المدرك الثالث :
العرف ، وهو قسمان : فعلي ، وقولي ، والقولي قسمان : في المفردات ، والمركبات ، وعرف المفردات قسمان : في بعض أفراد الحقيقة اللغوية ، وأجنبي منها ، فالفعلي هو غلبة ملابسة بعض أنواع مسمى اللفظ ، وهو غير مقدم على اللغة ، ولا معارض للوضع ، كما لو
حلف الملك لا يأكل خبزا . وعادته أكل الحوارى ، ولا نية له ، فإنه يحنث بالجريش ; لأن اللفظ لم يختص بالحوارى ، والأصل :
[ ص: 28 ] اعتبار اللغة ، والقولي في بعض أفراد الحقيقة كلفظ الدابة غلب استعماله في الحمار حتى صار لا يفهم من اللفظ غيره ، وكذلك الصلاة ، وسائر العبادات ، واصطلاحات أرباب العلوم ، والصناعات ، والأجنبي من الحقيقة نحو لفظ الغائط ، فإنه المكان المطمئن ، وغلب استعماله في الفضلة الخارجة من الإنسان ، وهي ليست بعض المواضع المطمئنة ، وعرف المركبات كغلبة استعمال مركب مخصوص ومعنى مخصوص في سياق مخصوص حتى يصير أشهر فيه مما لا تقتضيه اللغة كقول القائل لغريمه لأقضينك في رأس الشهر . في قصد عدم التأخير عن هذه الغاية دون التأخير إلى رأس الشهر ، وقول القائل لامرأته : والله لا كسوتك . في إرادة التضييق دون خصوص الكسوة حتى يحنث بدفع الدراهم إليها ، وهذا القسم من العرف غير بساط اليمين ، فإن البساط حالة تتقدم الحلف تختلف في صوره ، وهذا العرف يعلمه من نفس اللفظ المركب مع الجهل بالحالة كيف كانت ، فالعرف القولي كله مقدم على اللغة ; لأنه عليه استعمال اللفظ في غير المسمى اللغوي ، فهو ناسخ للغة ، والناسخ مقدم على المنسوخ ، بخلاف الفعلي ليس معارضا للفظ النية ، ففرق بين غلبة استعمال اللفظ في غير مسماه ، وبين غلبة ملابسة بعض أنواع مسماه ، فتفطن لهذه المدارك ، فهي حسنة .
تفريع : في ( الكتاب ) : الحالف ليقضينه حقه غدا ، فقضاه اليوم بر ؛ خلافا لـ ( ش ) . قال
ابن يونس : قال
مالك : لو
سأله قرض خمسة عشر ، فحلف ليس معه إلا عشرة ، فوجدها تسعة لا يحنث ; لأن المقصود في العادة ليس معنا إلا عشرة فما دون ، ولو وجدها أحد عشر حنث . قال
ابن القاسم : الحالف لا يبيع بمائة دينار يزاد للمائة دينار ، وللخمسين نصف دينار إلا أن تكون له نية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16991ابن عبد الحكم : يبر بأقل من ربع دينار ، وفي ( الكتاب ) : الحالف لا يكسو زيدا أو
[ ص: 29 ] امرأته ، فأعطاه أو إياها ما اشترى به ثوبا حنث ، وإن افتك ثيابها من الرهن حنث ، ثم عرضتها عليه ، فقال امحها ، وأرى أن لا يحنث ( ان واشرا ثوب اوهبه ولا حنث ) .
نظائر : الممحوات في ( الكتاب ) أربعة : هذه ،
وإذا ولدت الأضحية ، فحسن أن يذبح معها ولدها ، وإن أبى لم أر ذلك عليه ، ثم قال : امحها ، واترك : إن ذبح فحسن . قال
ابن القاسم : ولا أرى ذلك عليه واجبا ، ولا يجوز
نكاح المريض والمريضة ، ويفسخ وإن دخلا ، وكان يقول : لا يثبت وإن صحا ، فمحاه ، وقال : يثبت ، وإذا
سرق ولا يمين له ، أو له يمين شلاء قال : تقطع رجله اليسرى ، ثم قال : امحها ، بل يده اليسرى ، وبالأول قال
ابن القاسم . قال : والحالف لا يهب لأجنبي ، أو امرأته دنانير ، فيكسوهما ، أو يعطي الرجل فرسا أو عرضا يحنث ; لأن المقصود بهذا في العادة تجنب النفع ، فإن نوى الدنانير دون غيرها نوي في الزوجة دون الرجل ; لأن العادة كراهة دفع الذهب للنساء لسوء نظرهن . قال
ابن يونس : ينوى عندي في الرجل كالمرأة إذا علم من حاله سوء نظره في الذهب . قال
أبو محمد : إنما يعني في الزوجة غير الثياب اللازمة ، أما اللازمة فلا يحنث ، وفي ( البيان ) : الحالف ليوفينه حقه بموضع كذا ، فلم يجده . قال
ابن القاسم : لا شيء عليه .