البحث الخامس : في صفات اللعان ، والنظر في : لفظه ، وتغليظه ، وسنته .
فلفظه في الجواهر :
يتعين لفظ الشهادة ، ولا يبدل بالحلف ، ولا لفظ الغضب باللعن اتباعا للآية ، ويجب تأخير اللعن ، وتقوم مقام اللفظ
الإشارة ،
والكتابة من الأخرس ، ولو قال بعد انطلاق لسانه : لم أرد ذلك لم يقبل منه ، ولو اعتقد لسان الناطق وهو مرجو البرء انتظر .
التغليظ بالزمان ، في الجواهر :
يلتعنان دبر الصلوات ، وقال في كتاب
محمد : أي ساعة يرى الإمام ، وإثر المكتوبة أحب إلي ، وروي عن
ابن وهب : كان اللعان عندنا بعد العصر ولم يكن سنة بل أي ساعة شاء الإمام ، وبعد العصر أحب إلي ، وقال
عبد الملك : لا يكون مقطع حق إلا بإثر صلاة فجعله شرطا كالمكان .
وأما المكان ففي الكتاب :
يلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلاة ، والنصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله ، والزوج مخير في
[ ص: 305 ] الحضور معها ، ولا تدخل هي معه في المسجد لجنابتها ، وفي الجواهر : يبعث الإمام للمريض عدولا ، ولا يصح اللعان إلا في مجلس الحاكم ،
والتغليظ بالمكان واجب ،
وبالزمان مستحب ، وظاهر قول
مالك : الوجوب .
وأما الجمع : ففي الجواهر :
يحضر أربعة فأكثر لقوله تعالى في الزنا : (
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ( النور : 2 ) .
فيحضرون هاهنا بجامع التغليظ ، ولأن قطع الأنساب وفساد الأعراض أمر عظيم فيغلظ في سببه .
وأما سنته
فتخويفهما ، في الجواهر : يقال للرجل تب إلى الله عز وجل تحد ويسقط عنك المأثم ، وللمرأة نحو ذلك ، ولكل واحد منهما قبل الخامسة : اتق الله فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه هي الموجبة للعذاب لقوله - عليه السلام - في
مسلم عند الخامسة : (
أقيموها . فقال للمرأة إنها الموجبة ) .
وفي الاستذكار ليس
للزوج إيقاع اللعان بنفسه دون السلطان إجماعا .
تفريع ، في الكتاب :
يبدأ بالزوج ; لأن لعانه سبب عن قذفه ، فيدرأ عن نفسه الحد ، وسبب للعانها ; لأنه الموجب للحد عليها لكونه مثل البينة ، ولقوله تعالى بعد ذكر لعانه : (
ويدرأ عنها العذاب ) ( النور : 8 ) ( فدل على توجه العذاب عليها ) ، وهو الحد ، فتشهد أربع شهادات ، فيقول في الرؤية : أشهد بالله لرأيتها تزني ، وفي نفي الحمل أشهد بالله
[ ص: 306 ] لزنت ; لأن القاعدة مطابقة البينة واليمين للدعوى ، وفي الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، وتقول المرأة في الرؤية : أشهد بالله ما رآني أزني ; لأنها مكذبة له فتعين دعواه في لفظها ، وفي الحمل : أشهد بالله ما زنيت ، أربع مرات ، وفي الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، قال
ابن يونس : زاد
أصبغ في حلف الرؤية : تزني كالمرود في المكحلة ، وفي حلف المرأة في نفي الحمل : وإنه لمنه ، وروي عن
ابن القاسم في نفي الحمل : أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني ولزنت ; لنفي احتمال الغصب ، قال
أصبغ : وإن بدل مكان : إن كنت من الكاذبين : إن كنت كذبتها ، أجزأ ، والمرأة في الخامسة : مكان إن كان من الصادقين : إنه من الكاذبين ، أجزأها ; لاتحاد المعنى لكن لفظ القرآن أولى ، وقال ( ح ) : يخاطبها فيقول : فيما رميتك به ، وتقول هي : فيما رميتني به .
فرع
قال
ابن القاسم : إذا بدأت المرأة لا يعاد اللعان ; لأن دلالة الأيمان على الصدق لا تختلف ، وقال
أشهب : يعاد حتى يكون بعد سببه الذي هو لعان الزوج ، وتقدم الحكم على سببه يبطله .
فرع
في الكتاب : يوجب
النكول حد القذف عليه ، والرجم عليها إن كانت ثيبا ، ولا تؤخر إلا في الحمل لحق الولد ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : يحبس الناكل منهما أبدا حتى يحلف ; لأن ضعف اللعان سبب يدرأ الحد . لنا :
[ ص: 307 ] أن قذف الزوجة لا يوجب غير اللعان ، وجوابه : أن أصل القذف الحد حتى يخلص منه باليمين .
فرع
إذا
ماتت قبل كمال لعانها ففي الكتاب : ورثها ، وإن
مات بعد التعانه ، فإن امتنعت من اللعان ، ورثته ، ورجمت ، وإلا فلا ، قال
ابن يونس : قال
مالك : إذا
وجب اللعان فماتت قبل لعانه لا لعان عليه ، وإذا مات قبل تمام لعانه فلا لعان عليها لعدم السبب ، وإذا التعنت بعد موته فلا عدة عليها لوفاته ، وقال
أشهب : ترثه ، وإن التعنت لتأخير البينونة بعد الموت ، قال
ابن القاسم : فإن التعنت قبله ثم ماتت فعرض اللعان عليه ، فإن فعل فلا ميراث ، ولا حد عليه ، وإلا ورثها وحد ، وإن كانت التعنت لم أعد لعانها لحصول المقصود ، وقال
أشهب : أعيده لتقديم يمين الطالب في الحقوق .