الطواف للغرباء أولى من الصلاة ; لأنهم يجدون الصلاة ببلدهم ، وقال عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349022ينزل على البيت مائة وعشرون رحمة ، ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين ) وجواب هذا الحديث إذا قيل : إن الصلاة أفضل : إن الطواف يشتمل على صلاة ركعتين فيكون الطواف مع الصلاة أفضل من الصلاة وحدها فلا منافاة . قال
مالك في ( الموازية ) : الطواف للغرباء أفضل ، والصلاة لأهل
مكة أفضل ، والنفل أفضل من الجوار ، وكان
عمر - رضي الله عنه - يأمر الناس بالقفول بعد الحج ; لأنه أبقى لهيبة البيت في النفوس ، وفي ( الجلاب ) : لا بأس أن يطوف المحرم من
مكة قبل خروجه إلى
منى تطوعا ، ولا بأس
بالطواف بعد العصر أو الصبح ، ويؤخر الركوع حتى تطلع الشمس أو تغرب ، ولا بأس أن يركع بعد الغروب قبل صلاة المغرب أو بعدها قبل التنفل ، وتقديم المغرب على ركوع الطواف أولى ، ولا يطوف بعد العصر أو الصبح إلا أسبوعا واحدا ، ويكره جمع أسابيع وتأخير ركوعها حتى تركع جملة ، وليركع عقب كل أسبوع ركعتيه ،
ومن أحدث في طوافه قاصدا أو غير قاصد انتقض طوافه وتطهر وابتدأه ، فإن أحدث بعده وقبل الركوع توضأ وسعى ، وإن أحدث في أثناء سعيه توضأ وبنى على سعيه ، وإن مضى محدثا أجزأه ، قال
اللخمي :
ويركع الطائف لطواف التطوع كالفرض ، فإن لم يركع حتى طال أو انتقض وضوءه استأنفه ، فإن شرع في أسبوع آخر قطعه وركع ، فإن أتمه أتى لكل أسبوع بركعتيه وأجزأه ; لأنه أمر اختلف فيه ، ومقتضى المذهب : أن أربعة أسابيع طول تمنع الإصلاح وتوجب عليه الاستئناف فيما تقدم ، وهذا الكلام من
اللخمي وإطلاقه الإجزاء ووجوب الاستئناف يشعر بأن الشروع في طواف التطوع يوجب الإتمام كالصلاة والصوم ، وهو الظاهر من المذهب وكلام شيوخ المذهب ، وعلى هذا تكون المسائل التي يجب التطوع فيها بالشروع سبعة : الحج ، والعمرة ،
[ ص: 250 ] والصلاة ، والصوم ، والاعتكاف ، والإتمام ، والطواف . ولا يوجد لهذه السبعة ثامن ، وقول المالكية : التطوع يجب تكميله ، محمول على هذه ، وقد نصوا على أن الشروع في تجديد الوضوء وغيره من قراءة القرآن وبناء المساجد والصدقات وغيرها من القربات لا يجب إتمامها بالشروع فيها فليعلم ذلك .