الحكم العاشر : الأكل منها ، وفي ( الكتاب ) :
يؤكل من الهدي كله واجبه وتطوعه إذا بلغ محله إلا ثلاثة : جزاء الصيد ، وفدية الأذى ونذر المساكين ، فإن أكل فلا يجزئه وعليه البدل ، وقال ( ح ) : يأكل من التطوع وهدي التمتع والقران ; لأنهما لم يجبا بسبب محرم فلم يحرما عليه كالتطوع ، وقال ( ش ) : يأكل من التطوع دون ما وجب في الإحرام ، واختلف أصحابه في النذر ; لأنه هدي واجب كفدية الأذى وجزاء الصيد ، لنا قوله تعالى : (
فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها ) [ الحج 36 ] وهو عام خص منه جزاء الصيد ; لأن بدله الذي هو الإطعام مستحق
[ ص: 367 ] عليه للغير فيكون هو مستحقا عليه للغير ، فلا يأكل منه كبدله ، وكذا فدية الأذى ونذر المساكين فإن أكل من الثلاثة ضمن في جزاء الصيد ما قل أو كثر ، وعليه البدل ، قال
ابن القاسم : ولا أدري قول
مالك في نذر المساكين ، وأرى أن يطعم المساكين قدر ما أكل ولا يكون عليه البدل ; لأنه عند
مالك ليس مثل الأول ، وإنما يستحب ترك الأكل منه ، قال : وإذا هلك هدي التطوع قبل محله تصدق به ، ولا يأكل منه ; لأنه غير مضمون عليه وليس عليه بدله ، فإن أكل فعليه البدل لاتهامه في ذبحه ، وكل هدي مضمون هلك قبل محله فله الأكل منه والإطعام للغني والفقير ،
ولا يبع منه لحما ولا جلا ولا جلدا ولا خطاما ولا قلائد ، ولا يستعين بذلك في غير الأول ، والمبعوث معه بالهدي يأكل من كل هدي إلا الثلاثة المتقدمة ، إلا أن يكون مسكينا ، وفي
مسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349104لما بعث عليه السلام الهدي مع ناجية الأسلمي قال له : أرأيت إن أزحف منها شيء على معنى ضعف عن المشي ، يقال : زحف البعير إذا خر من سنامه على الأرض من الإعياء . وأوجفه السير فقال له عليه السلام : انحره واخضب نعلها بدمها ، واضرب بها صفحتها ، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك ) ، قال
سند : حكى
محمد خلافا في الأكل من هدي الفساد ، وروي عن
مالك : إن أكل من الجزاء والفدية فلا شيء عليه ، وكل هدي جاز أكل بعضه جاز أكل كله ولا حد فيما يستحب إطعامه على ظاهر المذهب ، وحدده ( ش ) بالنصف لقوله تعالى : (
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) [ الحج 28 ] ومرة بالثلث ؛ لقوله تعالى : (
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ) [ الحج 36 ] فجعل له شريكين .
والنذر قسمان : نذر للمساكين يأكلونه فلا يأكل منه على المشهور ، وفيه خلاف ، ومنذور النحر فقط ، قال
مالك : يأكل منها ، وإذا عين أفضل مما وجب
[ ص: 368 ] عليه وقلنا : يبدله فهل مثل ما كان في الذمة أو مثل ما عين ؟ لأن من نذر المشي إلى
مكة معتمرا فمشى في حج فركب وأراد أن يقضي سنة أخرى ما ركب فإنه يمشي إن شاء في حج أو عمرة كما كان أولا ، ولو عطب بتفريطه لزمه مثل ما عين ، ولو كان بدلا عن هدي واجب ضل فعطب فأكل منه ، ثم وجد الأول نحره وبدل الثاني ; لأنه صار تطوعا أكل منه قبل محله ، وفي ( الجلاب ) : إذا
أكل من هدي لا يجوز له الأكل منه روايتان : إحداهما يبدل الهدي كله ، والأخرى مكان ما أكل ، وروي عن
مالك : لا شيء عليه ; لأنه عين للمساكين فأكله وأكل غيره سواء ، والسنة تضمين الجميع ؛ ولأنه كما ضمن إراقة دمه فقد ضمن أبعاضه . فإذا أكل بعضها سقطت الزكاة فيه ، والزكاة لا تتبعض فيبطل الجميع .
والهدي في الأكل منه على أربعة أضرب : ما يؤكل قبل بلوغه وبعده وهو الواجب ماعدا الفدية والجزاء والنذور ، وما لا يؤكل منه قبل ولا بعد وهو نذر المساكين المعين ، وما لا يؤكل منه قبل بلوغه يؤكل بعد وهو التطوع والنذر المطلق ; لأنهما غير مضمونين قبل محلهما إذا لم يتعرض ، فإن تعرض ضمن ، وما يؤكل قبل لا بعد وهو الجزاء والفدية والنذر المضمون ; لأنها مضمونة قبل وبعد مستحقة للغير ، وإن أكل السائق للهدي ، وإذا وقف قبل محله فإن كان واجبا لم يجزئ ربه وضمن السائق للتهمة كالراعي يذبح الشاة يقول : خفت عليها الموت فإن شهد له أحد من رفقته ممن أكل من الهدي لم يقبل قوله ; لأن الشاهد يثبت لنفسه أنه أكل مباحا وضمن السيد ولا يرجع السائق على أحد ممن أطعمه ; لأنه يقول : إنهم أكلوا مباحا ويضمن القيمة وقت النحر ، لا هديا مكانه كمن تعدى على هدي ، وإنما يضمن الهدي بالهدي ، وبه لأنه التزم بلوغ الهدي إلى محله
[ ص: 369 ] من ماله فإن كان الهدي تطوعا فليس على ربه إلا هدي بقيمة ما يرجع به ، وإن كان الهدي واجبا فعليه مثل ما وجب عليه ، وإن طعم السائق من الواجب فلا شيء عليه ولا على ربه إن أمره ; لأنه مضمون على ربه ، وإن
أطعم من التطوع غير مستحق فلا شيء على ربه ، وإن لم يأمره وإلا فعليه البدل ، وإن أطعم مستحقا فلا شيء عليه وضمن ربه إن أمره أن يطعم معينا ، وفي ( الكتاب ) : : من أطعم غنيا من جزاء الفدية فعليه البدل جهل أو علم كالزكاة ولا يطعم منه ، ولا من جميع الهدي غير
مسلم فإن فعل ضمن الجزاء والفدية دون غيرهما وهو خفيف ، وقد أساء
ولا يطعم من جزاء الصيد أبويه ولا زوجته ولا ولده ولا مدبره ولا مكاتبه ; لأنها وجبت عليه ، فلا يصرفها لمن يتعلق به كالزكاة ، قال
سند : وإذا أطعم غنيا عالما فيختلف هل يغرم جميع الهدي أو قدر ما أعطى لحما أو طعاما ، وإن كان غير عالم اختلف قول
ابن القاسم ، كما اختلف في الزكاة ، وكذلك اختلف في غير المسلم كالزكاة ،
وإطعام الذمي مكروه عند
ابن القاسم ، وخفف
ابن وهب في إطعام الذمي من الأضحية ، وقال : إنما النهي في المجوس ، وخفف
مالك في إطعام جيرانه الكتابيين من الأضحية ، وكره
ابن القاسم إلا لمن في عياله منهم فإن أطعم أبويه أو من ذكر معهم فعلى أصل
ابن القاسم عليه البدل ، ويجري فيه الخلاف في قدر ما أطعم لحما أو طعاما فإن كان الأكل بغير إذنه فإنما عليه قدر ذلك ; لأنه لم يتعد حتى يقدر سقوط إراقة الدم في ذلك البعض ، إنما وصلت إليه منفعة ذلك البعض ، ولو لم يكن الأكل في عياله لم يلزمه شيء ، وفي ( الجواهر ) : قيل : لا يؤكل من هدي الفساد ، ومن أكل من نذر المساكين ففي إبدال بعضه أو كله روايتان ، وقيل : إن كان معينا أطعم قدر ما أكل ، وإن كان مضمونا وجب البدل عن الكل ، وإذا أوجبنا بدل المأكول فقيل : بدل اللحم ; لأنه من ذوات الأمثال ، وقال
عبد الملك : قيمته طعاما ; لأن مثل لحم الهدي لا يوجد ، وقيل : يغرم القيمة ثمنا .
[ ص: 370 ] ويختص بأكل الهدي من جوز له أخذ الزكاة إن كان مما لا يأكل صاحبه منه ، وإلا فلا يختص بل يأكل الفقير والغني . الفصل الثالث : في بقاعها ، وفي ( الكتاب ) :
كل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله بمكة ، وكل ما وقف
بعرفة فنحره
بمنى فإن نحر
بمكة جهلا أو عمدا أجزأ ; لقوله تعالى : (
ثم محلها إلى البيت العتيق ) [ الحج 33 ] ، ومن ضل هديه الواجب بعد الوقوف
بعرفة فوجده بعد أيام
منى فلينحره
بمكة ، قال
ابن القاسم : قال
مالك : مرة لا يجزئه ، وقال مرة يجزئه وبه أقول ، ومن
ضل هديه بعد الوقوف بعرفة فوجده غيره فنحره بمنى ; لأنه رآه هديا أجزأ ربه ، قال
ابن يونس : قال
مالك : كل ما محله
مكة فعجز عن الدخول به إلى بيوت
مكة ، ونحر بالحرم لم يجزئ ، وإنما محله
مكة أو ما يلي بيوتها من منازل الناس ، ولا يجزئ نحره عند ثنية المدنيين ; لأنه عليه السلام نحر هديه عام الحديبية بالحرم وأخبر الله تعالى أنه لم يبلغ محله بقوله : (
والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) [ الفتح 25 ] ، قال
مالك : و
منى كلها منحر إلا ما خلف
العقبة وأفضلها عند الجمرة الأولى ، ولا ينحر هدي
بمكة إلا بعد أيام
منى ، قال
سند : يختلف في وجوب النحر
بمكة إذا فات الوقوف
بعرفة .
وينحر
بمنى ما اجتمعت فيه ثلاثة شروط : الوقوف
بعرفة ، وأن ينحر في أيام النحر على سنة الضحايا ، وأن يكون نحره في حج ، وإذا ضل هديه فنحر غيره ثم وجده في أيام
منى فنحره ، قال بعض الشافعية : الضال الواجب يتقدم تعينه على الواجب ، والمذهب وجوب الاثنين : الأول عما في الذمة ، والثاني لتعينه هديا ، كمن أحرم بحجة الإسلام ثم تبين له أنه حج قبل ذلك ، فإن الثاني يتعين ، وروى
ابن القاسم : إذا ساق الهدي الواجب فضل قبل الوقوف
بعرفة ثم وجده يوم النحر
[ ص: 371 ] بمنى لا يجزئه ، وينحره
بمكة ويهدي غيره ، وروى
أشهب : يجزئه فنزل مرة نية الإيقاف منزلته ومرة لم ينزلها ، وفي ( الجلاب ) : إن أضل الهدي الواجب قبل الوقوف ثم وجد
بمنى فروايتان : ينحره
بمنى ثم يبدله بهدي آخر
بمكة بعد أيام
منى ، ويؤخره حتى ينحره
بمكة ويجزئه ، فصار في الفرع أربعة أقوال : ينحره
بمنى ويجزئه ، ينحره
بمنى ويبدله بها ، ينحره
بمكة ويبدله بها ، ينحره
بمكة ويجزئه ، وفي ( الكتاب ) : لا يجزئ
ذبح جزاء الصيد ولا هدي إلا بمكة أو بمنى ، وما كان من هدي في عمرة لنقص فيها أو نذر أو تطوع أو جزاء صيد نحره إذا دخل
مكة أو ينحره
بمنى ، كما يفعل بعد التحلل إلا هدي الجماع في العمرة ويؤخره إلى قضائها أو بعد قضائها
بمكة على ما تقدم في فساد الإحرام .
وفي ( الجواهر ) : قال
عبد الملك يجوز النحر
بمنى ، وإن لم يقف
بعرفة ، وإذا نحر
بمكة ما وقف
بعرفة ففي الإجزاء أقوال ثالثها : يختص الإجزاء بما نحر بعد خروج أيام
منى . الفصل الرابع : في أزمانها ، وفي ( الكتاب ) :
لا يجزئ ذبح الهدايا قبل الفجر ، وكذلك نسك الأذى ، وإن قلد لقوله تعالى : (
في أيام معلومات ) [ الحج 28 ] واليوم النهار لقوله تعالى : (
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) [ الحاقة 7 ] ، ولأنه السنة ، وفي ( الجواهر ) : يراق دم الفساد والفوات في الحجة المقضية ، وقيل في الفائتة والمفسدة ; لأنه جبران لها .