الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1247 1205 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ; أنه قال : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له ، وإن طلقها ألف مرة ، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها . حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ، ثم طلقها ، ثم قال : لا والله ، لا آويك إلي ولا تحلين أبدا . فأنزل الله تبارك وتعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ . من كان طلق منهم أو لم يطلق .

1206 - مالك ، عن ثور بن زيد الديلي ; أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ، ولا يريد إمساكها . كيما يطول بذلك عليها العدة ليضارها . فأنزل الله تبارك وتعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه [ البقرة : 231 ] يعظهم الله بذلك .


[ ص: 158 ] 27319 - قال أبو عمر : أفاد هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب ، وذلك حبس الرجل المرأة ، ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها .

27320 - وأجمع العلماء على أن قول الله - عز وجل - : أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين وإياها عنى قول الله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة 230 ] .

27321 - وأجمعوا أن من طلق امرأته طلقة ، أو طلقتين ، فله مراجعتها ، فإن طلقها الثالثة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

27322 - فكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله .

27323 - وقد روي من أخبار الآحاد العدول مثل ذلك أيضا .

27324 - حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني أبو معاوية ، قال : حدثني إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] . فأين الثالثة ؟ فقال رسول [ ص: 159 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : فإمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان " .

27325 - رواه الثوري ، وغيره ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين مثله .

27326 - قال أبو عمر : التسريح والفراق عند جمهور العلماء من سراح الطلاق .

27327 - قال الله - عز وجل - : فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [ الطلاق : 2 ] .

27328 - وقال في موضع آخر : فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف [ البقرة : 231 ] .

27329 - وهذا عندهم كما لو قال : فأمسكوهن بمعروف ، أو طلقوهن .

27330 - وقد روي عن مالك ، وبعض أصحابه في الرجل يقول لامرأته : قد سرحتك أنه ينوي ما أراد بذلك ، ولم يجعله مثل الإفصاح بالطلاق .

27331 - وقد احتج بعض أهل الزيغ ممن لا يرى وقوع الثلاث مجتمعات ; لقول الله تعالى : الطلاق مرتان [ البقرة : 229 ] فقالوا : قوله مرتان يقتضي مرة بعد مرة في وقتين ، فلا يكون إلا مفترقا ، والثلاث كذلك .

27332 - وهذا عند العلماء هو الطلاق المختار للعدة والسنة ، ومن خالفه [ ص: 160 ] لزمه فعله ، وعصى ربه ، وقد قدمنا الحجة في ذلك فيما مضى ، والحمد لله كثيرا .

27333 - وأما قول من قال من الكوفيين : من طلق ثلاثا مجتمعات ، فهي ثلاث ، ومن طلق واحدة ، فهي واحدة ، ومن طلق اثنتين ، فهي اثنتان فقول لا يصح في أثر ، ولا نظر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية