المانع الرابع : اللعان .
واللعان في اللغة : البعد ، سميت هذه الأيمان لعانا إما لذكر اللعنة معها ، وإما لبعد الزوجين في هذه الحالة من الائتلاف بالزوجية وودها ، وإما لأنها محرمة عليه للأبد ، وهو بعد .
[ ص: 284 ] ويتمهد هذا المانع بالبحث عن السبب المبيح للقذف ، ثم عن حقيقة ما يوجب اللعان منه ، ثم بيان الملاعن ، والملاعنة ، وصفة اللعان ، وثمرته ، فهذه ستة أبحاث .
البحث الأول : في
الأسباب المبيحة للقذف ، وهي ثلاثة : السبب الأول :
الدفع عن النسب لئلا يختلط به غيره فيزوج غير الولي ، ويحجب غير الوارث ، ويخالط غير القريب ، وتنتشر هذه المفاسد في الأصول والفروع ، وفي الجواهر : اللعان لذلك واجب ، قال
اللخمي : وهو سبعة أقسام : أربعة متفق عليها ، إذا اجتمع الاستبراء ، والرؤية ، وأتى بعد ستة أشهر من الرؤية ، وبعيد بالأمد دون رؤية ولا استبراء ،
فيقول : لم أصبها من أربع سنين أو خمس أو سبع على الخلاف في أكثر مدة الحمل الذي يلحق فيه الولد ، أو يقول : لم أصبها بعد الوضع ، أو يقول : لم تلد به ، وقال
أشهب : إذا قال : لم تلد به ( ولم يكن رأى منها حملا حتى وضعته ، إن لم ينتف منها لاعن ، وإن قال : هو ولدي ولم تلد به ) لحق به من غير لعان ، وبقيت زوجة ; لأنه لم يقذفها ، فالمختلف فيها الاستبراء بانفراده ، والرؤية بانفرادها ، وإذا
كانت ظاهرة الحمل عند الرؤية أو لم تكن ظاهرة ، وأتت به لأقل من ستة أشهر ، وإذا لم يتمكن من نفيه بالرؤية بانفرادها أو الاستبراء بانفراده لم يحد ; لأنه يقول ظننته دليلا على النفي مني ، والحد يدرأ بالشبهة .
[ ص: 285 ] فرع
قال
اللخمي : قال
ابن القاسم ، و ( ش )
القيام بالولد على الفور عند العلم به ، فإن سكت بطل قيامه ; لأن سكوته إقرار ، وقال
ابن القصار : إذا قال : رجوت أن يكون ربحا ، له الملاعنة إذا لم تجاوز ثلاثة أيام بعد الوضع ، أو يظهر ما يدل على الرضا مثل : قبول التهنئة قبل الثلاث ، ويشهد لذلك حديث المصراة ، وإذا
لاعن للرؤية ثم ظهر حمل ، قال
ابن القاسم : يكفي اللعان الأول ، وقال
عبد الملك : يلاعن ; لأن الأول لم يكن للولد ولولا ذلك لم يكن عليه أن يسأل عن الاستبراء ، وهو يرجع إلى الخلاف في جواز الاقتصار على قوله في النفي زنت ، فإن أكذب نفسه في اللعان الثاني لحق به ولم يحد لإسقاط اللعان الأول الحد إلا على قول
عبد الوهاب : إن
أصل اللعان لنفي النسب ، وسقوط الحد تبع ، وفي الإكمال : روي عن
مالك لا ينفي الحمل إلا بعد الوضع ، وقال ( ش ) : يلاعن بالقذف المجرد عن رؤيا الزنا ، وفي نفي الحمل
لمالك قولان في ذلك .
فرع
في الجواهر : إنما
يحتاج إلى اللعان إذا أمكن أن يكون الولد من الزوج ، أما إذا لم يمكن إما لقصر المدة عن ستة أشهر ، أو لطول المسافة بين الزوجين ، أو لصباء الزوجين ، أو لصباء الزوج ، أو لا يولد له فلا يلاعن ، ويلحق الولد لباقي الأنثيين إن كان يولد لمثله في العادة ، بخلاف
[ ص: 286 ] ما في الذكر إلا أن يولد لمثله عادة ،
والإقرار بالوطء بين الفخذين مع الإنزال يلحق الولد ولا يلاعن له ، ولو
وطئ أمته ثم امرأته قبل قوله واستل عنها لحق الولد ولا لعان لاحتمال أن يكون في إحليله من الأول ماء ، قال
الأبهري : إذا كان
الخصي والمجبوب ينزلان لاعنا ،
ويلاعن الشيخ الكبير والعنين في الرؤية ، ونفي الحمل لوجود الإمكان .
فرع
في الجلاب : إذا
أقر بحملها ثم ادعى رؤية الزنا : فثلاث روايات : يحد ويلحق به الولد ، ولا يلاعن لإقراره بالحمل ، وهو سبب أصل مشروعية اللعان ، ويلاعن وينتفي عنه ; لأن الإقرار قد يكون عن ظن كاذب ، ويلحق به الولد لإقراره ، ويلاعن لدرء الحد كما يلاعن لو
رمى من لا تلد .
فرع
قال : إذا
ماتت في غيبته بعد الولادة فله نفيه بعد موتها حفظا للنسب ، ويرثها .
السبب الثاني : التشفي بانفراده ، وإن لم يكن بها حمل إذا تيقن الزنا ، وفي الجواهر : يباح له عند ذلك ، ولا يجوز اعتماده على العزل .
[ ص: 287 ] السبب الثالث : في الجواهر :
دفع العقوبة عن نفسه ( سواء كانت حدا أو تعزيرا ) .