[ ص: 387 ] الباب الثاني
في
أسبابه
وهي أربعة السبب الأول : وهو معتبر في أصل وجوبه ، ويتجه أن يكون إزالة منكر الكفر فإنه أعظم المنكرات ، ومن علم منكرا وقدر على إزالته وجب عليه إزالته ، ويدل على هذا قوله تعالى : (
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) [ البقرة 193 ] والفتنة هي الكفر لقوله تعالى : (
والفتنة أشد من القتل ) [ البقرة 121 ] ويرد عليه : لو كان سببا لانتقض بالنسوان والرهبان والفلاحين والزمنى ونحوهم فإنا لا نقتلهم مع تحقق السبب ، ويتجه أن يكون هو حراسة المسلمين وصون الدين عن استيلاء المبطلين ، ويعضده أن من أمن شره من النسوان ومن ذكر أن لا يقتل ، وكذلك من أذعن بإعطاء الجزية ، وهو الذي ينبني عليه قول
ابن رشد وعبد الوهاب ، ويرد عليه : أن ظواهر النصوص تقتضي ترتيب القتال على الكفر والشرك كقوله تعالى : (
جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) [ التوبة 73 ] و (
وقاتلوا المشركين كافة ) [ التوبة 36 ] وقوله عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349127قاتلوا من كفر بالله ) وترتيب الحكم على الوصف يدل عليه ذلك الوصف لذلك الحكم وعدم علية غيره ، ثم القتال قد يجب مع تأثيم المقاتل كقتال الحربي ، ومع عدم تأثيمه بل لدفع مفسدة افتراق الكلمة ، كقتال
علي - رضي الله عنه - من خالفه
[ ص: 388 ] من الصحابة ، أو لدفع مفسدة يعتقدها المقاتل بتأويله كقتال الصحابة له - رضي الله عنهم أجمعين - فهذا
سبب فرضه على الكفاية .
قاعدة : حكمة ما وجب على الأعيان أو على الكفاية : أن الأفعال على قسمين : منها ما تتكرر مصلحته الشرعية بتكرره فيجب على الأعيان ، كالصلوات الخمس فإن مصلحتها تعظيم الرب تعالى وإجلاله والخشوع له والخضوع بين يديه ، وهذا يتكرر تكرر الفعل ، ومنها ما لا تتكرر مصلحته الشرعية بتكرره ، كإنقاذ الغريق فإنه إذا سئل من البحر حصلت المصلحة فالنازل بعده لا يحصل مصلحة ; لتعذر المصلحة بعد ذلك .
سؤال : يشكل بالصلاة على الجنائز فإن مصلحتها إعفاء الميت من العقوبة بقبول الشفاعة ، وهذا غير معلوم فينبغي أن يتكرر ، وأن يجب على الأعيان جوابه : أن المطلوب من العباد إنما هو فعل صورة الشفاعة وهذا علم حصوله ، وأما المغفرة فأمر مغيب سقط اعتباره في حقنا وأقيمت مظنته مقامه كالرضا في البيع هو الأصل ، ولما كان خفيا أقيمت الصيغ والأفعال مقامه ، وألغي اعتباره حتى لو رضي بانتقال ملكه من غير قول ولا فعل لم ينتقل الملك .
فائدة : الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالوتر والفجر ، وقيام الليل على الأعيان ، والأذان والإقامة على الكفاية .
السبب الثاني : وهو معتبر في تعيينه ، وفي ( الجواهر ) : يتعين بتعيين الإمام فمن عينه تعين امتثالا للطاعة .
السبب الثالث : وهو معتبر في تعيينه مفاجأة العدو ، ومن يقدر على دفعه ففي ( الجواهر ) : إن لم يستقلوا بدفعه وجب على من يقرب مساعدتهم ، فإن لم يستقل الجميع وجب على من علم بضعفهم ، وطمع في إدراكهم ومعاونتهم المصير إليهم .
[ ص: 389 ] السبب الرابع : قال
اللخمي : استنقاذ الأسرى لقوله تعالى : (
وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) [ النساء 75 ] يريد تعالى من في
مكة من الأسرى والعجزى ، فإن عجزوا عن القتال وجب عليهم الفداء بأموالهم إن كان لهم مال ، فإن اجتمع القدرة والمال وجب أحد الأمرين ، قال صاحب ( البيان ) : يجب على الإمام
فك الأسرى من بيت مال المسلمين فما نقص عن بيت المال تعين في أموال جميع المسلمين على مقاديرها ، ويجب على
الأسير الغني فداء نفسه بماله ، وأكثر العلماء على أن من
فدى أسيرا بغير أمره وله مال يرجع عليه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين وغيره : لا يرجع لقوله عليه السلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349128فكوا العاني ) وجوابه من وجهين : أحدهما أن فكه أعم من كونه مجانا ، وثانيهما أنه محمول على من ليس له مال ، ومن له مال لا يفك من بيت المال إلا أن يكون كالجائزة له ، ومن فدى فقيرا فالصحيح عدم الإتباع لتعين ذلك على الإمام والمسلمين ، وظاهر الروايات خلافه وهو بعيد ، قال
ابن يونس ، قال في ( العتبية ) : يرجع على المفدى ، وإن كان أضعاف قيمته وهو مقدم على دين المفدى كالقوت وفداء ماله من اللصوص ودابته من ملتقطها والكراء على متاعه ، فذلك كله يقدم على الغرماء ، قال
محمد : وهذا في ماله الذي أحرزه العدو معه ; لأنه فدى ذلك ، قال
عبد الملك : إنما قدم على الغرماء ; لأنه يدخل في ذمته كرها وهو أقوى ، ولو اشتراه من المغنم بسهمه فلا شيء له عند
مالك ، والقول قول المفدى من دار الحرب ; لأنه فداه بيسير أو بغير شيء مع يمينه ، قال
ابن القاسم : إذا نودي على الحر في المغنم لم يرجع عليه مشتريه ، وإن كان ساكتا عمدا من غير عذر إن تفرق الجيش لعدم من يرجع عليه ، وقيل : يرجع على الجاهل الظان أن ذلك يرقه ، قال
ابن القاسم : والحر يمكن نفسه ممن يبيعه يتبع ، وقال غيره : لا يتبع وإن كان عالما ، قال
ابن حبيب : إذا
فدى أحد الزوجين صاحبه [ ص: 390 ] فلا رجوع إلا أن يفديه بأمره أو غير عالم به ، قال
ابن القاسم : وكذلك إن
فدى قريبه عارفا به ; لأنها قرينة تدل على التبرع كان ممن يعتق عليه أم لا ، إلا أن يكون بأمره كان يعتق عليه أم لا ، وغير عالم به رجع إن كان لا يعتق عليه وإلا فلا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : من
اشترى ذوي رحمه أو فداه رجع على من يرجع عليه بثواب الهبة إن كان عالما وإلا رجع مطلقا ، وكذلك في الأبوين والولد ; لأنه لا يملك بالفداء ،
ولا يفسح نكاح الزوجة إذا فداها زوجها ، قال
ابن حبيب : ولو
قالت لزوجها افدني ولك كذا أو مهري فليس إلا ما ودى ، قال
ابن القاسم : إن وفت له الفداء سقط المهر ، وقال
مالك : لا شيء له من المهر إلا أن يعلم أنها امرأته ، وقال
أشهب : إن
طلب العدو الفداء بالخيل والسلاح دفع بخلاف الخمر ، ومن فدى بخمر ونحوه لا يرجع به على المفدي ولا بقيمته ، ومن فدى أسارى بألف رجع على الموسر والمعسر بالسوية ، إلا أن يكون العدو علم الموسر وتشاح فيه ، وكذلك يستوي الأحرار والعبيد ، ويخير السيد بين الإسلام والفداء ، قال
المازري : وإن
اختلف الفادي والمفدي فالقول قول المفدي في إنكاره أصل الفداء ومقداره ، ولو ادعى ما لا يشبه لتمكنه من إنكار أصله ، وقيل : القول قول الفادي إن وافقه المفدي على أصل الفداء ، ويقدم على الغرماء فيما معه ببلاد الحرب ، وعند
عبد الملك فيما ببلد الإسلام ، وسوى بينهما
محمد ، وفي ( الكتاب ) : إذا قال كنت قادرا على التحيل والخروج بغير شيء ، وظهر صدقه لم يتبع إن افتداه بغير علمه ، وإن قال كنت أفدى بدون هذا ، وتبين صدقه سقط الزائد ومتى كان عالما بافتدائه ولم ينكر اتبعه ، كان قادرا على الخروج بغير شيء أو بدون ذلك ; لأنه رضي بذلك .
فروع ستة : الأول في ( الكتاب ) : قال
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد : إذا
اؤتمن الأسير على شيء وفى أمانته ، وله أخذ ما لم يؤتمن عليه ، قال
ابن يونس ، قال
ابن [ ص: 391 ] القاسم : ولا يخمس ما يهرب به ; لأنه لم يوجف عليه ، وإن كان خرج إلى دار الحرب فأسر خمس ; لأنه لم يحصل إلا بالإيجاف ، ولا يجوز له وطء الجارية حتى يستقر ملكه بدخوله إلى دار الإسلام ، وإن كانت لا تخمس ، ولا يعاملهم بالربا ، قال
الأشهب : إذا دفعوا إليه ثوبا ليخيطه فلا يخون فيه ; لأنه اؤتمن عليه ، قال
محمد : إذا
خان أو رابى ثم تخلص تصدق بقدر ما رابى وخان ; لتعذر وصوله إلى ربه ، ولا شيء عليه في السرقة ، قال
ابن القاسم : يقام عليه الحد في الزنا سواء
زنى بحرة أو بمملوكة خلافا
لعبد الملك .
الثاني في ( الكتاب ) : إذا
فدى ذمية لا يجوز له وطؤها ، وله عليها فداؤها ، وترجع ذمية على حالها .
الثالث : في ( الجواهر ) : إذا
ولدت الأسيرة المسلمة عندهم ثم غنمناها : فالصغار بمنزلتها ، والكبار إذا بلغوا وقاتلوا فيء ، وقال في ثمانية
ابن أبي زيد : الولد تبع في الحرية والإسلام ، ومن امتنع منه بعد بلوغه فهو مرتد ، وقال
أشهب : حملها وولدها الكبير فيء تغليبا لحكم الدار ولو كانت أمه ، قال
ابن القاسم : كبير ولدها وصغيرهم لسيدها ، وقال
عبد الملك : الكبير والصغير فيء نظرا للدار ، وشبهة ملك الكفار بالجور ، وقال
أشهب : هم فيء إلا أن تكون تزوجت فلسيدها لوجود أبوة معتبرة تستتبع ، وأما الذمية فقال
الشيخ أبو إسحاق : هي مردودة إلى دينها ، وصغار ولدها : المطيق للقتال منهم فيء .
الرابع : قال
المازري : إذا اشترى من بلاد الحرب سلعا تتملك
[ ص: 392 ] فلصاحبها أخذها بالثمن ، والموهوب بغير عوض ، وإن اشترى من الحربي ببلدنا : ففي ( الكتاب ) : لا يأخذه ، وقال
محمد : يأخذه بالثمن .
الخامس : قال
ابن القاسم : إذا كان
مع الأسير امرأته أو أمته جاز وطؤهما إن تيقن سلامتهما من وطء العدو ، وأكرهه لبقاء ذريته بأرض الحرب ، وترك الأمة أحب إلي ; لأن الحربي إن أسلم علها كانت ملكا له ، قال بعض الأصحاب : أما الحرة فكما قال ، وأما الأمة : فعلى قول من يقول له أخذ ماله بعد القسم بغير ثمن ، وإن الكفار لا شبهة لهم ، يجوز وطؤها ، ويحرم على القول بأنهم يملكون ، وأنه لا يأخذ بعد القسم ، ويكره على المشهور .
السادس : في ( الجلاب ) : إذا
خرج الأسير إلينا وترك ماله في أيديهم ثم غزا مع المسلمين فغنموا ماله فهو أحق به قبل القسم بغير ثمن ، وبعد القسم بالثمن .