643 - ذكر فيه مالك أنه بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك كبر حتى كان لا يقدر على الصيام . فكان يفتدي .
14590 - قال مالك : ولا أرى ذلك واجبا . وأحب إلي أن يفعله إذا كان قويا عليه . فمن فدى فإنما يطعم مكان كل يوم مدا بمد النبي - صلى الله عليه وسلم .
14591 - قال أبو عمر : الخبر بذلك عن أنس صحيح متصل ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ، nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر بن راشد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني قال : كبر nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك حتى كان لا يطيق الصوم قبل موته بعام أو عامين ، فكان يفطر ويطعم .
14592 - وروى قتادة ، عن النضر بن أنس مثله ، قال : كان يطعم عن كل [ ص: 213 ] يوم مسكينا .
14593 - قال أبو عمر : اختلف عن أنس في صفة إطعامه ، فروي عنه مد لكل مسكين ، وروي عنه نصف صاع ، وروي عنه أنه كان يجمعهم فيطعمهم فربما جمع ثلاث مئة مسكين فأطعمهم وجبة واحدة . وربما أطعم ثلاثين مسكينا كل ليلة من رمضان يتطوع بذلك ، وكان يصنع لهم الجفان من الخبز واللحم .
14600 - قلته خبرا عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقياسا على من لم يطق الحج أنه يحج عنه غيره ، وليس عمل غيره عمله عن نفسه كما ليس الكفارة كعمله .
14601 - قال : والحال التي يترك فيها الكبير الصوم يجهده الجهد غير المحتمل .
14602 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم : يفطر ويطعم لكل يوم مسكينا نصف صاع من حنطة ، ولا شيء عليه غير ذلك .
14603 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : أما الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم فإنه يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا إذا كان الصوم يجهده ، وإن كان لا يقدر على الصوم فلا شيء عليه .
14605 - قوله تعالى : يطيقونه هو الثابت بين لوحي المصحف المجتمع عليه ، وهي القراءة الصحيحة التي يقطع بصحتها ويقطع الفرد بمجيئها .
14606 - وقد اختلفت العلماء بتأويلها .
[ ص: 215 ] 14607 - قال منهم قائلون : هي منسوخة .
14608 - قالوا : كان المقيم الصحيح المطيق للصيام مخيرا بين أن يصوم رمضان وبين أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ، وإن شاء صام منه ما شاء وأطعم عما شاء ، فكان الأمر كذلك حتى أنزل الله - عز وجل - : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر الآية [ البقرة : 184 ] فنسخ به ما تقدم من التخيير بين الصوم والإطعام .
14613 - قال : والصوم مع ذلك خير له من ذلك ، وكل هؤلاء يقولون : الآية . منسوخة بقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185 ] .
14614 - وممن قال بذلك nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، رواه أيوب nindex.php?page=showalam&ids=15804وخالد الحذاء عن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
14615 - ورواه يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
14616 - ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وعثمان بن عطاء الخراساني ، عن عطاء ، عن [ ص: 216 ] nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
14617 - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع لم يختلف عنه فيه ، وقول علقمة وعبيدة ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=12300وابن شهاب الزهري .
14618 - وهو قول جماعة من أهل الحجاز والعراق إلا أنهم في قولهم : إنها منسوخة ، مفترقون فرقتين .
14619 - منهم من قال : منسوخة جملة في الشيخ وفي غيره .
14620 - ومن قول هؤلاء أو بعضهم أن الناس لا يخلون من إقامة أو سفر ومن صحة أو مرض ، فالصحيح المقيم غير مخير ; لأن الصوم كان عليه فرضا واجبا لقدرته على ذلك وإقامته ببلده ، والمسافر يخير على ما تقدم من حكمه في كتاب الله - عز وجل - فإن أفطر فعليه عدة من أيام أخر ولا فدية . والمريض لا يخلو من أن يرجى برؤه وصحته ، فهنا إن صح قضى ما عليه عدة من أيام أخر ، وإن لم يطمع له بصحة ولا قوة كالشيخ والعجوز اللذين قد انقطعت قوتهما ولا يطمعان أن يثوب إليهما حال يمكنهما من القضاء فلا شيء عليهما من فدية ولا غيرها ; لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .
14621 - هذا معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد ، nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله ، ومكحول الدمشقي ، nindex.php?page=showalam&ids=15883وربيعة بن عبد الرحمن ، وسعيد بن عبد العزيز ، ومالك وأصحابه ، وبه [ ص: 217 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، وداود . ورواية عن قتادة .
14622 - إلا أن مالكا يستحب للشيخ الذي يقدر على الصيام إذا قدر على الفدية بالطعام أن يطعم عن كل يوم مدا لمسكين من قوته ، ولا يرى ذلك عليه واجبا عليه .
14623 - وذهبت الفرقة الأخرى تقرأ يطيقونه وترى الآية منسوخة إلا أن النسخ فيها على بعض المطيقين للصوم .
14625 - قالوا : وذلك في الشيخ الكبير ، والعجوز ، والحامل ، والمرضع الذين لا يطيقون الصيام إلا بجهد ومشقة خوفا على الولد .
14626 - وذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم : nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في رواية ، وعطاء ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، وعكرمة .
14627 - وشريح كان يطعم عن نفسه ولا يصوم كفعل nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك .
14628 - وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وطائفة من أهل المدينة ، منهم : nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، وأبو الزناد ، nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب في رواية .
14629 - وهو معنى قراءة من قرأ يطيقونه لأن القراءتين على هذا التأويل غير متناقضتين .
14630 - وهذا شأن الحروف السبعة : يختلف سماعها ويتفق مفهومها ; فقراءة من قرأ يطيقونه يعني بمشقة ، وهو بمعنى يطوقونه أي : يتكلفونه ، ولا يطيقونه إلا بمشقة .
14632 - قال أبو عمر : قول nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب هذا كالقول الأول الذي حكيناه عن ربيعة ، ومالك ، ومن ذكرنا معهم في ذلك .
14633 - ومن حجة من قال بوجوب الفدية ظاهر قول الله - عز وجل - : وعلى الذين يطيقونه يريد : يطيقونه ، ويشق عليهم ، ويضر بهم فدية طعام قال : لو أفطر هؤلاء في الآية المحكمة ، ألزموا الفدية بدلا من الصوم ، كما ألزم من لا يطيق الحج ببدنه أن يحج غيره بماله ، وكما ألزم الجميع الجاني على عضو مخوف الدية بدلا من القصاص في قول الله - عز وجل - : والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] .
14634 - قال أبو عمر : الاحتجاج بهذه الأقوال يطول ، وقد أكثروا فيها ، والصحيح في النظر - والله أعلم - قول من قال : إن الفدية غير واجبة على من لا يطيق الصيام ؛ لأن الله تعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه ؛ لأنه لم يوجب فرضا إلا على من أطاقه ، والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة ، وكالأعمى العاجز عن النظر لا يكلفه ، وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله ، ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه ، ولا إجماع في ذلك عن الصحابة ، ولا عن من بعدهم ، والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه والذمة بريئة .
14635 - قالوا : أحب أن لا يوجب فيها شيء إلا بدليل لا تنازع فيه . والاختلاف عن السلف في إيجاب الفدية موجود ، والروايات في ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس [ ص: 220 ] مختلفة . وحديث علي لا يصح عنه ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك يحتمل أن يكون طعامه عن نفسه تبرعا وتطوعا ، وهو الظاهر في الأخبار عنه في ذلك .
14636 - وأما الذين كانوا يقرءون : ( على الذين يطوقونه فدية طعام مساكين ) فهذه القراءة رويت عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من طرق ، وعن عائشة ، كذلك كان يقرأ مجاهد ، وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وجماعة من التابعين وغيرهم ، وكلهم يذهب إلى أن الآية محكمة في الشيخ ، والعجوز ، والحامل ، والمرضع الذين يكلفون الصيام ولا يطيقونه . وسيأتي ذكر الحامل والمرضع في هذا الباب إن شاء الله .
14637 - ومعنى يطيقونه عند جميعهم : يكلفونه .
14638 - ثم اختلفوا فقال بعضهم : يكلفونه ولا يطيقونه إلا بجهد ومشقة مضرة ، فهؤلاء جعلت عليهم الفدية .
14639 - وهذا القول نحو ما قدمنا عن الذين ذهبوا إلى ذلك ممن قرأ القراءة الثابتة في المصحف يطيقونه .
14640 - وقال بعضهم : يكلفونه ولا يطيقونه على حال النية ، فألزموا الفدية بدلا من الصوم ، وذكروا نحو ما ذكرنا من الحجة ومعارضات لم أر لذكرها وجها ؛ لأن القراءة غير ثابتة في المصحف ولا يقطع بها على الله تعالى ، وإنما مجراها مجرى أخبار الآحاد العدول في الأحكام .
14641 - وفيما ذكرنا كفاية ودلالة على ما عنه سكتنا ، وبالله توفيقنا .