977 م - قال يحيى سئل مالك : عن إمام قبل الجزية من قوم فكانوا يعطونها . أرأيت من أسلم منهم . أتكون له أرضه ، أو تكون للمسلمين ، ويكون لهم ماله ؟ فقال مالك : ذلك : يختلف . أما أهل الصلح ، فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله . وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة ، فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين . لأن أهل العنوة قد غلبوا على بلادهم . وصارت فيئا للمسلمين . وأما أهل الصلح ، فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم . حتى صالحوا عليها فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه .
20560 - قال أبو عمر : مما ذكره مالك - رحمه الله - في هذا الباب عليه جماعة العلماء إن من صالح على بلاده ، وما بيده من ماله عقار وغيره ، فهو له ، [ ص: 332 ] فإن أسلم ، أحرز له إسلامه أرضه وماله .
20561 - وأما أهل العنوة ، فإنهم وجميع أموالهم للمسلمين ، إن أسلموا لن تكون لهم أرضهم ؛ لأنها لمن قاتل عليها وغلب أهلها ، فملك رقابهم وأموالهم ، قال الله - عز وجل - : وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم [ الأحزاب : 27 ] .
20562 - وسنذكر اختلاف العلماء في قسمة الأرض المغلوبة عن عنوة في قصة خيبر في كتاب المساقاة - إن شاء الله ، وما أعلم بلدا من البلاد التي فتحها المسلمون بالإيجاف عليها والمقاتلة لها خرج عن هذه الجملة المذكورة إلا مكة - حرسها الله - فإن أهل العلم اختلفوا في قصة فتحها ، فقالت طائفة : فتحت عنوة . والفتحة الغلبة .
20563 - وممن قال ذلك : nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، وأبو حنيفة .
20567 - قالوا : وهذا لو صح كان فيه ما يدل على أنها دخلت عنوة .
[ ص: 333 ] 20568 - وقد أجمعوا على أنها لم يجز فيها من حكم العنوة ، ولم يقتل فيها إلا من استثناه ( عليه السلام ) ، وأمر بقتله ، ولم يسب فيها ذرية ، ولا عيالا ، ولا مالا وإن أهلها بقوا إذ أسلموا على ما كان بأيديهم من دار وعقار ، وليس هذا حكم العنوة بإجماع .
20569 - وقال أبو عبيد : افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، ومن على أهلها ، وردهم إليها ، ولم يقسمها ، ولم يجعل شيئا منها غنيمة ، ولا فيئا .
20570 - قال : فرأى بعض الناس أن ذلك جائز له وللأئمة بعده .
20577 - وقال أصحابه : أراد بقوله : صلحا أي فعل فيها فعله : فيمن صالحه ، فملكه نفسه وماله وأرضه ودياره : وذلك ؛ لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أمن أهلها كلهم إلا الذين أمر بقتلهم .
20580 - وعهد إلى أمرائه من المسلمين إذا دخلوا مكة ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا نفرا سماهم ، فنهض بهذا الأمان إلى مكة أبو سفيان ونادى به .
20581 - فهذا الأمان قد حصل لأهل مكة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران فأين العنوة هاهنا مع الأمان الحاقن للدم والمال ؛ لأن المال تبع للنفس .
20584 - قال أبو داود : حدثنا محمد بن عمرو الرازي ، قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، عن العباس بن عبد الله بن معبد ، عن بعض أهله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : لما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر الظهران ، فذكر الحديث في خبر إسلام أبي سفيان ، ومجيء العباس به للنبي - صلى الله عليه وسلم - على نحو ما في السير .
20587 - قال أبو داود : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل سأله رجل قال : مكة عنوة هي ؟ قال : إيش يضرك ما كانت ؟ ! قال : فصلح ؟ قال : لا .
20588 - قال أبو عمر : من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : شرع الطائفتان من قال : إن مكة دخلت عنوة لأمره الزبير وأبا عبيدة ، وخالدا بقتل قريش بعد دخول مكة ، ومن شرع من قال : لم يدخل عنوة . لأن فيه النداء بالأمان في ذلك الوقت .
20591 - فمن قال : إن ذلك كان بمر الظهران كان أصح وأولى ممن قال : إن ذلك كان بعد دخوله مكة ، لأنه معلوم أن من شهد ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من تأمين أهل مكة في حين إسلام أبي سفيان فقد شهد بزيادة على ما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، لأن من تقدم أمانه لا ينكر أن يعاد عليه الذكر بذلك عند دخوله مكة .
[ ص: 338 ] 20592 - ومعنى إرساله الزبير وأبا عبيدة وخالدا قد ظهر في الحديث الآخر ؛ لأنه أمر أمراءه ألا يقاتلوا إلا من قاتلهم إلا من استثنى لهم ، فهذا تهذيب الأمان في ذلك ، والله أعلم .
20593 - وعلى هذا تتفق معانيها في أن مكة بلدة مؤمنة ، ولم يكن فيها شيء من أقوام له لعشرة ، ولم يكن فيها شيء من الصلح إلا أن يحصل أمرها كان ؛ لأنها صالحت لملك أهلها أنفسهم وذراريهم وأموالهم .
20594 - وهذا أشبه بحكم الصلح منه لحكم العنوة .
20595 - أخبرنا عبد الله ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14106الحسن بن الصباح ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم بن عقيل بن معقل ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، قال : سألت جابرا : هل غنموا يوم الفتح شيئا قال : لا .
20597 - فقال مالك ، والليث ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم : إذا أتى الحربي طالبا للأمان ، فأعطاه ذلك الإمام ، وله في دار الحرب أموال ، ودور ، وامرأة حامل ، وأولاد صغار وكبار ، فأسلم ، ثم ظفر المسلمون على تلك الدار إن ذلك كله إذا [ ص: 339 ] أسلم الحربي في بلده ، ثم خرج إلينا مسلما ، فإن أولاده الصغار أحرار ومسلمون ، وما أودعه مسلما ، أو ذميا ، فهو له ، وما أودعه حربي ، وسائر ماله هناك فيء ، فرقوا بين إسلامه قبل خروجه ، وبين إسلامه بعد خروجه ، لاختلاف حكم الدار عنده .
20598 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : من خرج إلينا منهم مسلما ، أحرز ماله حيث كان ، وصغار ولده .
20599 - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري .
20600 - ولم يفرق مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي بين إسلامه في دار الكفر ، أو دار الإسلام .
20601 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : يرد إليه أهله وعياله ، وذلك فيء . ولم يفرق بين ملك في الدارين .
20612 - وقال إسحاق : بيع دور مكة وشراؤها وإجارتها مكروهة ، ثم قال : شراؤها واستئجارها أهون من بيعها وإجارتها .
20613 - قال أبو عمر : هذا ضعيف من القول ؛ لأن المشتري والبائع متبايعان فما كره البائع ينبغي أن يكره المشتري ، وهذا نحو من كره بيع المصحف ، وأجاز شراءه .