[ ص: 43 ] 1347 - مالك ، عن حميد بن قيس المكي ، عن مجاهد ; أنه قال : استسلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ، ثم قضاه دراهم خيرا منها ، فقال الرجل : يا أبا عبد الرحمن ، هذه خير من دراهمي التي أسلفتك ، فقال عبد الله بن عمر : قد علمت : ولكن نفسي بذلك طيبة .
30338 - قال أبو عمر : أما القول في حديث زيد بن أسلم المكتوب في أول هذا الباب ، وما فيه من المعاني ; فمعلوم أن رسول - الله صلى الله عليه وسلم - لم يكن يأكل من الصدقة ، وإنما كانت محرمة عليه ، لا تحل له ، وفي ذلك دليل على أن استسلافه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث لم يكن لنفسه ; لأنه قضاه من إبل الصدقة ; وإذا كان ذلك كذلك صح أنه إنما استسلفه الجمل لمساكين بلدة ; لما رأى من شدة حاجتهم ، فاستقرضه عليهم ، ثم رده من إبل الصدقة ، كما يستقرض ولي اليتيم عليه نظرا له ، ثم يرده من ماله إذا طرأ له مال ، وهذا كله لا تنازع فيه والحمد لله .
[ ص: 44 ] 30339 - وقد اختلف العلماء في حال المستقرض منه الجمل البكر المذكور في هذا الحديث :
30340 - فقال منهم قائلون : لم يكن المستقرض منه ممن تجب عليه صدقة ، ولا تلزمه زكاة عند انقضاء الحول ، إما لجائحة لحقت ماله قبل الحول ، فصار المال لغيره ، أو لغير ذلك من الأسباب المانعة للزكاة ; لأنه قد رد عليه صدقته ولم يحتسب له بها ، وكان وقت أخذ الصدقات وخروج السعاة وقتا واحدا يستوي الناس فيه ، واستوفى منه أصحاب المواشي ، فلما لم يحتسب له بما أخذ منه صدقة علم أنه لم يكن تلزمه صدقة في ماشيته في ذلك الحول الذي له أخذت صدقته ، إما لقصور نصابه بالآفة الداخلة على ماشيته قبل تمام حوله ، أو بغير ذلك مما قد وصفنا بعضه فوجب رد ما أخذ منه إليه .
30341 - ومثال الاستسلاف في هذا الموضع أن يقول الإمام للرجل : أقرضني على زكاتك لأهلها ، فإن وجبت عليه زكاة بتمام ملكك النصاب حولا ، فذلك وإلا فهو دين لك أرده عليك من الصدقة .
30342 - وهذا كله على مذهب من أجاز تعجيل الزكاة قبل وقت وجوبها بحول واحد .
[ ص: 44 ] 3 4 303 - وممن ذهب إلى ذلك : nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وإسحاق ، وأبو عبيد .
30344 - وروي ذلك عن إبراهيم ، nindex.php?page=showalam&ids=13283وابن شهاب ، nindex.php?page=showalam&ids=14152والحكم بن عتيبة ، nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى .
30345 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : يجوز تعجيل الزكاة لما في يده ، ولما يستفيده في الحول وبعده لسنين .
30346 - وقال : التعجيل عما في يده جائز ، ولا يجوز عما يستفيده .
30347 - وقال ابن شبرمة : يجوز تعجيل الزكاة لسنين .
30348 - وقال مالك ، وأصحابه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول إلا بيسير .
30349 - والشهر ونحوه عندهم يسير .
30350 - وقالت طائفة : لا يجوز تعجيل الزكاة قبل محلها بيسير ، ولا كثير ، ومن عجلها قبل محلها لم يجزئه ، وكان عليه إعادتها كالصلاة .
30351 - روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري .
[ ص: 46 ] 30352 - وروى nindex.php?page=showalam&ids=15795خالد بن خداش ، عن مالك مثله .
30353 - واختلف على أشهب في الرواية عن مالك في ذلك : فروي عنه مثل رواية nindex.php?page=showalam&ids=15795خالد بن خداش أنه لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها بقليل ، ولا كثير كالصلاة .
وروي عنه مثل رواية ابن القاسم .
30354 - واختلف أصحاب داود على القولين جميعا : قول من أجاز تعجيلها ، وقول من لم يجز .
[ ص: 47 ] 30355 - ومن حجة من قال : إنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها ، فالقياس لها على الصلاة ، وعلى سائر ما يجب مؤقتا كالحج ، وعرفة ، ورمضان وما أشبه ذلك من المؤقتات التي لا يجوز عملها قبل أوقاتها ، وأزمانها .
30355 م - ومن أجاز تعجيلها قبل سنتها قاسها على الديون المؤجلة ; لأنه لا خلاف في جواز تعجيلها قبل إحالها إذا تبرع بذلك .
30356 - وفرق بين الصلاة والزكاة ; بأن الصلاة يستوي الناس كلهم في وقتها ، وليس كذلك أوقات الزكاة ; لأن حول زيد في الزكاة غير حول عمرو ، وأحوال الناس في ذلك مختلفة ، فلم تشبه الصلاة ; لما وصفنا .
30357 - وأما من أبى جواز تعجيل الصدقة فقد تأول حديث أبي رافع المذكور في أول هذا الباب أن ذلك كان قبل تحريم الصدقة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله ، وعلى الأغنياء .
30358 - ودليل ذلك أنه لو كان استقرض على المساكين لم يرد من أموالهم أكثر مما أخذ لهم .
30359 - ودليل آخر : أن المستقرض منه غني ، فكيف يجوز أن يعطيه من أموال المساكين أكثر مما استقرض منه ، وهو غني لا تحل له الصدقة ؟ .
[ ص: 48 ] 30360 - وقد ذكرنا احتجاج الفريقين فيما ذهب كل منهما إليه وتأويله في هذا الحديث المذكور في كتاب " التمهيد " .