القسم الثاني :
الصلح على الأموال ونحوها
تمهيد : الصلح فيها دائر بين خمسة أمور : البيع ، إن كانت المعوضة فيه عن أعيان ، والصرف ، إن كان أحد النقدين عن الآخر ، والإجارة ، إن كانت عن منافع ، ودفع الخصومة ، إن لم يتعين شيء من ذلك ، والإحسان ، وهو ما يعطيه المصالح من غير الجاني ، فمتى تعين أحد هذه الأبواب وروعيت فيه شروطه ; لقوله - عليه السلام - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10349425الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا [ ص: 345 ] أحل حراما أو حرم حلالا ) .
فرع
في الكتاب : تجوز
المصالحة على عدم رد العبد القائم المعيب ، ورد بعض الثمن ; لأن العبد يبقى بباقيه ، ويجوز تأخير بقية الثمن بغير شرط ، وإلا امتنع لأنه بيع وسلف ، فإن صالحك على دفع دراهم إلى أجل والثمن دنانير امتنع ; لأنه عبد نقد ودراهم مؤجلة بدنانير معجلة ، فهو صرف مستأخر ، ويجوز على دراهم نقدا إن كانت أقل من صرف دينار ; لأنه صرف وبيع يجوز في مثل هذا فقط ، وجوزه
أشهب في أكثر ، فإن فات العبد جاز بالنقدين والعروض نقدا بعد معرفتكما بقيمة العيب ; لتقرر البيع في الهالك ، وعلى دنانير مؤجلة ، مثل حصة العيب من الثمن أو أقل وإلا امتنع ; لأنه تأخير بزيادة ، وعلى دراهم أو عرض مؤجلة ، والثمن دنانير ، يمتنع ; لأنه فسخ حصة العيب في ذلك ، قال صاحب التنبيهات : وعن
مالك : الجواز بالعروض والنقد وإن جهلا قيمة العيب ; لأن
المصالحة على المجهول جائزة ، ويجوز - إذا علما - بدنانير من غير سكة الثمن ; لأنه مبادلة ، وتجويز
أشهب في أكثر من صرف دينار ، هو على تجويزه الصرف والبيع ، وهذا الصلح لدفع الخصومة لا معاوضة محققة ، وقيل : هذا الخلاف ما لم يقل : رددت ، وإلا امتنع على قولهما لتحقق المعاوضة . قال صاحب النكت : تجويزه في أول المسألة الصلح على رد البعض ، محمول على أن المردود من سكة الثمن ، وإلا امتنع لأنه عرض وذهب بذهب ، قال : وينبغي إذا منعنا التأجيل بشرط فأسقط الأقل قبل
[ ص: 346 ] اقترافهما جاز ، ويمتنع بعد هذا الافتراق ; لأن المؤجل كسلف غيب عليه ، والسلف إذا غيب لم يفد إسقاطه ; لأن الربا قد تم ، قال
ابن يونس : ويجوز على العرض نقدا نقدت الدنانير أم لا ، وإلى أجل ، وإن لم ينقده . ولا يؤخره إلا مثل ما يؤخر ثمن السلم ، وإن نقدت الدنانير امتنع ; لأن وجود العيب يوجب الرد ، ويصير الثمن دينا فهو دين بدين ، قال
أصبغ :
إن لم يقبض الثمن حتى فات العيب : جاز إسقاط أي شيء اتفقا عليه من الثمن ، علم العيب أم لا ، قال : والصواب : المنع إذا جهلت القيمة ; لأنه بيع فيه غرر ، فإن علمت جاز ; لأن الأقل مسامحة . والأكثر منة ، والمساوي حق ، ويجوز دفع دراهم على أن يرد له الدنانير بعد معرفة قيمة البيع ، قلت الدراهم أو كثرت ; لأنه صرف ما في الذمة ، وإن جهلت القيمة امتنع للغرر ، قال
اللخمي : إذا
هلكت وجهلت قيمة العيب جاز على ما يرى أنه أقل بكثير أو أكثر بكثير للخروج عن حيز المكايسة . وعلى غير المسكة يمتنع لذريعة الفساد ، إلا أن يكون أقل أو أدنى سكة أو أجود مثل الوزن إذا كثر ، بخلاف الأدنى سكة والأكثر وزنا أو أجود أو أدنى وزنا لظهور سبب المكايسة ، وعلى دنانير ، والثمن دنانير قبل معرفة العيب واستواء السكة والوزن ، أو المؤخر أدنى سكة أو وزنا ; لأنه معروف بتأخير الأدنى ، أو أجود ، امتنع ، استوى الوزن أم لا ; لأن التأخير للجودة .
[ ص: 347 ] فرع
قال
ابن يونس :
يمتنع في الصلح ما يمتنع في البيع كمصالحة منكر المال على سكنى أو خدمة ; لأنه فسخ دين في دين ، أو قمح من شعير مؤجل لأنه نسأ في الطعام ، فإن فات فالقيمة أو المثل كالبيع ، وينفذ إن وقع بالمكروه ، ولو أدرك بحدثانه قاله
مطرف ، قال
عبد الملك : يفسخ بالحدثان وينفذ مع الطول ، ونفذ
أصبغ الحرام ولو بالحدثان لأنه كالهبة ، وكذلك لو صاغ بشقص لا شفعة فيه كالهبة ، وهذا في ظاهر الحكم ، وبينه وبين الله - تعالى - يحرم ما يحرم في البيع ، وقال غير
أصبغ : في الشقص الشفعة .
فرع : قال صاحب التنبيهات : الصلح معاوضة على دعوى ، ويجوز على الإقرار والإنكار والسكوت ، وقيل : يمتنع في الإنكار .
فأما
الإقرار وحده أو الإقرار والإنكار ، كمن اعترف ببعض الحق وكالبيع في جميع أحواله ، وأما الإنكار المحض فأصل
مالك : اعتبار ثلاثة أشياء : ما يجوز على دعوى المدعي ، ومع إنكار المنكر ، وعلى ظاهر الحكم فيما اصطلحا ، وأصل
ابن القاسم : اعتبار الصلح في حق كل واحد منهما على انفراده ، ولا عبرة بما يوجبه الحكم ، والسكوت كالإقرار عندهما ، فإن توقع الفساد في حق أحدهما كمن يدعي عشرة دراهم فينكره فيصالحه بمائة إلى أجل : ففي حق الطالب يمتنع ، والمطلوب يقول : افتديت بالمائة من اليمين ، فيفسخه
مالك وأصحابه ; لتضمنه الفساد من حيث الجملة ، ويمضيه
أصبغ ; لأن الحرام في العقود لا بد من الشركة فيه .