3423 - فقوله فيه : عن أبيه غلط ؛ لأن أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة كلهم يقول فيه : عن فاطمة بنت المنذر ، وهي امرأته ، ولم يرو عنها أبوه شيئا ، وإنما هشام يروي عنها هذا الحديث وغيره .
3424 - وأما قوله : " فلتقرصه " يعني : تعركه وتحته وتزيله بظفرها ، ثم تجمع عليه أصابعها ، فتغسل موضعه بالماء .
3425 - وقوله : " ولتنضحه " يريد : ولتغسله . والنضح : الغسل ، وهو المعروف [ ص: 204 ] في اللسان العربي : أنه قد يراد بالنضح الغسل بالماء .
3426 - وهذا الحديث أصل في غسل النجاسات من الثياب ؛ لأن الدم نجس إذا كان مسفوحا ، ومعنى المسفوح : الجاري الكثير .
3427 - ولا خلاف أن الدم المسفوح رجس نجس ، وأن القليل من الدم الذي لا يكون جاريا مسفوحا متجاوز عنه .
3428 - وليس الدم كسائر النجاسات التي قليلها رجس مثل كثيرها .
3429 - وقد ذكرت في التمهيد عن nindex.php?page=showalam&ids=12060أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر ، قال : أدركت فقهاءنا يقولون : ما أذهبه الحك من الدم فلا يضر ، وما أخرجه الفتل مما يخرج من الأنف فلا يضر .
3430 - وقال مجاهد : لم يكن nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة يرى بالقطرة والقطرتين من الدم بأسا في الصلاة .
3431 - وتنخم nindex.php?page=showalam&ids=51ابن أبي أوفى دما في الصلاة .
3432 - وعصر nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بثرة فخرج منها شيء من دم أو قيح ، فمسحه بيده ، وصلى ، ولم يتوضأ .
[ ص: 205 ] 3433 - وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن nindex.php?page=showalam&ids=16874المبارك بن فضالة عن الحسن أن النبي - عليه السلام - كان يقتل القملة في الصلاة .
3434 - ومعلوم أن في قتل القملة دما يسيرا .
3435 - وقد ذكرنا هذه الآثار بأسانيدها في التمهيد .
3436 - وقد تقدم في فتل سالم لما خرج من أنفه من الرعاف ، وفي هذا المعنى كفاية .
3437 - وأجمع العلماء على غسل النجاسات كلها من الثياب والبدن وألا يصلى بشيء منها في الأرض ، ولا في الثياب .
[ ص: 207 ] 3446 - واحتجوا بإجماع الجمهور الذين هم الحجة على من شذ عنهم ، ولا يعد خلافهم خلافا عليهم - أن من صلى عامدا بالنجاسة ، يعلمها في بدنه ، أو ثوبه ، أو على الأرض التي صلى عليها ، وهو قادر على إزاحتها واجتنابها وغسلها ، ولم يفعل ، وكانت كثيرة أن صلاته باطلة ، وعليه إعادتها كمن لم يصلها .
3447 - فدل هذا على ما وصفنا من أمر رسول الله بغسل النجاسات ، وغسلها له من ثوبه على أن غسل النجاسة فرض واجب ، وإذا كان فرضا غسلها لم يسقط فرض غسلها على من نسيه ، وصلى بثوب نجس ؛ لأن الفرائض لا يسقطها النسيان ، كما لو نسي مسح رأسه أو غير ذلك من فرائض وضوئه أو صلاته .
3448 - وممن ذهب إلى هذا في غسل النجاسة قليلها وكثيرها ، إلا ما وصفنا من الدم اليسير نحو دم البراغيث ، وما كان مثله - nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . وإليه مال أبو الفرج المالكي . وهو مذهب الكوفيين ، إلا أنهم راعوا ما زاد على مقدار الدرهم قياسا على المخرج في الاستنجاء .
3449 - وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يدل على أن غسل النجاسة فرض مأخوذ من قوله تعالى " وثيابك فطهر " ( سورة المدثر : 4 ) كما قال nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين .
3450 - ويأتي ذلك بعد احتجاجا لما ذهب إليه أبو الفرج ، إن شاء الله تعالى .
3451 - وقال آخرون : غسل النجاسة سنة واجبة ، مؤكدة وليس بفريضة .
[ ص: 208 ] 3452 - قالوا : والدليل على ذلك أن كتاب الله تعالى ليس فيه ما يوجب غسل الثياب .
3453 - وتأولوا قوله تعالى " وثيابك فطهر " على ما تأوله عليه جمهور السلف : من أنها طهارة القلب ، وطهارة الجيب ، ونزاهة النفس عن الدنايا والآثام ، والذنوب .
3454 - وذكروا قول nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : اقرأ علي آية بغسل الثياب .
3455 - ذكره أبو بكر ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، قال حدثنا سفيان ، عن أبي شيخ ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، قال : اقرأ علي آية بغسل الثياب .
3455 م - قالوا : وقول nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : إنه أراد بذلك تطهير الثياب - شذوذ لم يقله غيره .
3456 - وقد أشبعنا هذا المعنى بأقاويل المفسرين من السلف ، ومن تابعهم من الفقهاء في التمهيد بالآثار ، والنظر ، والاعتبار ، والحمد لله .
3457 - وتقصينا هناك أقاويل الفقهاء فيمن صلى بثوب نجس ، أو على ثوب نجس ، أو على موضع نجس ، أو كانت في بدنه نجاسة ، أو تيمم على موضع نجس . فمن أراد ذلك تأمله هناك .
3461 - ولما بنى - عليه السلام - على ما صلى بالنجاسة ، ولم يقطع صلاته لذلك - علمنا أن غسلها لم يكن واجبا ، ولو كان واجبا فرضا لم تكن صلاة من صلى بها جائزة ، ولما تمادى في صلاته إذ رآها وعلمها في نعليه .
3462 - وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، وسالم ، وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى بن سعيد الأنصاري في الذي يصلي بالثوب فيه نجاسة ، وهو لا يعلم ، ثم علم : أنه لا إعادة عليه .
[ ص: 210 ] 3463 - وبه قال إسحاق ، واحتج بحديث أبي سعيد المذكور .
3464 - ومالك - رحمه الله - مذهبه في هذه المسألة نحو مذهب هؤلاء ؛ لأنه لا يرى الإعادة إلا في الوقت . والإعادة في الوقت استحباب ، لاستدراك فضل السنة في الوقت ، ولا يستدرك فضل السنة بعد الوقت ، لإجماع العلماء على أن من صلى وحده في الوقت ووجد قوما يصلون جماعة بعد الوقت ، قد فاتتهم تلك الصلاة بنوم أو عذر - أنه لا يصلي معهم .
3465 - وكلهم يأمره لو كان في الوقت - أن يعيد الظهر والعشاء هذا ما لم يختلفوا فيه ، وقد اختلفوا فيما عدا هاتين الصلاتين على ما نذكره في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله .
3466 - ومن ها هنا قال أصحابنا : مذهب مالك في غسل النجاسات أنه سنة ، لا فرض .
3467 - وجملة قول مالك في هذا الباب أن إزالة النجاسة من الثياب والأبدان واجبة بالسنة ، وليست بوجوب فرض .
3468 - وعلى ذلك جماعة أصحابه إلا أبا الفرج ، فإن غسلها عنده فرض واجب .
3469 - قالوا : ومن صلى بثوب نجس أعاد في الوقت ، فإن خرج الوقت فلا إعادة عليه .
3470 - وحجة أبي الفرج ومن قال قوله من المالكيين - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأحمد [ ص: 211 ] بن حنبل ، وإسحاق ، وقد تقدم إلى القول به الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين ، عالما أهل البصرة ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس معنى ذلك . ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، ومحمد بن يسار قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن عطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله : " وثيابك فطهر " قال في كلام العرب : أنقها إنها القلب ، وقال ابن المثنى في حديثه : أنق الثياب .
3471 - فالحجة لهم ظاهر قوله تعالى " وثيابك فطهر " والثياب غير القلوب عند العرب ، وهي لغة القرآن ، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في غسل الدماء والأنجاس من الأبدان والثياب والنعال . وقد ذكرنا الآثار بذلك في موضعه من التمهيد .
3476 - فإن رآه بعد فراغه أعاد ما دام في الوقت ، وكذلك البول ، والرجيع ، [ ص: 212 ] والمذي ، والمني ، وخرء الطير التي تأكل الجيف ، يعيد ما كان في الوقت من صلى ، ومن لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الوقت لم يعد . ومن تعمد الصلاة بالنجاسة أعاد أبدا .
3477 - هذا تحصيل مذهب مالك عند جماعة أصحابه إلا أشهب ، فإنه لا يعيد المتعمد عنده أيضا إلا في الوقت وقد شذ في قوله ذلك عن الجمهور من السلف والخلف .
3478 - وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد في ذلك كمذهب مالك .
3479 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قليل الدم والبول والعذرة والخمر ، وكثير ذلك سواء ، تعاد منه الصلاة أبدا ، والإعادة واجبة لا يسقطها خروج الوقت .
3480 - واختلف قول مالك في دم الحيض : فمرة جعله كسائر الدماء ، وهو الأشهر عنه ، ومرة كالبول ، وهو قول ابن وهب ، إلا ما كان نحو دم البراغيث وما يتعافاه الناس ويتجاوزونه لقلته ، فإنه لا يفسد الثوب ، ولا تعاد منه الصلاة .
3481 - وقول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور في ذلك مثل قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، إلا أنهما يخالفانه في الدم خاصة ، فلا يريان غسله حتى يتفاحش .
3482 - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ، إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري قال : إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة أبدا ، ولم يحد أولئك حدا .
3483 - وكلهم يروي غسل النجاسة فرضا .
3484 - وقول أبي يوسف ، وأبي حنيفة في هذا الباب كقول nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في مراعاة قدر الدرهم من النجاسة : أنه معفو عنه حتى يكون أكثر ، فتجب منه الإعادة أبدا . [ ص: 213 ] ويجب حينئذ غسله فرضا .
3485 - وقال محمد بن الحسن : إن كانت النجاسة ربع الثوب فما دون جازت الصلاة به .
3486 - وقال أبو يوسف وأبو حنيفة في الدم والعذرة والبول ونحوها : إن صلى وفي ثوبه من ذلك مقدار الدرهم جازت صلاته ، وكذلك الروث عن أبي حنيفة .
3487 - وقال أبو يوسف ومحمد في الروث : حتى يكون كثيرا فاحشا .
3488 - وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في بول ما يؤكل لحمه : حتى يكون كثيرا فاحشا .
3489 - وذهب محمد بن الحسن إلى أن بول ما يؤكل لحمه طاهر كقول مالك .
3490 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : بول ما يؤكل لحمه نجس .
3491 - وليس هذا موضع الاحتجاج لأقوالهم في نجاسة بول الإبل ، وما يؤكل لحمه . وسيأتي في موضعه إن شاء . الله تعالى .
3492 - وقال زفر في البول : قليله وكثيره يفسد الصلاة ، وفي الدم حتى يكون أكثر من قدر الدرهم .
3493 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن حي في الدم في الثوب : يعيد إذا كان مقدار الدرهم ، وإن كان أقل من ذلك لم يعد .
3494 - وكان يقول : إن كان في الجسد أعاد ، وإن كان أقل من الدرهم .
3495 - وقال في البول ، والغائط : يفسد الصلاة القليل والكثير منه إن كان في الثوب .
[ ص: 214 ] 3496 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : يغسل الروث والدم ، ولم يعرف قدر الدرهم .
3497 - وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي في البول : إذا لم يجد ماء يغسله به تيمم وصلى ، ولا إعادة عليه إذا وجد الماء .
3498 - وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه إذا وجد الماء في الوقت أعاد .
3499 - وقال في القيء يصيب الثوب ولا يعلم به حتى يصلي : مضت صلاته .
3500 - وقال : إنما جاءت الإعادة في الرجيع .
3501 - وكذلك في دم الحيض لا يعيد .
3502 - وقال في البول : يعيد في الوقت فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه .
3503 - وقال الليث في البول ، والروث ، والدم ، وروث الدابة ، ودم الحيض ، والمني : يعيد ، فات الوقت أو لم يفت .
3504 - وقال في يسير الدم في الثوب : لا يعيد في الوقت ، ولا بعده .
3505 - قال : وسمعت الناس لا يرون في يسير الدم يصلى به وهو في الثوب - بأسا ، ويرون أن تعاد الصلاة في الوقت من الدم الكثير .
3506 - قال : والقيح مثل الدم .
3507 - قال أبو عمر : هذا عن الليث أصح مما تقدم عنه . رواه ابن وهب وغيره عنه .
3508 - وقوله : هذا حسن جدا .
3509 - وقد أوردنا أقاويل الفقهاء والسلف في هذا الباب ، والله الموفق للصواب .