المدرك الرابع عشر :
النية العرية عن اللفظ هل ينعقد بها يمين حتى يترتب على الفعل حنث ، أو بر ؟ حكى
أبو الطاهر قولين ، وإطلاق لفظ النية على ألسنة الأصحاب من مشكلات المذهب ؛ فقد غلط فيه كثير من الفقهاء الذين لا تحصيل لهم ، وبيان ذلك : أنهم أجمعوا على أن صريح الطلاق لا يفتقر إلى نية ، وقال
اللخمي : في باب الإكراه على الطلاق ،
وأبو الوليد في صريحه وكناياته في ( المقدمات ) : الصحيح من المذهب أن الصريح لا بد فيه من النية ، فإن كان المراد بالنية واحدا ، فقد تناقض قولهم ، ولزم خلاف الإجماع حتى حكوا في الطلاق بالنية قولين ، والإجماع على أن العازم على طلاق زوجته لا يلزمه بعزمه الطلاق ، فأين محل الخلاف وأين محل الإجماع ، ثم النية هي من باب القصود والإرادات لا من باب العلوم ، والاعتقادات ، وقد قال
ابن الجلاب : من
اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به ، ففي لزوم الطلاق له قولان ، فقد عبر عن النية بالاعتقاد ، وهو غير النية ، وهذه معميات تحتاج إلى الكشف ، والذي يكشف الغطاء عن ذلك أن لفظ النية عند الأصحاب مشترك بين الإرادة المخصصة والحقائق المترددة ، وهي المشترطة في العبادات ، وبين الكلام النفساني . فإذا قالوا : الصريح لا يفتقر إلى نية ، فهو
[ ص: 59 ] المعنى الأول ، وإذا قالوا : لا بد مع الصريح من النية ، المراد الثاني بمعنى أنه لا بد أن يطلق بكلامه النفساني كما يطلق باللسان ، فإن اللساني دليل عليه ، والدليل مع عدم المدلول باطل ، وإذا قالوا : في الطلاق بمجرد النية قولان ، مرادهم بالكلام النفساني ، ويدل عليه استدلالهم بأنه يكون مؤمنا وكافرا بقلبه ، والإيمان والكفر خبران نفسانيان ، فالتشبيه يدل على التساوي ، وسماه
ابن الجلاب اعتقادا ; لأن كل معتقد مخبر عن معتقده ، فالكلام النفساني لازم للعلم والاعتقاد ، فعبر عنه به لما بينهما من الملازمة ، والمراد هاهنا الكلام النفساني ، وهو الحلف بالقلب دون اللسان ، فهل يلغو ; لأن الله تعالى إنما نصب سبب اللفظ ولم يؤجل أو يعبر ؛ نظرا لقوله تعالى : (
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) ( المائدة : 89 ) ، والعقد إنما هو بالقلب . فإذا تمهد هذا تنزل أقوال الأصحاب على ما يليق به في كل موضع ، والله أعلم .