فرع
قال
ابن يونس : في المدونة :
ادعيت العارية وادعى الكراء صدق ; لأن الأصل عدم التبرع إلا أن يكون مثلك لا يكري ، قال
أشهب إذا اختلفتما في الحمل صدقت فيما يشبه مع يمينك ، قال
اللخمي : إذا اختلفا في الناحية خير المستعير في الركوب لما قاله المعير ، أو ينزل إلا أن يخشى رواحه إلى الناحية الأخرى فلا يسلم له شيء ، قال
ابن القاسم : إذ
استعار العبد ، أو الحر حليا لأهله فهلك وجحد أهله إرساله وقد هلك قبل الوصول إليهم حلفوا ما أرسلوه ; لأن الأصل عدم إرسالهم وحلف الرسول إذا كان حرا لقد بعثوه وبروا بتصديق المعطي للرسول ، وإن صدقوه ضمنوا دونه ، وإن
أقر الرسول بالتعدي وهو حر ضمن ، أو عبد ففي ذمته حتى يعتق إذا أفاد مالا ولا تكون في رقبته لإذن المعطي فلا جناية حينئذ ، وإن أقر الرسول بإيصاله لهم لم يضمنوا ولا هو ويحلفوا ، وقال
أشهب إذا
قال العبد أرسلني سيدي وسلمت إليه وأنكر السيد فهي في رقبته ; لأنه قد يتحيل على أموال الناس ، قال
ابن القاسم إن أقر السيد غرم لإقراره ، وإن أنكر ففي رقبة العبد لخديعته القوم ، وقاله
مالك في الحر أنه ضامن ، قال : وأرى إن كان الرسول معروفا بالصلاح ، أو سديد الحال يحلف ويبرأ ويبرأ ، أو على غير ذلك والذي ادعى عليهم أهل خير حلفوا وغرم الرسول إن
[ ص: 209 ] كان من سببهم ومتصرفا لهم ، وإلا فلا يحلفون . فرع
في الكتاب : إذا
استعارها للحنطة فحمل الحجارة فكل ما حمل وهو أضر بها منه فعطبت ضمن ، أو مثله في الضرر لم يضمن كعدس مكان حنطة ولو ركب مكان الحنطة ، وهو أضر ضمن وإلا فلا ، أو لركوب فأردف من تعطب بمثله خير بين كراء الرديف فقط ; لأنه إذا أخذ أجرة المنفعة لا يأخذ الثمن للرقبة لئلا يجمع يجمع بين العوض والمعوض ، أو يضمنه قيمة الدابة يوم الإرداف ; لأنه يوم التعدي ، وكذلك إذا تجاوز المسافة فعطبت خير بين قيمة الرقبة يوم التعدي ، أو كراء التعدي فقط ، قال
ابن يونس : قال
أشهب : لا يلزم الرديف شيء وإن كان المستعير معدما ; لأنه ركب بإذن
مالك المنفعة بالعارية وذلك شبهة ، قيل هذا خلاف
لابن القاسم بل عليه الكراء في عدم المستعير كالغاصب يهب سلعة فتهلك فيغرم الموهوب في عدم الغاصب ، وهذا لم يعلم أنها مستعارة ، وإلا فهو كالمستعير تضمن أيهما شئت لدخولهما على التعدي ، قال بعض الشيوخ : لم يراع كون المسافة التي تجاوز إليها يعطب في مثلها أم لا كما في الزيادة بل ضمنه مطلقا وهما سواء ويضمن لعدم الإذن ، قال والفرق أن الحمل وقع الهلاك فيه بالمأذون وغيره ، وفي المسافة بغير المأذون فقط يشكل هذا لقوله في الكتاب فيمن أذن في ضرب عبده عشرة فضربه أحد عشر يضمن إن خاف أن الزائد أعان على قتله ، قال وفي الكتاب إذا تجاوز المسافة نحو ميل ثم رجع ليردها لربها فعطبت في موضع الإذن ضمن لتقدم التعدي الموجب للضمان فلا يبرأ منه إلا بالتسليم ، وإن تجاوز إلى مثل منازل الناس فلا شيء عليه ، وقال
عبد الملك لا يضمن كقول
مالك [ ص: 210 ] في الوديعة ترد بعد السلف ثم تسرق فكذلك ردها لموضع الإذن .
القاعدة :
أسباب الضمان ثلاثة : الإتلاف كخرق الثوب ، والتسبب في الإتلاف كحفر البئر لوقوع الحيوان ، أو وضع يد غير مؤمنة كيد الغاصب والمشتري شراء فاسدا وهو خير من قولنا وضع اليد العادية ؛ فإن هذه الأيدي الأخر ما وضعت إلا بإذن ، وهي قاعدة مجتمع عليها فتخرج عليها هذه الفروع .
فرع
قال
اللخمي : إذا
اختلفا في الرد صدق المعير مع يمينه عند
ابن القاسم في كل ما لا يصدق في ضياعه أخذه ببينة أم لا ; لأن ما يصدق في تلفه كالدين في الذمم ، وقال
عبد الملك : يصدق الصانع في الرد إذا أخذ بغير بينة بخلاف التلف فعلى هذا يصدق في العارية ، وقد تقدم في كتاب الإجارة أربعة أقوال في الرد فلتطالع من هناك ، وإذا
اختلفا في صفة العارية وقد ضاعت صدق المستعير مع يمينه ما لم يأت بما لا يشبه ; لأنه غارم ، وقال
مالك : إذا قالت المرأة استعملت الحلي زمانا طويلا ونقص تحلف ويحط ما يرى أنه نقص في تلك المدة . فرع
قال : قال
ابن القاسم : في
ضمان الرهن يوم الارتهان ، أو يوم الضياع قولان ، وتتخرج العارية على ذلك والثاني أحسن ; لأن اليد غير مضمنة فتجب القيمة لآخر يوم رأته البينة عنده لم ير عنده من يوم استعاره فقيمته يوم الاستعارة ; لأن المعير لا يصدقه في بقائه عنده إن كانت قيمته أكثر وإلا فله الأخذ بالأكثر ، ويصدقه في البقاء إلى اليوم ولو
ثبت أن المستعير أهلك ذلك الثوب قبل لبسه لم
[ ص: 211 ] يغرم إلا القدر الذي يبقى منه بعد لبسه مدة العارية ; لأن ما ينقص بالاستعمال لا يغرمه وقد استحقه بالعقد ، ولو باعه كان الثمن بينهما ; لأنه شريك بعقد العارية فإن أهلكه المعير بعد قبضه منه فهل يغرم قيمته ، ويستأجر المستعير من القيمة مثل الأول ، أو يشتري مثله ، أو يغرم قيمة تلك المنافع قياسا على من أخدم أمة ثم أولدها وقيمة المنفعة الأولى ; لأنها الفائتة على المستعير فإن أهلكها قبل القبض فعلى قول
ابن القاسم هو بمنزلة من قبض وعلى قول
أشهب لا يغرم كالواجب يبيع الثوب قبل القبض فإن أهلكها أجنبي فهما في القيمة شريكان إن كانت ثوبا ; لأنه مما ينقصه الاستعمال ، فإن كان لا ينقصه الاستعمال كالعبد فلسيده جميع القيمة عند
ابن القاسم ، وقال
أشهب في الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر تجعل قيمته في مثله ويخدم بقية خدمته للأول إن كانت إلى أجل فإليه أو إلى الموت فإليه ، وقال
محمد في موصى له بغلة دار أو سكناها ، يهدمها رجل بعد موت الموصى عليه ما بين قيمتها قائمة ومهدومة تبنى بها تلك الدار ، ويكون الموصى له على أجله توفية بالوصية ، وقيل يسقط حقه في البناء ; لأنه عين أخرى غير الموصى بها .
فرع
في الكتاب :
أذنت له أن يبني في أرضك ، أو يغرس ، فلما فعل أردت إخراجه ، ليس لك ذلك في مدة تشبه العارية إلا أن تعطيه ما أنفق ، وقال في موضع آخر قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى ما يشبه عاريته فتعطيه قيمة البناء مقلوعا ; لأنه دخل على القلع ، أو تأمره بقلعه إلا أن يكون لا قيمة له ولا نفع ،
[ ص: 212 ] فلا شيء ; لأنك لم تأخذ منه ما له فيه غرض صحيح ، وكذلك لو ضربت أجلا فانقضى لكن ليس لك إخراجه ها هنا قبل الأجل ، وإن أعطيته قيمته قائما توفية بالشرط ولو لم يبن ولم يغرس ولو لم تضرب أجلا كان لك ; لأن التحديد يقوي
مالك المنفعة وتعينه وتعينه مراد لكما ، ولو سميت أجلا ولم تسم ما يبني وما يغرس فلا تمنعه إلا ما يضر بأرضك وله الخروج قبل الأجل وقلع بنائه وغرسه ; لأنه ماله إلا أن تشاء أخذه بقيمته مقلوعا إن كان ينتفع به بعد القلع وإلا فلا يقلع ولا شيء له ; لأن ماليته تذهب بالقلع سفها ولم تفوت عليه مالا بالإبقاء ، وإن أعرته للزرع فله حتى يتم ويتمكن من البيع بالطيب ، وليس لك كراء من يوم رمت إخراجه ولا فيما مضى إلا أن تعير للثواب فهو كالإجارة فإن أعرته للبناء وسكن عشر سنين ولك البناء بعدها جاز إن بينتما صفة البناء ومبلغه وأجله ; لأنها إجارة وإلا امتنع ، وحيث امتنع وبنى وسكن فله قلع بنائه ولك كراء كراء أرضك لفساد العقد ولك إعطاؤه القيمة مقلوعا ، وإلا ينقضه ويمتنع أن يغرسها شجرا وهو لك بعد الأجل ; لأن الشجر لا يحدد فيعرف ، قال صاحب النكت : قوله وقال في موضع آخر يحتمل ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن يعطيه قيمة ما أنفق إذا أخرج الآجر والأجير من عنده ، وقوله ما أنفق إذا أخرج الثمن فاشترى به هذه الأصناف ، وثانيها : قيمة ما أنفق إذا طال الأمد وتغير بالانتفاع وما أنفق إذا كان بالقرب وعلى هذا لا يكون اختلافا ، وثالثها : إن أعطاه ما أنفق ، أي : عدة الدنانير والدراهم ، ولا يلتفت إلى الغبن اليسير وقيمة ما أنفق ، أي : بغير غبن إلا ما يتغابن الناس في مثله فهو اختلاف ، والكل فيه محتمل ، وقوله في عارية الزرع لا يخرجه حتى يطيب يريد أن القيمة لا تكون فيه ; لأنه لا يباع ولا يريد أن فيه
[ ص: 213 ] القيمة إذا طاب بخلاف البناء والغرس ; لأنهما يبقيان في الأرض بخلاف الزرع فلا يأخذه ، وقوله حتى يطيب مستدرك ; لأن الزرع لا يباع بعد الطيب حتى ييبس ، والفرق بين أخذ البناء بعد عشر سنين وبين منع بيع دار على أن تقبض بعد عشر سنين أن البناء ها هنا من حين كماله لك ، وإنما له السكن بخلاف البيع ولو انهدم البناء في أيام السكنى فهو منك ، أو قبل السكن رجع بقيمة بنائه عليك ; لأنه لما تعذر سكناه رجع بالعوض ، أو بعد بعض السكنى ببعض القيمة بقدر ما لم يسكن ، ويستوي اشتراط السكن تلك المدة بعد البناء ، أو بعضها في أمد البناء ; لأن أمد فراغه معلوم فيصير الشرط لما بعده لتعذر السكنى ، قال
ابن يونس : ليس لك إخراجه في البناء ، وإن لم يضرب أجل حتى يبلغ أمدا مثله ; لأن العرف كالشرط ، وقال
أشهب : لك إخراجه بعد فراغ البناء والغرس ، وإن قرب لأنك لم تضرب أجلا وهو فرط حيث لم يضربه ، وتعطيه قيمته مقلوعا ، أو تأمره بقلعه . وقال أيضا : لك إخراجه إذا احتجت لعرصتك ، أو بيعها ؛ تقدم شرط أم لا ; لأن الضرورة مقدمة على المعروف ، وإن كان بشرط وقع بينكما لا لحاجة امتنع وفاء بالعقد السالم عن معارضة الضرورة ، وحيث دفعت قيمته مقلوعا فيعد أجرة القلع ، قال
أشهب : إذا قلت في الدابة إلى موضع كذا أو إلى كذا وكذا يوما أو حياتك ، فليس لك الرجوع ، وإن لم تزد على أعرتك فلك الرجوع متى شئت لعدم تعين الزيادة ؛ قال
مالك : كل من بنى بإذنك ، أو علمك فلم تمنعه ، ولا أنكرت عليه فله قيمته قائما كالباني بشبهة ، وكذلك المتكاري أرضا ، أو منحها ، أو بنى في أرض إمرته وأراضي بينه وبين شركائه بعلمهم فلم يمنعوه ، والباني بغير إذن ولا علم ، له القيمة مقلوعا وهو قول المدنيين وقول أصحاب
مالك ، قال
ابن حبيب : ولم يختلف قوله في ذلك ، قال
مطرف : إذا
اشترط عليه إذا انقضى الأجل قلع [ ص: 214 ] بناءئه وترك غرسه بطل الشرط نفيا للضرر ، وله قيمته قائما إذا تم الأجل ولو شرط أن له القيمة قائما امتنع ; لأنها إجارة بأجرة مجهولة فما بني فله الأقل من قيمة بنائه يوم فرغ ، أو ما أنفق فيه ولك كراء الأرض مبنية من يوم سكن ، قال
اللخمي : العواري هبات تجوز معلومة ومجهولة وغررا وفي لزومها للمعير قسمان قسم يلزم بالعقد ، ثم يعود إليه وهو ما ضرب فيه أجلا وعمله معلوم ، وما لا يضرب أجلا ولا هو معلوم ؛ قيل لا يجبر على التسليم ولك الاسترداد ، وبعد التسليم وإن قرب ؛ قاله
ابن القاسم لعدم تعين الموهوب من المنافع ، وقيل يلزم إلى مدة مثله ؛ قاله
ابن القصار ; لأن العرف كالشرط ، وقال
عبد الملك : ما يتكلف فيه الإنفاق والمئونة ، وإن قلت لا رجوع فيه نفيا للضرر وإلا فلك الرجوع في مثل فتح باب إلا أن يكون المستعير باع داره وشرط للمشتري ما أذنت له فيه بعلمك فيلزم أبدا ، واختلف إذا أذن له أن يغرس على مائه ففعل فقيل ليس له قطع ذلك الماء ; لأنه كالهبة ما لم توقف ، أو تسميه عارية ، وقال
أشهب : له الرجوع ، وإذا أذنت في إجراء نهر خلف حائطه ، أو ميزاب على الحائط فأضر بالحائط نفيا للضرر ، فإن احتاج الحائط إلى إصلاح له فعلى من كان ذلك بسببه ، وإن انهدم وعلم صاحب الحائط بالفساد لم يكن عليه شيء ، وإن لم يعلم وعلم ذلك الآخر كان بناؤه عليه فإن جهلا جميعا جرت على قولين كالمخطئ فيما أذن له فيه ، وإن يضمن أصوب .