المدرك السابع :
تنزيل بعض المحلوف عليه منزلة كله في سياق البر دون الحنث ، وله ثلاث صور ، إحداها : أن يكون المسمى واحدا ، ونحو : والله لا أكلت هذا الرغيف ، ومع العطف نحو : لا كلمت زيدا ولا عمرا . أو التثنية والجمع نحو : لا كلمت الرجلين ، أو الرجال ، وخالفنا الأئمة في الجميع ; لأنه حلف على اجتناب مدلول اللفظ ، فإذا ترك بعضه ، فقد وافق مقتضاه ; لأنه يكفي في نفي كل مركب نفي أحد أجزائه ، وإذا كان موافقا كان بارا ، فلا يحنث ، وهو متجه لأصحاب
مالك ، الأول : طريقة الفرض والبناء ، وهي أن تقول في صورة العطف : لو
قال : لا كلمت زيدا ، ولا عمرا حنث بأحدهما اتفاقا ، واتفق أئمة اللغة على أن ( لا ) في العطف للتأكيد ، والتأكيد لا يزيد على حكم الأصل شيئا ، فكما يحنث مع ( لا ) يحنث مع عدمها ، وإذا ثبت الحكم في هذه الصورة عم جميع الصور ; لأنه لا قائل بالفرق ، ويرد عليه أن الخصم يمكنه فرض الكلام في الحقيقة الواحدة بالرغيف مثلا ، وبين حصول موافقة اليمين بتركه لجزئه كما تقدم ، ثم نقول : لا قائل بالفرق ، فينعكس المسلك بعينه للخصم . الثاني : أن القاعدة الشرعية أن الانتقال من الحل إلى الحرمة يكفي فيه أدنى سبب ، ومن الحرمة إلى الحل بالعكس ; لأن العقد على الأجنبية مباح ، فتذهب هذه الإباحة بعقد الأب عليها من غير وطء ، والمبتوتة لا
[ ص: 41 ] تذهب حرمتها إلا بعقد المحلل ووطئه ، وعقد الأول عليه ، والمسلم محرم الدم لا تذهب هذه الحرمة إلا بالردة ونحوها ، فإذا أبيح دمه يحرم بالتوبة ، وهي أيسر من الردة ، والقتل ، والزنا ، والحرابة ، والأجنبية لا يزول تحريم وطئها إلا بالعقد المتوقف عليها ، وعلى الولي والزوج ، وإباحتها بعد العقد يكفي فيه الطلاق الذي يستقل الزوج به ، وذلك كثير في الشرع ، وكذلك الخروج إلى الحنث يكفي فيه أدنى سبب ، والخروج منه إلى البر يشترط فيه سبب أقوى ، وهو فعل الجميع ، ويرد عليه : أنكم إن ادعيتموها كلية ، فمعناها لاندراج صورة النزاع فيها ، ولأن الدعوى الكلية لا تثبت بالمثل الجزئية ، وإن ادعيتموها جزئية ، فتحتاجون إلى دليل آخر يوجب كون صورة النزاع كذلك ، فإن كان القياس فأين الجامع المناسب لخصوص الحكم السالم عن الفارق ؟ أو غير القياس ، فبينوه . الثالث : إذا حلف ليفعلن ، فهو كالإبراء أو لا يفعل ، فهو كالنهي ، والنهي عن الشيء نهي عن أجزائه ، فيكون فاعل الجزء مخالفا ، والمخالف حانث ، ويرد عليه أن هذه القضية بالعكس ، بل الأمر بالشيء أمر بأجزائه كإيجاب أربع ركعات ، والنهي عن الشيء ليس نهيا عن أجزائه كالنهي عن خمس ركعات ، فعم النهي عن الشيء نهي عن جزء ، فإنه كالنهي عن مفهوم الخنزير ، وهو نهي عن الخنزير الطويل والقصير ، وهذا وذلك ، والأمر بالشيء ليس أمرا بجزئياته كالأمر بإعتاق رقبة ليس أمرا بإعتاق هذه وتلك ، فيثبت ما بين حكم الأجزاء والجزئيات ، فلا يغتر بذلك .
واعلم أنه لا فرق عندنا بين جزء المحلوف عليه ، وجزء الشرط في أن كل واحد منهما يقوم مقام كله مع أنه قد وقع في ( الكتاب ) مسألتان متناقضتان في كتاب ( العتق ) إحداهما :
قوله لأمته : لئن دخلت هاتين الدارين ، فأنت حرة ، فدخلت إحداهما عتقت ، والأخرى
قوله لأمتيه ، أو زوجتيه إن دخلتما ، فأنتما حرتان ، أو طالقتان [ ص: 42 ] فدخلت إحداهما لم تعتق واحدة منهما ، وفي الصورتين وجد جزء الشرط مع أن
أبا الطاهر نقل في الأخيرة ثلاثة أقوال : يعتقان ، لا يعتقان ، تعتق الداخلة فقط ، وفي ( الجلاب ) قول بعدم التحنيث تحرير المحلوف عليه كقول الأئمة ، وإنما الإشكال على ظاهر ( المدونة ) .
قال صاحب ( البيان ) : القائل : إن رزقت ثلاثة دنانير صمت ثلاثة أيام ، فرزق اثنين ، فصام ثلاثة أيام ، ثم رزق الثالث قال
ابن القاسم : يستأنف الصيام ; لأن الشرط الآن تحقق ، وقول القائل : إن قضى الله عني ثلاثة دنانير صمت ثلاثة أيام ، فقضى الله عنه نصفها ، وصام ما ذكر ، ثم قضى الباقي أجزأه ما تقدم ، وكان يضعفه . قال : والقياس : الأول ، إلا أنه لاحظ خفة ثقل الدين ، وهو المقصود ، وقيل : يصوم بقدر ما قضى عليه ، فتحصل ثلاثة أقوال ، وهذا أيضا على خلاف القاعدة . قال
أبو الطاهر :
الحالف بطلاق امرأته إن وضعت ما في بطنها ، فوضعت ولدا ، وبقي آخر يحنث على المشهور ، وقيل : لا يحنث ، وإن علق الطلاق على الوطء حنث بمغيب الحشفة ، وقيل : على الإنزال ، وإن ألحق باليمين غير المحلوف عليه قصدا للإلحاق لزم في اليمين ، وإلا فلا ، وهذا يمشي على أن القاعدة بخلاف ما أشار إليه صاحب ( البيان ) إلا أن يكون ذلك لخصوص عدد الثلاث ، والله تعالى أعلم ، وفي ( البيان ) : إن
حلف : لا يشهد حياته ، ولا مماته ، فشهد جنازة ابنه حنث قال : لأن الحنث يقع بأدنى الرجوع .
تفريع
قال اللخمي : قال محمد : إذا
قال : لا أكلت هذا الرغيف كله حنث ببعضه ، ولا ينفعه قوله : كله ; لأنه تأكيد ، فلا يزيد على حكم الأصل ، وخالف
[ ص: 43 ] nindex.php?page=showalam&ids=13211ابن سحنون ، وقال
أبو الطاهر : بل التصريح بالكل يرفع الخلاف كما أن التصريح بالبعض يرفع الخلاف .
وفي ( الكتاب ) :
الحالف : لا أجامعكن حنث بوطء واحدة . قال صاحب ( البيان ) :
الحالف : لا يتزوج يحنث بالعقد دون الدخول ، وإذا حلف لا يركب دابة فلان إن استوى بجسده عليها يحنث اتفاقا ، وإن لم يقعد على السرج ، وإن عمل رجله في الركاب واستقل وهو متعلق ، ولم يضع رجله من الجهة الأخرى ، لا يحنث اتفاقا ، وإن وضع رجله من الجهة الأخرى ولم يستو بجسده ، فقولان : الحنث ونفيه كالقولين فيما إذا
حلف لا يدخل الدار ، فدخل برجله .
( فرع ) : قال : ولو
قال : أنت طالق إن أعطيتني الوديعة ، فأعطته عشرة ، فادعى أن الوديعة عشرون طلقت في القضاء دون الفتيا ; لأن غرضه الذي طلق لأجله لم يتم كمن قال : أنت طالق إن أعطيتني عشرة ، فأعطته خمسة .