المدرك الرابع : مقتضى اللفظة لغة ، في ( الجواهر ) : المشهور ترتيب هذه المدارك في الاعتبار على ما تقدم . إن فقدت النية فالبساط ، فإن فقد فالعرف ، فإن فقد فاللغة ، وقال ( ش ) ، و ( ح ) ، وقال
أبو الطاهر : إن فقدت النية والبساط ، فهل يحمل اللفظ على اللغة ، أو العرف ، أو مقتضاه شرعا إن وجد ؟ ثلاثة أقوال . قال
أبو الوليد : هذا في المظنون أما المعلوم كقوله : والله لأرينه النجوم بالنهار ، ونحوه ، فلا خلاف أنه يحمل على ما علم من ذلك من المبالغة دون الحقيقة . قال
اللخمي : إذا
[ ص: 30 ] اجتمع البساط والعادة واللغة قيل : يحمل على اللغة دون البساط والعادة ، وقيل : على البساط دون العادة ، وقيل : عليهما .
تفريع على هذا المدرك : في ( الكتاب ) :
الحالف لا يلبس ثياب فلان ، ولا يسكن داره ، ولا يأكل طعامه ، فاشترى ذلك منه ، وفعل ما حلف عليه لا يحنث إلا أن يكره تلك الأشياء لمعان فيها ، وإن انتقلت إليه بالهبة دون الصدقة ، ففعل فيها ذلك حنث إن كان الحلف لدفع المنة ، ولو أطعم المحلوف ولد الحالف خبزا ، فأكل منه الأب غير عالم حنث ، وفي ( النكت ) قال بعض القرويين : إن كان الأب موسرا له رد ما وهب للصبي حنث ، وإلا فلا ، وهو معنى قول
مالك . والعبد والولد سواء إلا أن يكون على العبد دين ، فليس له رد ما وهب له . قال
التونسي : ولم يفرق
مالك ، ولعله أراد أن ذلك يسير ، للأب رده ، أما ما له بال لا يقدر على رده ، فلا ينبغي الحنث ، وإن حلف لا ينتفع بشيء من مال فلان ، فأطعم فلان ولد الحالف ، فإن كان يسيرا لا يدفع عنه مؤنة ابنه لم يحنث ، وإلا حنث . قال
ابن يونس : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : يحنث بالولد دون الأب ، ولم يفصل . قال
مالك : والحالف بالطلاق لا يأكل طعام فلان ، فاشتريا طعاما ، فأكلاه يحلف ما أراد إلا طعاما خالصا ، ولا شيء عليه . قال
أصبغ : لا يحنث إذا أكل مثل طعامه فأقل ، وفي ( الكتاب ) :
الحالف لزوجته لا تخرج إلا بإذنه ، فأذن لها في سفر ، أو حيث لا تسمعه ، وأشهد ، فخرجت بعد إذنه ، وقيل : علمها بإذنه ، فإنه حانث ؛ خلافا لـ ( ش ) لأنها خرجت بداعيتها لا بإذنه ، والحالف لا يأذن لها إلا في عيادة مريض ، فخرجت بإذنه ، ثم مضت إلى حاجة أخرى لم يحنث ; لأن ذلك بغير إذنه إلا أن يتركها بعد علمه ، وقال ( ش ) : إذا
قال لها : إن خرجت بغير إذني فأنت طالق ، فخرجت مرة [ ص: 31 ] بإذنه انحلت اليمين ، فإن خرجت بعد ذلك بغير إذنه لم يحنث خلافا لـ ( ش ) ، ولـ ( ح ) .
لنا : أن اليمين لا تحل إلا بالحنث ، ولم يحنث .
قاعدة : الاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي لغة ، ومقتضى ذلك أن الحالف حلف على أمرين : الإثبات والنفي ، فيكون معنى قوله : لا آذن لك إلا في عيادة مريض ، والله لا تخرجين للمريض إلا بإذني ، والله لا آذن لك في غيرها ، فإن خرجت لمريض بغير إذنه حنث ، وكذلك إذا قال : والله لا لبست ثوبا إلا الكتان . ينبغي أن يحنث إذا لم يلبس الكتان وقعد عريانا ، وبه قال الشافعية خلافا لنا . قال صاحب ( القبس ) في كتاب الصلاة منه :
حلف شخص بالبيت المقدس لا لعبت معك شطرنجا إلا هذا الدست ، فجاء رجل ، فخبط عليهم ذلك الدست .
قال : اختلفت فتاوى الفقهاء فيه حينئذ ، فأفتى بعض الشافعية بعدم حنثه ، وأفتى غيرهم بحنثه ، واجتمعت بعد ذلك
بالطرطوشي ، فأفتى بعدم الحنث ، حجتنا من وجوه : الأول : إن هذا استثناء إثبات من الحلف لا من المحلوف عليه ، فيكون الكتان غير محلوف عليه ، فلا يحنث ، ويؤكده أن قبل النطق بإلا كان حكم اليمين متقررا ، فقد تقدم قبلها أمران : حكم اليمين ، وكونه محلوفا عليه ، فليس صرف الاستثناء إلى عدم اللبس بأولى من صرفه إلى الحلف ، بل الحلف أولى ; لأن الأصل براءة الذمة من الكفارة . الثاني : سلمنا أنه استثناء من نفي ، وهو عدم اللبس ، فيكون مخبرا عن اللبس ، فيما بعد ( إلا ) لكن لا يلزم أن يكون محلوفا عليه ; لأن الأصل عدم تعلق اليمين بأكثر من واحد . الثالث : قدمنا أنه يقتضي في اللغة أن ما بعد ( إلا ) محلوف عليه لكن إذا لم تكن ( إلا ) بمعنى ( غير وسوى ) فإنها تستعمل بمعناها لقوله تعالى : (
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) ( الأنبياء : 22 ) أي غير الله ، وعلى هذا التقدير يكون المحلوف عليه هو اللبس الموصوف بكونه مغايرا للكتان ، والكتان ليس داخلا فيه . الرابع : سلمنا أنها ليست للصفة لكن العرف
[ ص: 32 ] اقتضى أن ما بعدها ليس محلوفا عليه ، فإنه لا يفهم عرفا إلا ذلك ، والعرف مقدم على اللغة .
تفريع : قال
اللخمي : قال
محمد :
الحالف : لا خرجت بإذني ، ثم قال : اخرجي حيث شئت ، فخرجت لم يحنث ، وإن
قال : لا خرجت لموضع إلا بإذني ، ثم قال : اخرجي حيث شئت ، فخرجت حنث ، وقيل : هو كالأول ، وإن أذن لها ولم تخرج حتى منعها حنث . قال
مالك : وإن خرجت ، ثم رجعت لحاجتها ، ثم خرجت لم يحنث ، وإن رجعت رفضا لخروجها حنث ، وقال
ابن القاسم : هو حانث ، ولم يفرق . قال
ابن حبيب : إن لم تبلغ الموضع الذي خرجت إليه لم يحنث ، وإلا حنث ، وإن حلف لا خرجت إلا بإذني ، فرآها تخرج ، ولم يمنعها حنث ، وإن حلف لا أذنت لك ، فرآها ، ولم يمنعها ، فإن أراد منعها من الخروج حنث ، وإن حلف لا خرجت إلا لعيادة مريض بإذنه ، فخرجت لغير مريض ، أو لمريض بغير إذنه حنث . قال
ابن القاسم :
القائل أنت طالق إن خرجت إلى أهلك ، فخرجت ، ولم تبلغ أهلها حتى ردها حنث ; لأنها قد خرجت لهذا الغرض .
تفاريع اثنا عشر
الأول : في ( الكتاب ) :
الحالف لا يلبس هذا الثوب ، فيقطعه قباء أو قميصا أو غيره ، يحنث بلبسه إلا أن يكرهه لضيقه ، وإن اتزر به ، أو لف به رأسه ، أو جعله على منكبه حنث ، ولو جعله في الليل على فرجه ، ولم يعلم لم يحنث ; لأن هذا ليس لبسا . قال
ابن يونس : من سما
أشهب : إن
حلف أن لا يضطجع على فراش ففتقه والتحف والتف به حنث ، إلا أن يكرهه لحشوه .
الثاني : في ( الكتاب ) :
الحالف لا يركب دابة فلان ، فركب دابة عبده يحنث إذ لو اشترى العبد من يعتق على سيده عتق ، وقال
أشهب : لا يحنث .
[ ص: 33 ] الثالث : في ( الكتاب ) أن
الحالف لا ثوب له ، وله ثوب مرهون فحنث ، كان فيه فضل أم لا ، وإن
حلف ليعلمنه أو ليخبرنه بكذا فعلماه جميعا لم يبر حتى يعلمه أو يخبره ، وإن كتب إليه أو أرسل به إليه بر ، ولو
أحلفه ليكتمن سره ، ثم أسره المسر لآخر ، ثم ذكره الآخر للحالف ، فقال له : ما حسبت أنه أسره إلى غيري حنث ، والحالف لا يتكفل بالمال يحنث بالكفالة بالنفس ; لأنها كفالة بالمال إلا أن يشترط عدم المال لا يحنث ،
والحالف لا يتكفل لفلان ، فتكفل لوكيله ، ولم يعلم أنه وكيله لم يحنث ،
والحالف ليضربن عبده مائة سوط ، فيجمعها ، ويضربه بها ضربة واحدة لم يبر ، وقاله ابن حنبل خلافا لـ ( ش ) ، و ( ح ) ; لأنه ضرب بمائة سوط ، ولم يضربه مائة سوط ، وكذلك لو ضربه بسوط له رأسان خمسين ، أو ضربه ضربا غير مؤلم ; لأن العرف يفرق بين الضرب والمس بالإيلام .
الرابع : في ( الكتاب ) : الحالف : ليقضينه حقه إلى أجل ، فقضاه فوجد فيه نقصا بينا ، أو دانقا لا يجوز ، واستحق من يده ، فطالبه بعد الأجل حنث ،
والحالف لا يفارقه إلا بحقه ، فأحاله ثم وجد فيه ما ذكرناه بعد المفارقة يحنث ، ولو أعطاه عرضا يساويه بر ، ثم استثقله
مالك ، وبالأول قال
ابن القاسم ،
والحالف : لا يفارقه إلا بحقه ، ففر منه أو أفلت حنث إلا أن يكون معنى قوله : لا أتركه إلا أن يفر ، أو أغلب عليه .
الخامس : في ( الجواهر ) :
الحالف : لا يفارق غريمه إلا بحقه لا يبر بالكفيل والرهن والحوالة ،
والحالف لا يفارقه إلا بنفقة يبر بالثلاثة ،
والحالف : لا يفارقه وبينه وبينه معاملة يبر بالحوالة دون الكفيل والرهن .
السادس : قال
ابن يونس : الحالف : ليبيعن عبده إلى أجل ، فباعه قبل الأجل ، فرد بعيب ، ففي تحنيثه أقوال : ثالثها : التفرقة بين علمه بالعيب ، فيحنث ، أو عدم علمه ، فلا يحنث ، وقال عبد الملك :
الحالف : لا ينفعه ما عاش ، فمات ، فكفنه حنث ; لأن الكفن من توابع الحياة ، وكذلك
لو حلف لا يدخل عليه ما عاش [ ص: 34 ] خلافا
لسحنون ، ولو
حلف : لا ينفعه ، فنفعه بنهي عن شتمه لا يحنث ; لأنه دفع ضرر لا تحصيل نفع ، بخلاف ما لو خلصه من يد خصمه . قال
محمد : ولو أوصى له بوصية ، ثم رجع عنها حنث .
السابع : في ( الكتاب ) :
الحالف لامرأته : لا قبلتك ، أو ضاجعتك ، فقبلته من ورائه ، أو ضاجعته نائما لا يحنث إلا أن يسترخي للقبلة ، والحالف : لا قبلتني ، أو ضاجعتني يحنث مطلقا .
الثامن : في
الحالف ليقضينه رأس الشهر ، أو عند رأس الشهر ، أو إذا استهل ، فله يوم وليلة أول الشهر ، وإن قال : إلى رمضان ، أو إلى استهلاله حنث بمجرد الاستهلال ، ولم يبر بهبة الحق ، أو إسقاطه صدقة أو صلة ; لأنه ليس نقصا ، وإن مات رب الحق قبل الأجل دفعه لورثته ، أو وصية ، أو رق للسلطان قبل الأجل ، والحالف
: لا يهبه يحنث بالصدقة ، والعارية ، ونحوهما إلا أن تكون له نية . قال
ابن يونس : قال
التونسي : حنثه بالاستهلال ، ولم ير ذلك في المساكنة ، وكان يجب أن يكون القضاء موسعا ما دام يسمى هلالا ، وهو ليلتان ، وقيل في قوله : لأقضينك في آخر الشهر أنه في عشر أيام منه ، والحالف ليقضينه بكرة أو غدوة ، ففيما بينه وبين نصف النهار ، وقيل في بكرة : يعجل قبل ذلك . قال
ابن القاسم : وإذا لم يقل إلى شعبان ، بل ذكر اللام ، أو عند ، أو لدى ، فله ليلة يهل الهلال ، أو يومه ، وإن قال : إلى انسلاخه ، فبالغروب ، أو عند انسلاخه ، أو في انسلاخه ، وإذا انسلخ فليلة ويوم ، وفي انقضائه ، أو في آخره هو كانسلاخه ، وروي عن
مالك أن الانسلاخ ، والاستهلال ، أو رؤيته كل ذلك يوم وليلة . قال
ابن القاسم : ولأقضينك في رمضان لا يحنث إلا بغروب الشمس من آخره . قال
أشهب : فإن قال : نصفه ، فأربعة عشر يوما لاحتمال نقصه ، فإن قضى يوم خمسة عشر حنث ، وقيل : لا شيء عليه ; لأنه النصف المعتاد ، وقاله
أشهب [ ص: 35 ] أيضا . قال صاحب ( البيان ) : قال
ابن القاسم :
الحالف ليقضينه في انسلاخ الهلال ، أو إلى استهلال الهلال ، أو إلى رؤية الهلال ، أو إلى رمضان ، أو في آخره ، أو في انقضائه ، أو إلى دخول الهلال ، أو عند آخر الهلال ، أو إلى ذهاب الهلال ، أو إلى رأس الهلال ، أو في رمضان ، وهو فيه ، أو إلى حلول رمضان - حنث في جميع ذلك إذا غربت الشمس ، ولو قال : حين محله ، أو مجيئه ، أو لمجيئه ، أو إلى مجيئه ، فكذلك ، ولو قال : حين ينقضي ، أو حين يستهل ، أو حين يذهب ، أو إذا استهل ، أو عند رؤية الهلال ، أو إذا رئي الهلال ، أو في رؤية الهلال ، أو عند قضاء رمضان ، أو إذا دخل رمضان - فله يوم وليلة . فهي نحو خمسين صيغة تختلف بحسب اللغة ، يحنث فيها بغروب الشمس سواء سمى معها آخر شعبان ، أو أول رمضان ، وإذا لم يذكر ( إلى ) فما اقتضى الفعل قبل تمام شعبان ، فكذلك ، أو بعد تمامه ، فله يوم وليلة من أول رمضان ، ومنها ما هو بين ، ومنها ما هو مشكل نحو قولك : لحلول رمضان ، فحنث بغروب الشمس بخلاف : لمجيئه ولرؤيته ، له يوم وليلة . قال : وما بينهما فرق ، ونحو قوله : عند آخر الهلال ، يحنث بغروب الشمس ، وعند انسلاخ الهلال ، له يوم وليلة ، وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=13469ابن كنانة فيما جعل فيه
ابن القاسم يوما وليلة من الغروب إلى الضحى حتى تقوم الأسواق ، ويشهد الناس على حقوقهم . قال
ابن القاسم :
الحالف ضحى لا يكلمه يوما يكف عن كلامه إلى مثل ذلك الوقت ، ولو قال أياما . أمسك ذلك العدد إلى ذلك الحين ، وقيل : يكفي بقية ذلك اليوم ،
والحالف بالنهار لا يكلمه ليلا ، أو بالليل لا يكلمه نهارا لم يكن عليه الإمساك بقية يومه ، أو ليلته ،
ولسحنون في الحالف : لا يكلمه ليلة يكمل على بقية ليلته ، وأوله بهذه الليلة ، ويلزمه ذلك في اليوم ، وقال فيه : لا بد من النهار والليلة جنوحا إلى القول بأن الليل من الطلوع إلى الطلوع ، ومن الغروب إلى الغروب ، وهو مخالف لقوله تعالى : (
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام ) ( الحاقة : 7 ) بل
متى حلف : لا يكلمه ليلا اجتنب الليل أبدا ، أو نهارا اجتنب النهار أبدا إلا أن
[ ص: 36 ] ينوي التخصيص ، وإذا
حلف ليفعلن قبل البيات : قال
ابن القاسم : هو إلى ثلث الليل الأول ; لأنه المقصود عادة ، وقال
أصبغ : إلى غروب الشمس نظرا إلى اللغة ، وإن حلف نهارا ، فإلى هدو الناس ، وإن حلف عشاء . قال : والصواب إلى نصف الليل ; لأن الرجل لا يكون بائتا في المكان إلا إذا أقام أكثر من نصف الليل ، ولذلك يسأل أين تبيت إذا لقي قبل نصف الليل ، ويقال له بعد : أين بت ؟ .
التاسع : في ( البيان )
الحالف : لا يشتري أكثر من عشرة ، فاشترى هو وشركاؤه ثلاثين . قال
ابن القاسم : لا يحنث إذا قاسمهم فحصل له عشرة فأقل ، وإلا حنث ،
والحالف لا يأكل ديكا لا يحنث بالدجاج ، وبالعكس يحنث ; لأن الديك أخص من الدجاج ، أو لا يركب فرسا حنث بالبرذون بخلاف العكس ،
والحالف لا يأخذ منه درهما ، فأخذ ثوبا فيه دراهم لا يعلم بها حنث عند
ابن القاسم لوجود الأخذ خلافا
لأصبغ ، ويأتي فيه قول ثالث من السرقة : إن كان شأنه وضع الدراهم فيه حنث ، وإلا فلا ،
والحالف لا يدخل بيت فلان أبدا ، فمات ، فلا يدخله حتى يدفن لبقاء صدق الإضافة ،
والحالف ليقضينه في الربيع ، أو في الصيف ، أو الخريف ، أو الشتاء . قال
ابن القاسم : الربيع قبل نزول الشمس الحمل بنصف شهر ، وتكمل له ثلاثة أشهر ، ثم يبتدئ الصيف ، ثم بقية الفصول كذلك ، وقال
ابن حبيب : الربيع قبل نزول الشمس الحمل بشهر ، ثم تترتب الفصول على ذلك لكل فصل ثلاثة أشهر شمسية . قال : وهو أعدل من القول الأول ; لأن الربيع يرجع إلى اعتدال الهواء ، وآخر كل فصل شبيه بما يليه في الحر والبرد . قال
ابن القاسم : وإن حلف إلى الحصاد لا يحنث بآخره ; لأن الغاية تدخل في المغيا .
والحالف لا يدخل حتى يأكل زيد ، أو لا يبيع حتى يبيع ، ففعلا ذلك معا حنث ; لأن الغاية شأنها التأخير . قال
أبو الطاهر :
الحالف ليفعلن في العيد ، أو إلى العيد قيل : تدخل ليلة العيد ; لأن الليل سابق النهار ، وقيل : له
[ ص: 37 ] صلاة العيد ، والانصراف منه ، وفي انتهاء العيد ثلاثة أقوال : بانقضاء يومه ، بانقضاء ثلاثة أيام ، التفرقة بين الأضحى - فله ثلاثة أيام - وبين الفطر ، فينقضي بانقضاء يومه .
العاشر : قال صاحب ( البيان ) : إذا
حلف عبد ليقضين غريمه إلى أجل ، فقضاه قبله من عين سيده أو سرقة من ماله إن علم السيد قبل الأجل ، فأنكر لم يبر بهذا القضاء ، وإلا بر ، وإن لم يعلم إلا بعد الأجل ، فثلاثة أقوال : الحنث
لابن القاسم ، أجاز السيد أم لا ، وهو ظاهر ( الكتاب ) فيما إذا استحق ما قضى ; لأنه وإن أجاز فهو بعد الأجل ، وعكسه
لأشهب لحصول القضاء في الأجل ، والتفرقة
لابن كنانة بين إجازة السيد ، فيبر ، وإلا فلا ، وهذا إنما هو إذا قامت بينة على عين النقد أما إذا لم تقم بينة ، أو قامت ، وقلنا : النقدان لا يتعينان بر العبد ، ورجع السيد على عبده أو غريمه .
الحادي عشر : قال
ابن يونس : قال
ابن القاسم :
الحالف : لأقضينك غدا يوم الجمعة ، أو يوم الجمعة غدا ، أو ذلك ظنه ، وظهر يوم الخميس إن لم يقض فيه حنث ; لأنه التزم المشار إليه ، وإن قال : عند صلاة الظهر ، فإلى آخر القامة ، فإن قال : قبل أن أصلي ، فإلى انصراف الناس من الجامع ، وإن لم يصل هو ، فإن لم يكن لهم مسجد جماعة ، فإلى آخر الوقت . قال
ابن حبيب : إذا وهب له الحق قبل الأجل ، أو تصدق به عليه ، فقبله حنث ، ولا ينفعه القضاء قبل الأجل ، فإن لم يقبله وقضاه بر ، ولا قيام له بالهبة ، أو الصدقة إلا أن لا يظهر منه رد ، ولا قبول ، وإن ورثه الحالف لا يحنث ; لأنه مكروه ، واستحسن في ( العتبية ) أن يقضيه الإمام ، ثم يرده عليه . قال
محمد : ولو
حلف ليقضينه حقه ، أو ليرهننه ، فقضاه النصف ، ورهن النصف بر ، ولو
حلف ليقضينه ، أو يرهننه داره ، فقضاه النصف ورهن نصف داره حنث ; لأنه أولا حلف على مسمى القضاء ، أو الرهن من غير تقييد ، وقد
[ ص: 38 ] فعل ، وثانيا التزم الرهن في جملة الدار بدلا عن القضاء ، ولم يقض جملة الحق ، ولا فعل بدله ، وإذا غاب الطالب ، واحتجب عنه السلطان ، أو خشي من طلبه فوات الأجل ، أو كان بقرية ليس فيها سلطان - دفعه إلى عدول وأشهد على ذلك ، قاله في ( الكتاب ) خلافا
لسحنون ، وقاله
مالك أيضا إن لم يجد سلطانا مأمونا ، ودفع إلى ثقة من أهل الطالب ، أو وكيل ضيعته ، أو إلى أخيه بر ، ولكنه يضمنه إلى وصوله إلى ربه ، وقيل : إن دفع لبعض الناس من غير عذر بر . قال
مالك : وإن دفعها إلى الإمام يأكلها عالما بذلك ضمن ، وإن لم يعلم فلا ، ولا يحلف ، قال
ابن حبيب : فإن غاب الحالف ، وأراد بعض أهله تخليصه من الحنث بالدفع من ماله ، أو من مال نفسه لم يبر إلا أن يوصي بذلك قبل الأجل . قال
ابن القاسم : وكذلك وكيله على البيع والشراء لا يبرأ بدفعه إليه إلا أن يأذن له . قال
ابن حبيب : وإن
جن الحالف قبل الأجل قضى عنه الإمام وبر ; لأنه وكيل المحجور عليهم ، فإن لم يفعل حتى مضى الأجل لم يحنث قياسا على عدم انعقاد يمينه ، وحنثه
أصبغ نظرا إلى انعقاد السبب حالة التكليف ، وهو اليمين . قال
ابن القاسم : فلو كان الحق عبدا ، فاستحق ، أو ظهر البيع حراما أو رد بالعيب لا يبر حتى يوفيه ، ثم يرده إليه ،
والحالف : لا يضع . فينظر ، حنثه مالك ; لأن النظرة إسقاط في المعنى ، وقيل : لا يحنث لاستيفاء جملة حقه . قال : وفي ( الكتاب ) : لأقضين لك حقك يوم كذا إلا أن تشاء ، فمات الطالب صح تأخير الوارث الكبير ، ووصي الصغير إن كان لا دين عليه ; لأنه حق ينتقل للوارث ، وقال
ابن القاسم : يجزئه تأخير الغرماء إن أحاط الدين بماله ، ولو مات الحالف قبل الأجل لم يحنث ، وليس على الورثة يمين ، ولا حنث ،
والحالف : لا يفعل كذا إلا بإذن زيد ، فمات زيد لم يجزه إذن ورثته ; لأنه ليس حقا للميت حتى ينتقل إلى الورثة ، ولو علق على إذن الأمير ، فمات الأمير ، أو عزل ناب إذن الذي يلي بعده ، ولا يفعل إلا بإذنه إن كان تحليف الوالي له نظرا وعدلا .
[ ص: 39 ] الثاني عشر : قال صاحب ( البيان ) : الحالف ليقضينه صدرا من حقه . قال
مالك : الصدر : الثلثان . قال : ولو قيل النصف ، لكان وجها ، وقال
ابن نافع : الثلث . والحالف : لا يبيع عبدا ، رهنه فباعه عليه السلطان ، يجري على الخلاف في حنث الحالف لأفعل فعلا ، فقضى عليه السلطان به ، وإذا قلنا بحنثه لم ترجع اليمين عليه إلا على القول بأن المالك الثاني عبد ثان .